كيف منح المرتزقة الأجانب قبلة الحياة لمليشيا الدعم السريع
تقرير: أحمد غباشي
يوم الخميس الماضي ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤م، كشف ووزير الإعلام، جراهام عبد القادر، المتحدث باسم الحكومة السودانية، في تصريح صحفي أنه قد جرى فتح بلاغات في مواجهة 12 من المرتزقة الأجانب من دول أفريقية وعربية، منبهاً إلى أن محاكمتهم ستتم لاحقًا”.
ويلقي هذا الحدث الضوء على واحد أخطر الملفات في حرب السودان وأكثرها تشابكاً وتعقيدا، ويعتقد كثيرون أنه السبب المباشر في إطالة أمد هذه الحرب، والشريان الذي منح مليشيا الدعم السريع سائل الحياة ومكَّنها من مواصلة تمردها ستة عشر شهرا، بعد أن كاد يُقضى عليها منذ الأشهر الأولى من اندلاع تمردها!.. وتشير بعض التقارير الصحفية إلى أن ما بين 1000 إلى 1500 مقاتل كانوا يتدفقون على السودان يومياً عبر الحدود مع تشاد، قد يبدو الرقم مبالغاً فيه كثيراً، لكن المؤكد هو أن تدفق المرتزقة الأجانب للقتال مع المليشيا لم ينقطع، وكان سيلا منفتحاً على السودان من عدة محاور بدول الجوار، وليس تشاد وحدها.
*ظهور مبكر:*
منذ الأشهر الأولى للحرب في السودان انكشفت مشاركة المرتزقة الأجانب إلى جانب مليشيا الدعم السريع، حيث نشرت صفحات تواصل اجتماعي تابعة للمليشيا صورا ومقاطع فيديو لمقاتلين في تشاد أو النيجر يعلنون دعمهم لها..كما نشرت في أوقات لاحقة مقاطع لمآتم وسرادقات عزاء أقيمت في تشاد لتشاديين قُتلوا خلال مشاركتهم في حرب السودان.. ثم جاءت تأكيدات أخرى في تصريحات للفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني الذي أوضح أن مرتزقة جاؤوا من تشاد و(جمهورية) إفريقيا الوسطى والنيجر” يقاتلون مع قوات الدعم السريع. وذكر مقتل “قناص أجنبي”، حسبما نقله عنه موقع (swissinfo.ch)، كما نقل عن رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتيس قوله، في تصريح لراديو صوت ألمانيا (دوتش فيليه)، إن “عدد المرتزقة الذين جاؤوا من مالي وتشاد والنيجر بدعم من قوات الدعم السريع لا يستهان به”.. بجانب تأكيدات لشهود في الخرطوم قالوا إنهم سمعوا مقاتلين من قوات الدعم السريع يتحدثون الفرنسية، التي لا يتحدث بها السودانيون!. ما يشير الى أنهم قادمون من دول إفريقية متحدثة بالفرنسية مثل تشاد والنيجر ومالي والكاميرون أو إفريقيا الوسطى.
يضاف إلى ذلك أن وجود المرتزقة في قوات الدعم السريع قديم ويسبق اندلاع الحرب بسنوات، فكثير من أبناء قبائل التي لها امتدادات بين السودان وتشاد وغيرها من الدول المجاورة مثل قبائل عرب العطاوة وأبناء عمومتهم المتحدرين من جدهم جنيد، بالإضافة إلى الفلاتة والبرنو والتبو، قد تم تجنيدهم داخل صفوف الدعم السريع بعد أن استخرجت لهم أوراق ثبوتية سودانية.. كما تجدر الإشارة إلى أن محمد حمدان دقلو حميدتي قائد الدعم السريع، نشط في تجنيد المرتزقة من تلك القبائل، الذين اجتذبهم بالرواتب العالية، ودفع بهم إلى حرب اليمن التي شارك فيها إلى جانب قوات تحالف دعم الشرعية، والبعض الآخرين قاتلوا في ليبيا في إطار التعاون الذي يربطه باللواء خليفة حفتر قائد ما يعرف بالجيش الوطني الليبي المدعوم من الإمارات.
*أهم مجموعات المرتزقة:*
تقدر بعض تقارير عدد المقاتلين الأجانب (المرتزقة) الذين تدفقوا إلى السودان لمساندة السريع بـ270 ألف مقاتل، يتحدرون من أكثر من ثمانية دول، يمكن تصنيفهم إلى مجموعات بحسب الجهات التي يتحدَّرون منها، وأهم هذه المجموعات:
*أ/مجموعة التشاديين والوافدين عبر الأراضي التشادية:*
وتضم المجاميع التي تم تجنيدها من دخل الأراضي التشادية، وهي أكبر المجموعات نظراَ للامتدادات القبلية وصلات القربى مع مع مكونات الدعم السريع، حيث تركز التجنيد بالذات في محافظتي دستن والبطحا وسط القبائل العربية التي شكلت حواضنًا للتمرد، وبشكل خاص قبائل الماهرية والمسيرية وأولاد راشد.
وأشارت مصادر متطابقة إلى أن تدريب المرتزقة المجندين كان يتم تحت إشراف وزير الدفاع التشادي بشارة عيسى وبمساعدة ضباط في الجيش التشادي، ومعاونة ضباط إماراتيين، ويقع أكبر معسكرات التدريب في منطقة (بردبا) بالقرب من مطار أم جرس في، وهو مخصص لتدريب التشاديين من كل مناطق تشاد.. أما المعسكرات الأخرى، فهناك معسكران خُصِّصا لتدريب القادمين من الكاميرون وأبناء مناطق شالي باقرما وأبناء الفلاتة، وهما معسكر دوخي في منطقة المساقط ومعسكر قندل على بُعد 25 كيلو من إنجمينا، ويتم التدريب تحت إشراف ضباط من الشرطة التشادية.
وبحسب المصادر فإن معسكر بردبا كان يتم فيه تجميع الذين تم تدريبهم من كل المعسكرات، ويتم تزويدهم بالسلاح ثم نقلهم إلى السودان عبر مطار أم جرس، أو عبر المسارات البرية عبر محافظة (أم التيمان) إلى حدود ولاية غرب دارفور بالسودان، وعبر منطقة وداي ومدينة أبشي إلى منطقة أدري، ومن ثَم إلى ولاية غرب دارفور بالسودان.. وهناك مسارات أخرى لتدفق المرتزقة، منها طريق يتجه شمالا في تخوم الصحراء التشادية وصولاً إلى ولاية شمال دارفور، وطريق يمر بجنوب شرق تشاد عبر أفريقيا الوسطى.
كما شارك في القتال عدد كبير من عناصر حركات المعارضة التشادية التي كانت تقاتل نظام ديبّي، و يربطها بمحمد حمدان دقلو حلف سابق، وبعض تلك الحركات انتقلت بقيادتها للقتال في السودان، مثل حركة(نضال مظلوم) التي لقي قائدها حسين الأمين جَوْجَوْ مصرعه خلال معارك الخرطوم.
*ب/ مجموعة المرتزقة الوافدين عبر الأراضي الليبية*
وهذه المجموعة تشمل المرتزقة الليبيين الذين جاؤوا في إطار التعاون بين الدعم السريع والفصائل التابعة لما يُسمى بالجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما يشمل المقاتلين الوافدين من مالي والنيجر وبقية دول غرب إفريقيا، وهم القطاع الأكبر في هذه المجموعة، ويضم مقاتلين من القبائل العربية مثل المحاميد، وإثنيات أخرى مثل الفولاني والهوسا والتبو وبعض البربر.
ويعبرون الجنوب الليبي عبر جبال تبستي ومناطق التبو وأوزو، وهو ممر صحراوي يشق الصحراء الكبرى ويعبرون حدود السودانية إلى منطقة المثلث.
وتعتبر مدينة الكفرة أكبر مراكز تجميع المرتزقة في ليبيا، حيث يتلقون تدريبات عسكرية متقدمة في مراكز تدريب تابعة لكتيبة (سبل السلام) التي يقودها أحد السلفيين (المداخلة) يُدعى عبد الرحمن هاشم الكيلاني، وهي إحدى الوحدات التابعة لجيش خليفة حفتر، كما تساعد في عمليات ترحيل المرتزقة الكتيبة 128 التابعة لجيش حفتر ويقودها اللواء حسين معتوق الزادمة، وهي المسؤولة عن المنطقة الجنوبية الشرقية من ليبيا.
وتشير بعض التقارير إلى أن عناصر شركة فاغنر الروسية، بجانب عملهم كخبراء، شاركوا في مهام تدريب المرتزقة على التعامل مع الأسلحة وحرب المدن ليتم بعد ذلك نقلهم وتأمينهم إلى معسكرات الدعم السريع بالسودان.
وأكد الخبير الأميركي كاميرون هدسون لفرانس برس أن “مجموعة فاغنر لا تحارب اليوم في السودان ولكن لديها مستشارين فنيين”.
و يُعتقد أنه قد دخل من النيجر 6 آلاف مقاتل من الحرس النيجري، بتوجيه من الرئيس النيجري محمد بازوم، وأنه قد قام بتجنيد حوالي 21 ألف مقاتل من أبناء القبائل العربية، قبل الانقلاب عليه في أغسطس ٢٠٢٣م.
*ج/ مرتزقة جنوب السودان:*
تقدر بعض التقارير الصحفية عدد المقاتلين المرتزقة من دولة جنوب السودان بـ 4 آلاف مقاتل أغلبهم من أبناء قبيلة النوير الذين قاتلوا في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان، ويتميزون بالخبرة في استخدام المدفعية ويجيدون التدوين والقنص.
وفي مايو ٢٠٢٤م اعتقلت قوات الحركة الشعبية المعارضة بقيادة رياك مشار، اللواء (قبريال تاب قاتويك) على خلفية اتهامه بتجنيد مقاتلين من جنوب السودان – ولاية الوحدة – لصالح مليشيا الدعم السريع.
ونشرت صحيفة (Sudans post) التي تصدر باللغة الإنجليزية تقريراً مطولاً، على خلفية اعتقال قاتويك، الذي يقود وحدة تضم ما يصل إلى 1000 مقاتل من جنوب السودان ضمن مليشيا الدعم السريع، ويُتهم قاتويك بأنه يقوم بتجنيد مقاتلين في ولاية الوحدة منذ ديسمبر 2023 وتم القبض عليه في مايو 2024 أثناء محاولته الوصول إلى مقر الجيش الشعبي لتحرير السودان (المعارض) في تونغ.
وبحسب الصحيفة، يزعم قاتويك أنه جاء بهدف الانضمام برجاله للجيش الشعبي لتحرير السودان- المعارض، ويقول:“ولكن تم اعتقالي بدلاً من ذلك”، ويضيف أنه يقود قوة تتراوح بين 750 و1000 جندي، بعضهم من فشودة وأويل وأبيي وولاية الوحدة. وأشار إلى وجود خلافات بين المقاتلين من جنوب السودان وبين قوات الدعم السريع ما أدى إلى انخفاض عدد المقاتلين الجنوبيين، وذكر أن قتال وقع بين قواته وقوات تابعة للدعم السريع في حلة كوكو بشرق النيل، ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص (اثنين من قواته وثلاثة من العناصر العربية في قوات الدعم السريع).
وقال إن هناك قادة آخرون من جنوب السودان مثل “بلات”، وهو جندي سابق كان يتبع للجنرال ماتيب نيال من بول نوير، يقود عدة قوات في الخرطوم.
ومن القادة الجنوبيين الذين يقاتلون إلى جانب المليشيا الجنرال ستيفن بواي رولنيانغ زعيم الحركة الشعبية لجنوب السودان المعارضة حيث شوهد جنوده في صور ظهرت على الإنترنت وهم يرتدون زي الدعم السريع.
وعقب تحرير القوات المسلحة مقر هيئتي الإذاعة والتلفزيون في مارس الماضي، وقع في الأسر ما يربو على 152 مرتزق من جنوب السودان، يتحدر معظمهم من منطقة واحدة بولاية أعالى النيل في جنوب السودان.
تعتبر هذه المجموعات الثلاث هي الأكبر والأبرز، وهذا لا يعني عدم وجود جماعات من دول أُخرى، فقد أظهرت مقاطع فيديو وجود مجموعة من الإثيوبيين يرفعون علم بلادهم عند اقتحام مدينة الفولة بغرب كردفان.
توظيف شبكات النفوذ لتوريد المرتزقة وإنقاذ الدعم السريع:
يؤكد قيادات بالجيش والحكومة السودانية وكثير من المراقبين أن تدفقات المرتزقة بتلك الأعداد الكبيرة، مع إمدادات السلاح والتمويل الإماراتي كانت السبب المباشر في إطالة أمد الحرب بالسودان، وهي منحت مليشيا الدعم السريع قبلة الحياة، بعد الضربات القاصمة التي تلقتها من الجيش الذي كان متفوقاً عليها بسلاح الطيران، خلال الشهرين الأولين من الحرب،
وأن معسكر بردبا شرقي تشاد لعب دورًا مهما في إنقاذ الدعم السريع، حيث كان المصدر الوحيد، خلال شهر يونيو ٢٠٢٣م، لإمداد الدعم السريع في الخرطوم بالمقاتلين والسلاح وعربات النمر الإماراتية المقاتلة.
كما تؤكد تقارير صحفية أن دولة الإمارات دفعت بسخاء لقادة وزعماء ومسؤولين وشخصيات نافذة بدول المحيط السوداني، وقدمت إغراءات اقتصادية لعدة حكومات، واستخدمت شبكات ذات نفوذ وتأثير لتوفير إمدادات السلاح والقيام بأكبر عملية في التاريخ لترحيل المرتزقة عبر الحدود من أجل إسناد مليشيا الدعم السريع.
وفي هذا السياق ترد أسماء لنافذين بدولة تشاد بدءًا بالرئيس محمد ديبِّي ومدير مكتبه إدريس بويا، الذي تربطه علاقة نسب مع محمد دبِّي، وهو الذي يعتبره البعض عرَّاب العلاقات المشبوهة بين رئيس الإمارات محمد بن زايد والرئيس التشادي محمد ديبي، ويقولون إنه هو الذي أقنع ديبي بالموافقة عمليات تجنيد وترحيل المرتزقة للسودان.
هذا بجانب الدور الذي لعبه اللواء المتقاعد خليفة حفتر وقادة الكتائب التابعة لجيشه في ترحيل الوقود والسلاح والمرتزقة وتوفير التدريب على حرب المدن وعلى استخدام الأسلحة المتقدمة.
ومن جهة أخرى استخدم قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو شبكة الشراكات والمصالح الاقتصادية التي نجح في تكوينها قبل الحرب مع عدد من المسؤولين بدول المحيط مثل إثيوبيا ودولة جنوب السودان لتوفير الإسناد والدعم لتمرده، أو إحداث اختراقات في مواقف بغض الحكومات عن طريق الضغط عليها بتلك المصالح.
وكشف نقيب الصحفيين السودانيين الصادق الرزيقي، في مقال منشور بموقع الجزيرة نت، جانباً من تلك المصالح المتعددة، وكمثال لأسلوب الضغط، يشير إلى أن حميدتي استطاع، قبل تمرده، أن يحيط عددًا من النافذين في حكومة جنوب السودان، والمقربين من الرئيس سلفاكير بشبكة من العلاقات والتعاقدات والمصالح التجارية والاقتصادية، ومن ضمن أولئك ابنته أدوك سلفاكير، وعدد من مستشاريه مثل بول ميل مستشاره الخاص، وتوت قلواك مستشاره الأمني، ومدير جهاز الأمن الداخلي في جوبا أكول كور.. كما أحكم الخناق على سلفاكير عندما اشترى ديون الخرطوم على جوبا في رسوم عبور وتكرير نفط جنوب السودان.
ويؤكد الرزيقي وجود مجموعات من المرتزقة الجنوبيين بالسودان تدين بالولاء لتعبان دينق نائب الرئيس سلفاكير.. ويعتبر تعبان دينق من أكبر المسؤولين الجنوبيين الداعمين لتمرد الدعم السريع، بجانب مسؤولين آخرين أمثال د.ضيو مطوك، ولوكا بيونق، وفرانسيس دينق، ونيال دينق نيال، ووزير الخارجية السابق دينق داو ماييق، وآخرون.
وهو موقف يناقض الموقف المعلن من الرئيس سلفاكير، الذي يرفض التورط بمساندة أحد طرفي الصراع ويفضل العمل على الوصول لحلول سلمية.