أخبارأخبار االسودانتقارير

الحرب على شركات الجيش .. هل ستعصف بالشراكة بين المكون العسكري والمدني؟

الخرطوم: الطابية

استيقظت الخرطوم، يوم أمس الأحد واليوم الاثنين، على ضجيج الأصوات التي كانت تسمعها همساً خلال الأيام والشهور الماضية، وبدأت البقع تأخذ شكل الاستدارة، وكان قد بدأ منحنى صغير في الظهور، دون أن تكتمل الدائرة بالوضوح الذي هو عليه الآن. الأحداث تسارعت عقب تصريحات مثيرة للجدل، أدلى بها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ليل السبت، مشيراً فيها إلى أن أكثر من (80)% من أموال السودان خارج ولاية وزارة المالية، في إشارة للقوات المسلحة، ومع أن رئيس الوزراء أكد استجابة الجيش لأيلولة بعض شركاته للوزارة، غير أن ناشطين محسوبين على حمدوك وعلى حاضنته السياسية، قادوا حملة مساء السبت، حاولوا عبرها التملص من الفشل والتردي الاقتصادي على شركات القوات المسلحة، بصورة تنذر بمعركة ربما يصل دخانها إلى أسوار القصر الرئاسي .

الرد جاء سريعاً من القائد العام للجيش والمسؤول الأول بالبلاد، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي اتهم رئيس الوزراء والطاقم الاقتصادي ضمنياً بالفشل، وقال انه اتخذ شركات الجيش (شماعة) لتعليق فشله، وأكد البرهان ان الجيش تنازل عن بعض شركاته لوزارة المالية لكن الأخيرة تباطات في الاستلام حتى اللحظة. ويرى مراقبون أن حمدوك أثار قضية شركات الجيش لكسب ود لجان المقاومة، التي تقود حملة شعواء ضده، وفشل الرجل الذي لا يحظى حالياً بأي دعم في الاستمرار في منصبه عقب تجاوز الدولار لحاجز المائتين، وكما يبدو فأن حمدوك شعر أن منصبه في مهب الريح، سيما وأن الحاضنة السياسية تحمله الإخفاق وتريد التضحية به، عقب تهيج لجان المقاومة عليه وتحميله شخصياً مسؤولية فض موكب (جرد الحساب) من خلال عدم خروجه ومخاطبته للموكب، وأراد بحسب متابعين، استعطاف الشارع بإدارة المعركة التي تفضلها لجان المقاومة، والمتمثلة في مناوشة الحليف العسكري، وهكذا ووفقاً لرؤية مستشاريه، ألقى الرجل حجراً في البركة الساكنة، لكن، كما يبدو قع في خطأ قاتل، تمثل في سوء التوقيت، ففي وقت سابق كان يمكن لحمدوك المبتدئ في تعلم دهاليز السياسة، النجاح حال ابتدر هذه المعركة، حيث كانت لا تزال عبارة (شكراً حمدوك) تتردد على المسامع وتكتب على الجدران وزجاج السيارات، والرجل طيلة هذه الفترة يتوارى عن تحمل مسؤولياته كاملة، وبينما يتطاول الدولار كان حمدوك يتقزم في عيون الشعب، بسبب تدهور الأحوال المعيشية وفقدان الأمل حتى لم يعد معه في النهاية سوى مجموعة من الناشطين، وبعض مكونات قوى الحرية والتغيير.

وكان الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة الانتقالي ورئيس لجنة إزالة التمكين قال ان جميع شركات المؤسسة العسكرية هي في الاصل صندوق للضمان الاجتماعي للفرد العسكري وتستقطع اموالها من راتبه شهريا منذ تاسيس الصندوق في العام 1972 واوضح العطا في المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة مساء الأحد بالقصر الجمهوري ان جميع شركات المؤسسة العسكرية تخضع للمراجعة العامة ولقانون الضرائب والجمارك مؤكدا إستعداد المؤسسة العسكرية للجلوس مع الحكومة التنفيذية لوضع خطط متكاملة وشراكات ذكية مع البنوك والقطاع الخاص من اجل تعافي الاقتصاد الوطني وتحسين معاش الناس، وبدأ أن الفريق العطا غاصباً في ذلك بصورة لفتت انتباه نائبه في اللجنة محمد الفكي، وأثارت عاصفة من الاستفهامات حول ما يجري في الخفاء بين المكون المدني والعسكري؟

بالنسبة للحاضنة السياسية، فهى كما هو واضح في بعض مكوناتها أقرب للانحياز لصف الجيش والتضحية بحمدوك،  حيث أكد عضو مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، خلال مؤتمر صحفي للجنة إزالة التمكين ليل الأحد، ضرورة ان تظل شركات الجيش تحت سيطرة الجيش، وامعاناً في الانحياز له، قررت لجنة إزالة التمكين إعادة شركة من أفراد موالين لحزب المؤتمر الوطني وتتبيعها للجيش، بعد يوم واحد فقط من تصريحات حمدوك وغضبة البرهان. بينما  جملة أحزاب الحرية والتغيير الأخرى فإنها التزمت الصمت في معركة (الجيش ــ حمدوك)، بالرغم من مرور 48 ساعة على تصريحاته، وهى الأن تتأهب لمناقشة تطورات الأزمة، التي ربما تعصف بشراكة فقدت معناها، وانتهت بمعاناة على عاتق الشعب السوداني. وبالتالي أن رغبت قحت في التصعيد ربما تخسر الشارع وشريكها في السلطة معاً .

من هنا بدأ الجيش، الذي نجح في كسب معركته سريعاً مع حمدوك، زيادة رقعة الحرب لتطال الحاضنة السياسية نفسها، وهو ما يقرأ من تصريحات البرهان اليوم الاثنين خلال تنويره لضباط وجنود قاعدة وادي سيدنا العسكرية، إذ اتهم البرهان هذه المرة صراحةً، أحزاب الحرية والتغيير باللهث وراء المناصب وتناسي معاناة الشعب، وأوضح البرهان أن الأحزاب رغم مرور عام لم تستعد للانتخابات ولا تزال تتصارع حول (وزيري ووزيرك) وتناست تماماً معاناة الشعب، ورفض البرهان بشدة تحميل شركات القوات المسلحة مسؤولية فشل الحكومة، وأكد ان الجيش مع الشعب وسيحمي ثورته.

وبالتالي تصدى الرجل لمعركة ربما تعصف بقوى الحرية والتغيير، فجزء منها سيكون مع الجيش والجزء الآخر سيغادر المشهد السياسي، وسيكون أول المغادرين بحسب مراقبين هو رئيس الوزراء، الذي فقد السند السياسي، إن لم يتخذ خطوات مهادنة ويصبح رئيسا لكل السودانيين عوضاً عن فصيل تتنازعه الخلافات والمطامع. إلى جانب ذلك فإن الوضع الاقتصادي لا يشفع لحمدوك وطاقمه الاقتصادي بالبقاء أكثر من ذلك، وهو على الأرجح سوف يقود إلى موجة ثورية جديدة تسفر عن واقعاً سياسياً مغايراً .

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى