
الخرطوم : نجاة حاطط
تفاجأ الصحفيون السبت الماضي في منبر سونا بدموع مدرارة تسقط من عينيّ عضوة مجلس السيادة عائشة موسىٰ وهي تجهش بالبكاء أثناء عرضها للصحفيين أحوال البلاد ومن ثم تلت عائشة اعتذارها للشعب السوداني عن عدم مواصلة المشوار وتمسكها بتقديم استقالتها، مشيرةً إلى فشل الحكومة في تحقيق شعارات الثورة، وطالبت بحل مجلس الشركاء لتغوُّله علىٰ صلاحيات ليست له – علىٰ حد قولها – ، وأضافت عضوة مجلس السيادة المستقيلة بأن التجاوز لصلاحياتهم الدستورية أضحىٰ السمة البارزة التي لا يمكن تجاوزها.
هجوم ومطالب:
وهاجمت عضوة مجلس السيادة الحكومة الانتقالية ووصفتها بالعشوائية ، مطالبةً بحلِّ مجلس الشركاء وهيكلةِ الأجهزةِ الأمنيةِ وانتقال رئاسة مجلس السيادة للمكون المدني. وأضافت بأنَّ المكون المدني هو المتهم الأوّل بضعف المؤسسات المدنية والعدلية ووجوده في مجلس السيادة مجرد جهاز تنفيذي ليس له مشاركة في صنع القرار.
حالة “تَنَمُّر” :
وشكت عائشة موسىٰ من حالة ” تَنَمُّر” العسكريين علىٰ المدنيين، في حين أنْ كثير من الناس ظل ينسب اخفاقات الحكومة للمدنيين. مضيفةً بأن الضعف يوجد في كل مفاصل الدولة وأدىٰ إلىٰ انفراط الأمن وعدم تقنين ومراقبة القوات العسكرية. وختمت عائشة حديثها بأن الحكومةَ فشلت مجتمعة في رفع المعاناة عن كاهل الشعب السوداني.
شد وجذب:
حديث عضوة مجلس السيادة المستقيلة جعل هناك حالة شد وجذب في وسائل التواصل الاجتماعي ما بين مؤكد لحديثها بأن المكون المدني عبارة عن” ديكور” فقط في الحكومة الانتقالية، وما بين مخالف لحديثها ويعتبرها فشلت في المنصب الذي رُشحت إليه من قبل القِوىٰ المدنية، مضيفةً بأنها لم تقدم شيئاً بخلاف مبادرتها تلك لإفراغ السجون من نزلائِها، وحتىٰ هذه المبادرة فقد هاجمها الكثير من الناس باعتبار أن المفرج عنهم كان من بينهم المغتصبين والسارقين والمجرمين الذين يشكلون خطرًا علىٰ المجتمع.
“فلاش باك”:
وكانت عائشة موسىٰ أشارت في مقابلةٍ لها مع قناة “البي بي سي” في أوَّل أيّام توليها المنصب السيادي إلىٰ حالة التناغم التام بين المدنيين والعسكريين، وأنهم جميعًا سواسية في التشاور في القرارات قُبَيل اتخاذها . ولكن سرعان ما بدأت الاتهامات تتبادل بين المكونين العسكري والمدني، إذ وصف رئيس المجلس السيادي الفريق أوّل عبدالفتاح البرهان المكون المدني بالفشل متمثلًا في الجهاز التنفيذي للدولة، ولكنَّ رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك سرعان ما رد عليه بأن 80% من المؤسسات الحكومية هي خارج ميزانية الدولة إذ تتبع للمنظومة العسكرية.
محاسبة:
اعتبر – مصدر مطلع- فضَّلَ حجب اسمه حديث عضوة مجلس السيادة عن حالة “تَنَمُّر” الشق العسكري على الشق المدني اعتبره من شاكلة الكبائر التي يجب أن يحاسب عليها حتىٰ الكبار لأنها تلفت النظر للخلافات المتشعبة داخل الحكومة الانتقالية، الشيء الذي يفتح الباب واسعًا أمام الانتهازيين الذين يسطون علىٰ السلطة ليلًا. وكذلك علىٰ الدول التي تكيد للسودان وتريد الانقضاض عليه. مضيفًا بأن مثل هذه الأسرار يجب أن تناقش داخل الغرف المظلمة بين المكونين لا أنْ تذاع على الملأ ، وأضاف المصدر بأنّ عضوة مجلس السيادة أرادت أنْ تعرّف الشعب السوداني بماهو معروف أصلًا فالشعب لمَّاح ولا يحتاج إلىٰ دموع وشكاوىٰ من حكومية كانت حتىٰ الأمس القريب ضمن طاقم الحكومة الانتقالية، وأنَّ فشل الحكومة لم يحدث اليوم أو الأمس فحسب، فلماذا صمتت عضوة السيادي طيلة العامين المنصرمين رغم الأخطاء الظاهرة للعيان وفضلت أن تلوذ بالصمت؟!! . وأضاف المصدر في حديثه لـ”شبكة الطابية الإخبارية ” بأن حديث عائشة موسىٰ وتقديم استقالتها بسبب قتل الثوار في ذكرىٰ فض الاعتصام هو موقف إنساني يُحمَد لها ولكن كان الأوْلَىٰ أنْ تتخذ هذا الموقف منذ فترة طويلة بسبب أن العدالة لا تتجزأ وملف شهداء فض الاعتصام لا يزال يراوح مكانه رغم أن أُسر هٰؤلاء الشهداء قد صدعوا رؤوس أعضاء مجلس السيادة بشقيه المدني والعسكري، مطالبين بضرورة تسريع التحريات والإتيان بالقصاص لقتلة الشهداء، وخرجت العديد من المواكب للتأكيد علىٰ تلك المطالب ولكن لاحياة لمن تنادي، و لا زال الملف يراوح مكانه حتىٰ يئِست أُسر الشهداء من تقدم الملفات للأمام وهاهم الآن يطالبون بتدويل القضية.
سلطة راجحة:
قال الأكاديمي والمحلل السياسي حسن الساعوري إنَّ الواقع يشي بأنَّ سلطة العسكريين أقوىٰ من سلطة المدنيين في الحكومة وأن العسكريين أصبحت سلطتهم راجحة على المدنيين و”الدايرنو بسووا ” مضيفًا بأنه حتىٰ المدنيين أحيانًا يفعلون مايريدونه دون مشاورة العسكريين لذلك كل مجموعة تفعل ما يحلو لها دون أن يغمض لها جفن سواءً من المكون العسكري أو المدني دون أن تشاور الأخرىٰ ولكن الكفة الراجحة أصبحت للمكون العسكري وسسلطتهم أصبحت أقوىٰ، علىٰ الرغم من انتهاء مدة تفويضهم ورغم ذلك لم تنتقل السلطة للمدنيين، لذلك فإنّ عائشة ومن معها من أعضاء المجلس السيادي من الشق المدني وجدوا أنفسهم “قاعدين ساي ” دون أن يجتمع المجلس السيادي ليقرر، وأضاف الساعوري بأن ذلك وضح جليًا عندما ذهب رئيس مجلس السيادة ليوغندا بغرض التطبيع وتم ذلك دون مشاورة أعضاء المجلس السيادي، وكذلك عندما طالب رئيس الوزراء القوات الدولية اليوناميتس بالدخول للأراضي السودانية، حدث ذلك أيضًا دون أن يكون لأعضاء مجلس السيادة علم بالواقعة، مضيفًا بأن هاتان الحادثتان الكبيرتان تؤكدان بأن مجلس السيادة لا يجتمع ليقرر وبالتالي أصبح بدون مهام.
توقيت:
وعن توقيت الاستقالة قال الساعوري في حديثه لـ”شبكة الطابية الإخبارية “إنَّ استقالة عائشة جاءت في وقت استقال فيه عضوان من مجلس الشركاء هما الدقير وإدريس وكذلك استقال النائب العام فتوقيت الاستقالة جاء مع آخرين وكأن هناك تنسيق بين عناصر من المدنيين ليدخلوا “قِوىٰ الحرية والتغيير” في أزمة. مضيفًا بأنّ هذه الفترة التي تمت فيها الاستقالات هذه ظهر فيها الضعف جليًا في “قِوىٰ الحرية والتغيير” حيث خرجت بعض مكوناتها مثل الحزب الشيوعي وانشقت بعض مكوناتها مثل تجمع المهنيين الذي انشق لعدة مكونات لذلك استقالة عائشة جاءت في توقيت تعاني فيه الحاضنة السياسية من عدم اتساقها مع بعضها البعض وكذلك الحكومة الانتقالية بمكونيها غير متسقة مع بعضها البعض.
أسباب :
وختم الساعوري حديثه بأن سبب استقالة عائشة ليس بسبب قتل الثوار في الذكرىٰ الثانية لفض الاعتصام ولكن بسبب عدم اجتماع أعضاء مجلس السيادة وحتىٰ عندما يجتمعون لم يناقشوا القضايا الآنية وبالتالي وجدت عائشة نفسها دون مهام تُذكر، فأتت بسبب احتجاجها على مقتل الثوار بدلًا عن أنْ تقول مجلس السيادة “قاعد حاصل فارغ ” فأرادت أن تأتي بسبب يضيف لرصيدها أمام الشعب السوداني.