كاتب ومقال

حقوق الطفل في الإسلام .. د. مدثر أحمد إسماعيل

 

إن الأمة الإسلامية أمة لها مرجعيتها، لديها القاعدة التي تبني عليها حياتها، بل تفاصيل حياتها، وليست بحاجة أن تسورد لها قوانين ونظم ومعاهدات وأخلاقيات وسلوكيات من المشرق والمغرب، لأن لديها دستوراً ومنهاجاً فيه سطر يقول (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، ولن نستطيع أن نُكذِّب هذا السطر، ولن يستطيع أحد أن يرد على ما في هذا الوحي المنزَّل، وعلى هذا السطر، فيقول نقص هذا الكتاب، قصّر هذا الكتاب، نسي هذا الكتاب، أغفل هذا الكتاب، وفرّط شيئاً هذا الكتاب.
والذين يقولون هذا الكلام بيننا كُثُر، وهم يريدون أن يقودونا لأن نفك ارتباطنا بهذه الكتاب وأن ندخل بيننا وبين هذا الكتاب شيئاً من الأحكام والقوانين والنظم والتشريعات التي تصادم وتخالف وتكذِّب هذا الكتاب، فإن تبعناهم وصدقناهم وسرنا خلفهم فقد كفرنا بهذا الكتاب.
وإننا إذ نقول هذا الكلام نسمع كل يوم بطامّة سبقت أو تلت أخرى، كل يوم تدر علينا في أمتنا فتنة أو دعاة فتنة يريدون أن يشرعوا و يقننوا ويضعوا أحكاماً ما أنزل الله بها من سلطان، لسنا بحاجة إليها من آخرها هذه المسطرة القانونية والمنظومة المزعومة أنها دولية، والتي تريد أن تصوغ أنظمة وشرائع تتعلق بالطفل، تجعل هذا الطفل في واد آخر غير الذي حدده كتاب الله تعالى.
ومن هنا نقول، والله لو علم الناس الحقوق التي كفلها كتاب الله وسنة رسوله للطفل، لألغوا كل قانون وتشريع متعلق بالطفل.. لقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم حقوق الطفل وكفالته وتربيته ورعايته في هذا الدين الذي ختم الله تعالى به الأديان، وألغى بأحكامه وشرائعه كل الأحكام التي سبقته، يهودية كانت أو نصرانية، ففيه من الأحكام والشرائع والنظم والقوانين، ما ليس في غيره من البنود والنصوص والمواثيق التي اهتمت بحقوق الطفل.
فلقد اهتم الإسلام بالطفل قبل أن يصير جنيناً في بطن أمه، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل قبل أن يتزوج ويبني أسرة، ويتخذ أمَّاً لولده، وأن يحسن اختيار هذه الأم التي تحسن إلى هذا الطفل بالتربية والتنشئة السليمة، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (تُنكح المرأة لأربعٍ: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، لأن ذات الدين ستحسن إلى الولد تربيةً وتنشئةً وإعداداً، كما قال شوقي:
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها * أعددت شعباً طيب الأعراق
وقد امتدت رعاية الإسلام لهذا الطفل حتى وهو حمل في بطن أمه، فالله عز وجل وضع العناء والمشقة عن هذه الأم الحامل بهذا الطفل رحمةً به ورعايةً له، فإذا حملت الأم وُضعت عنها تكاليف الصيام وبعض العبادات الشرعية. وإذا ما وُلِد الطفل واستهلَّ صارخاً، فقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون أول ما يطرق أذنه وسمعه ارتباطه بالله تعالى، فيؤذَّن في أذنه اليمنى، وتُقام الصلاة في اليسرى.
كذلك من حقوق الطفل أن يختار له أبوه اسماً حسناً يرفع رأسه، ويطمئن نفسه، ولا يجلب له الاستهزاء والسخرية والتنقُّص، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسموا بأسماء الأنبياء، وأحبّ الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارثٌ وهمام، وأقبحها حربٌ ومُرَّة).
كذلك بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ضرورة الفرح بهذا المولود الجديد والاحتفاء به؛ ليس من جهة أبيه وأمه وأسرته فحسب، بل من جهة المجتمع كله، ولذلك سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيقة فقال: (من وُلد له مولود فأحب أن يُنسك عنه فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة) وهذا تعبير عن الفرح والسرور بالمولود الجديد، وكأنَّ المجتمع كله يشارك الوالدين فرحتهما بهذا المولد الجديد.
بعد ذلك تبدأ مسيرة التربية والتنشئة والعناية والرعاية ابتداءً من إثبات الرضاعة له وكفالتها له من جهة أمه، وقد تنزلت آيات القرآن بحقوق الطفل في الرضاعة، فقال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف). ولا يخفى ما للرضاعة من أثر بعيد في التكوين الجسدي والعاطفي والاجتماعي للطفل، ولذلك أثبتها الشرع وأكَّد عليها. وهكذا تأتي التعاليم تلو التعاليم التي تبيَّن أن النبي صلى الله عليه وسلم أحاط هذا الطفل بالعناية والرعاية، فكان ينصح الأبوين بالعدل بين الأبناء، وينهاهما بالدعاء عليهم، ويحثهما في إثبات حقوق المولود المالية حتى وهو طفل.
أما فيما يتعلق بتعامل النبي صلى عليه وسلم مع الأطفال في حياتهم فلك أن تعجب أيّما عجب، فكان عليه الصلاة والسلام يعطي الأطفال حقوقهم، ويرفع منزلتهم وقدرهم حتى بين أكابر الرجال، كما كان صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري وأصحاب السنن يحمل حفيدته أُمامة بنت العاص بنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم ويلاعبها في داره، فإذا سمع الأذان لم يضعها ولم يرمها، بل يحملها معه في المسجد، ويأمر بإقامة الصلاة فيصلي وهي في حجره، فإذا سجد وضعها، وإذا رفع رفعها، فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال. يأتي حفيده الحسن رضي الله عنه وأرضاه وهو في المنبر يخطب، فلما يراه يترك الجمعة والخطبة وينزل من المنبر، ويهش ويستقبل حفيده ويحمله ويقبِّله، ثم يعود إلى المنبر ويخطب.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مع شفقته ورأفته بالأطفال، كان لديه منهاجاً تربوياً يربيهم به، فيحمل عبد الله ابن عباس خلفه على دابته ويعطيه الدروس والمنهج الذي ينبغي أن يتربى ويتأسس عليه، فيقول له (يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنَّ الأمة إذا اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإذا اجتمعت على أن يضروك بشيء، لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف).
ماذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين يخطيء الطفل؟ ففي قصة عمر بن أبي سلمة عندما كان طفلاً، اجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مائدة، فقال: كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة (أي المائدة) فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك. فانظروا إلى التأديب وليس التعنيف كما يُتهم الإسلام بأنه دين التعنيف. وكذلك يقول أنس ابن مالك رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يُقال له أبو عمير أحسبه قال كان فطيماً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه يقول له: يا أبا عمير ماذا فعل النُّقير؟ والنقير طائر صغير كان يلعب به أخي فمات). فانظروا كيف كان صلى الله عليه وسلم يداعب هذا الغلام الصغير ويلاطفه ليخفف عنه حزنه على فقد طائره، فهذا النبي بهذا القلب الكبير وهذه الرحمة، هو الذي شرع لنا كيفية التعامل والتربية للولد. كذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبعٍ واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ وفرِّقوا بينهم في المضاجع). فالتعاليم النبوية في حقوق الطفل لا تُعد ولا تُحصى.
ختاماً أقول نحن أمة مسلمة نقول لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، ومن معانيها: لا انقياد، لا خضوع، لا إقرار، لا اعتراف، لا رضا، لا احتكام إلا لما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نخضع ولا ننقاد لأي قانون ولا لأي دستور ولا لأي تشريع يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لا في تربية، لا في اجتماع، لا في اقتصاد، لا في سياسة، وكل ما عندنا نرجع به إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أرادنا على غير ذلك أو دعانا إلى غير ذلك، أو حاول أو فكَّر أن يعطّل ما في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأحكام والشرائع، ويحكمنا أو يحاكمنا أو يفرض علينا غيره مما يخالفهما، فقد دعانا إلى الكفر بالله، ولا سمع ولا طاعة. إن أراد هو أن يكفر بشرع الله، فهو شانه، أما نحن فلا والله لن نخلع ربقة الإسلام عن أعناقنا، ولن ننفض يدنا من بيعتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى