حوارات وتحقيقاتسياسة

شبكة الطابية تخترق المسكوت عنه وتجري حواراً مع قيادي بحركة تحرير بني شنقول

الطابية: الخرطوم

 لأننا سودانيون مثلهم

تعتبر منطقة بني شنقول من المناطق المهمة جدا؛ إذ ينبع منها النيل الأزرق، ويقام في أرضها سد النهضة الذي يثير جدلاً واسعاً هذه الأيام، والمنطقة غنية بالثروات المعدنية ومن أهمها الذهب، وهذا معروف تاريخياً، لكن ربما الذي يجهله كثير من الناس في السودان وفي الإقليم عموماً أن هناك حركة باسم حركة تحرير بني شنقول تتبنى هذه القضية، وتستند إلى الكثير من الحقائق التاريخية والجغرافية والقانونية التي تدعم عدالة قضيتهم، وللوقوف على هذه القضية بأبعادها  السياسية والتاريخية والقانونية تمكنا بحمد الله من إجراء حوار مع المهندس إبراهيم الخناقي أحد قيادات حركة تحرير بني شنقول ومؤسس منظمة بني شنقول لحقوق الانسان، والرجل ينطوي على معرفة واسعة بالمنطقة تاريخها ومكوناتها وبالسياسات الإقليمية والدولية ويعتب على السودانيين حكومة وشعبا تفريطهم في جزء أصيل من أرضهم بحسب قوله، ولديه الكثير الذي يود تمليكه للرأي العام السوداني والعربي والعالمي، في هذه السانحة طوّفنا معه في سياحة سريعة للتعرف على قضية بني شنقول وتطوراتها ومستقبلها.

  • نتعرف أولاً إلى السيد/ إبراهيم الخناقي.

المهندس إبراهيم يوسف المعروف بالخناقي، نسبة إلى الخناق بشمال السودان بالقرب من دنقلا، وأصولنا من هناك، وأهلنا جاءوا من قبل المهدية واستقروا في منطقة بني شنقول، وسكنوا في حوالي ثلاثين قرية، وتصاهروا مع القبائل المحلية، شاركت في تأسيس حركة تحرير بني شنقول في الثمانينيات من القرن الماضي، وهي الحركة التي قاومت الاحتلال الحبشي منذ أيام منغستو، وأنا الآن في الخارج، وأسست منظمة اسمها بني شنقول لحقوق الانسان، وهي نمارس من خلالها النضال، ولي أكثر من ثلاثين سنة في العمل النضالي، وأنا أحد قيادات بني شنقول.

  • المنطقة التي تعرف ببني شنقول تقطنها فئات سكانية متعددة، نود أن نتعرف على التركيبة السكانية للمنطقة.

ـــ منطقة بني شنقول تحتوي على كل قبائل السودان، من دارفور،ومن الشوايقة، والجعليين،والدناقلة، والنوبة، ومن البجا، ومن جنوب السودان أيضا، لأن دولة الفونج كانت تشمل كل هذه المناطق، ومنطقة بني شنقول هي منطقة الانصهار للسودانيين قبل أمدرمان وقبل سنار، وفي ذلك الزمن لم يكن السودانيون يهاجرون إلى أمريكا أو دول الخليج كما يفعلون هذه الأيام، كانت الهجرة إلى بني شنقول، والفنان السوداني ود البادية مثلا يغني: ماشي أجيب المال من جبال البرتا.. يقصد منطقي بني شنقول، وأهل المنطقة مشهود لهم بأنهم يستقبلون الضيوف ويرحبون بهم، لأنهم أصلا ملوك في جبالهم، والقبائل الرئيسة في منطقة بني شنقول اربعة هي: البرتا، والقمز، والكوبا، والماو. وهم يستقبلون أي ضيف يحترم عاداتهم، والناس الذين جاءوا من الشمال أصبحوا ملوك في المنطقة،لأن أهل المنطقة يورثون الملك لابن البنت الكبير، وهو يرث الملك من جده لأمه، ولذلك نجد هنا ملوك أصولهم من البديرية، والركابية، ومنطقة الخناق مثلا، وهؤلاء هم الذين حكموا المنطقة لأكثر من ألف ومائتين سنة.

الإنجليز اقتطعوا بني شنقول وسلموها لإثيوبيا مثلما اقتطعوا فلسطين وسلموها لليهود.

بالنسبة لجغرافية بني شنقول، فتمتد تقريبا في كل حدود السودان مع إثيوبيا، وما يشاع الآن بأن الأمهرا والتقراي والأرومو متاخمون للسودان، هذا كله لا أساس له من الصحة، فهؤلاء كلهم احتلوا أراضينا ليصلوا للحدود مع السودان، فالحدود الحقيقية من رأس كسار في أرتريا، وحتى قمبيلا، هذه كلها حدود بني شنقول، وهي تشمل الفشقة، والحُمرا، والمتمة، وميعة خضرا، وعبد الرافع،والفونج قبل الأتراك كانوا يحكمون هذه المنطقة حتى مصوع، وسواكن كان ميناء الفونج، وهذه المناطق اقتطعها الانجليز في اتفاقية 1902م، وأعطوها للحبشة، ومن وقتها أهلنا يقاومون الاحتلال الحبشي، تاريخا منطقة بني شنقول مؤسِسة للسودان، وليست فقط جزءاً من السودان، فبني شنقول هم الذين أسسوا السودان الحديث في دولة الفونج، لأن دول الفونج أسست في قُبا بواسطة المكيين الذين جاءوا من مكة، وسموا هذه المنطقة على قباء المعروفة بالقرب من مكة، وتصاهروا مع القبائل المحلية، وهذه المصاهرة هي التي نتج عنها الفونج، ثم تحالفوا مع العبدلاب، وحكموا السودان أكثر من ثلاثمائة عام في سنار فقط، أما في منطقة فازوغلي فقد حكموا سبعمائة عام، فنحن نعتبر مؤسسين للسودان، وبني شنقول تمثل عظم الظهر بالنسبة للسودان، وفي المهدية معظم أمراء المهدية كانوا من بني شنقول، فتاريخيا بني شنقول قلب السودان قبل أن توجد أمدرمان ولا الخرطوم ولا الجزيرة أبا.

  • تعرضت منطقة بني شنقول لتطورات تاريخية شكّلت تاريخ المنطقة، للوقوف على الخلفية التاريخية للمنطقة نود أن نستعرض باختصار هذه التطورات.

ـــ كل الغزوات التي استهدفت السودان سواء من الانجليز أو من الأتراك كانت بسبب بني شنقول، بسبب الذهب، أو منابع النيل، أو الرجال الأقوياء لأن رجال بني شنقول محاربون أشداء، وحركة بني شنقول قامت من أجل تحرير بني شنقول من الاحتلال الحبشي البغيض، ونحن أجدادنا قاوموا منليك،وقاوموا هيلاسلاسي، وكل الأنظمة حتى الايطاليين، ونحن قاومنا منغستو، ولا زلنا نقاوم،وقاومنا ملس زناوي، وديسالين، وأبي أحمد، لأنهم كلهم بالنسبة لنا محتلون لأراضينا ولا بد أن يذهبوا.

ما حدث تاريخياُ أن الانجليز تواطؤوا مع الحبش، لذلك أصبحت بني شنقول الآن جزءاُ من إثيوبيا، ونحن نظرتنا لإثيوبيا أنها دولة محتلة لأراضينا، والحكومات السودانية التي جاءت بعد الاستقلال كانت حكومات نشأت في الوسط، وليس لديها علم بالأطراف، رغم أن أهلنا قبل الاستقلال ذهبوا وجلسوا مع السيدين، السيد عبد الرحمن المهدي، والسيد علي الميرغني، وجلسوا أيضا مع الأزهري، ومع المحجوب، لكنهم كلهم وبصوت واحد كانوا يسألون أين تقع بني شنقول، والجيل الجديد أيضا لا يعرف شيئا عن بني شنقول، فجيل الاستقلال كانوا من الوسط،ولم يكونوا يعرفون حدود السودان، لذلك للأسف لم يطالبوا ببني شنقول بعد الاستقلال، وأصبحت مثل قضية فلسطين، فالانجليز منحوا فلسطين لليهود، ومنحوا أيضا بني شنقول للحبش، لأن الحبش قالوا لهم إننا نصارى مثلكم، وفقراء، ونريد بني شنقول لنستخرج منها الذهب، ونتقاسم معكم هذا الذهب،وبعدها استرق الأحباش أهلنا، وعذبوهم، وإلى الآن أهلنا يتعرضون للتعذيب، والآن جاء سد النهضة وزاد الأمر.

  • تم تشييد سد النهضة في منطقتكم، ما هي تأثيرات بناء السد عليكم وعلى مجمل دول الإقليم؟

سدّ النهضة نحن نسميه سدّ الدمار الشامل وهو كارثة بالنسبة للسودان.

سد النهضة نحن نسميه سد الدمار الشامل، لأن هذا السد كرّس الاحتلال الحبشي، فقد قاموا بطرد مجموعة كبيرة من أهلنا حول السد، واستبدلوهم بآخرين من الأحباش من التقراي والأورمو وأخرين، والسد أنشئ أصلا لتكريس الاحتلال الحبشي، ولا تسمعوا لادعاءات أنهم يريدون كهرباء وماء، فإثيوبيا تنزل بها سنويا قرابة ألفين مليار متر مكعب من الماء، لكنهم بنوا السد ليطردوا أهلنا وليغرقوا غاباتنا، لأن غاباتنا تحمينا في مقاومتنا للحبش، ويريدون أن يغيروا دمغرافية المنطقة، وتشاهدون الآن مجموعة من اللاجئين بدأوا يتوافدون إلى السودان من أهلنا، وأهلنا لم يكونوا ينزحون من أرضهم، والآن مضطرون للنزوح لأن الحبش أصبحوا يمارسون فينا إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وحرق لمحاصيلنا، وبيوتنا، وأهلنا، ويحرقون الناس وهم نائمون، فالسد كارثة بالنسبة لنا، وكارثة بالنسبة للسودان، لأنه سيغرق السودان ويمحو السودان من الوجود،ولو لاحظتم خلال شهر سبتمبر الماضي أن الحبش أرسلوا لكم قليلا من الماء، فغرقت الخرطوم، فما بالك لو امتلأ السد، والسد سيكون ابتزاز للسودان، وسيعرض السودان لخطر كبير،والحبشة أسسها منليك لشقاء دولتين: الصومال، والسودان، وهم في  السودان يريدون الأرض ليزرعوا فيها، لأنهم في الحبشة يتكاثرون مثل النمل، والزواج في الحبشة غير مكلف، لذلك يتكاثرون بصورة كثيفة، ولديهم أفواه جائعة، ويرون أن الحل أن يتوسعوا في السودان، لذلك هم يغزون السودان منذ دولة مروى، وحتى الآن، والآن يجهزون لغزو السودان، وإثيوبيا دعمت كل الحركات المعارضة ضد السودان، يقدمون لها تسهيلات، ويفتحون لها معسكرات، فإثيوبيا دولة معادية للسودان،وأي شخص لا يعي هذا الكلام لا يعرف سياسة،ولا يعرف الحبش، والبعض في السودان ينخدع بالحبش لأنهم يغنون أغاني وردي، وسيد خليفة، لكن إثيوبيا تضمر سوءاً للسودان، وهلاك السودان من سعادتهم،والاستراتيجي السوداني لا يعي هذه الحقائق، لذلك نحن في بني شنقول تضررنا كثيرا من صاحب القرار السوداني، ونحن نعتبر أن مفاوضات سد النهضة مفاوضات عبثية، ولن تصل لشيء حتى بعد عشر سنوات من التفاوض، وقد قلنا هذا الكلام منذ عام 2011م، فلن تصلوا إلى شيء مع الحبش، والحبش لا يحترمون الاتفاقيات حتى لو كتبوها بايديهم، واي اتفاقية صاغوها بأيديهم هم أول من نقضها، ولذلك لا تتوقعوا أن تصلوا معهم لاتفاق، لأن  السد بُني لمحو السودان، ولعطش السودان، ومن أجل أن يبيعوا الماء للسودان، ولتكون كل دول المصب تحت رحمة إثيوبيا، فالسد كارثة، ولو بُني السد وملئ بالماء فالسودان سيكون في كف عفريت، والآن في رأيي أن السودان محتل من إثيوبيا، لأن هناك أربعة مليون حبشي  في العاصمة السودانية فقط، هذا غير  المناطق الطرفية من  الدمازين وحتى القضارف، ولدي معلومات أن الحبش يحتلون الآن أبو حمد، والاحتلال معناه أن هناك من يسيطر على اقتصادك، ويسيطر على حركتك، وإذا إثيوبيا وجّهت الحبش أن يضربوا الشمالية مثلا، لن يستطيع السودان أن يسيطر عليهم، ولو لم ينتبه السودانيون سيعيد الحبش ما حدث أيام مملكة مروي، لأن مروي كانت منشغلة بالحروب مع الرومان، فاستغل الحبش هذا الظرف واحتلوا السودان وقسموه إلى ثلاث دويلات، فالسد جزء من من مخطط أطماع الأحباش في السودان.

يهمنا أن يعرف السودانيون قضيتنا لأننا سودانيون مثلهم.

  • في ظل التطورات والأحداث التي تجري بين السودان وإثيوبيا حاليا، ما هي رؤيتكم لاتجاه الأحداث بالنسبة إلى قضيتكم؟

بالنسبة للتطورات التي تجري في الحدود السودانية الإثيوبية، فإن السودان إذا لم يأخذ الأمر مأخذ الجد، سيفقد الفشقة، والدمازين، والقضارف، وحتى سنجة وسنار، والحركات المتمردة السودانية لا زالت لديها علاقات مع الأحباش، مثل حركة الحلو وغيره، ولا زالو يأخذون مؤنهم من إثيوبيا، وإثيوبيا تدعم أي معارضة ضد السودان، بغض النظر عن النظام القائم في السودان؛ اشتراكي، أو ديمقراطي، أو ثوري، فهم ضد النظام القائم في السودان أيا كان، فالأحباش قد يبتسمون لكم أو يرددون الأغاني الوطنية مثل يا اخت بلادي وغيرها، ولكن سياستهم لا لبس فيها ولا تردد، ونحن نقول هذا الكلام لأننا نعرف لغتهم، ولأننا في حالة مقاومة لهم لأكثر من مائة وعشرين عاما، فنحن نعرفهم معرفة تامة.

بالنسبة لقضيتنا نحن في حالة مقاومة حتى نحرر آخر شبر عندنا، لدينا جيش في الميدان يقاوم، ولدينا شعب مقاوم، وعندما يولد لنا مولود؛ لا نشترى له بهيمة للسماية، وإنما نشتري له بندقية ونهديها للمولود،ونحن غيّرنا كل عاداتنا لعادات مقاومة، حتى نحرر أرضنا، وللأسف الشديد السودان يتفرج علينا، وأحيانا يدعم الحبش ضدنا، وأقصد هنا السودان الرسمي، وكل الأنظمة في السودان وقفت ضدنا، حتى المعارضة السودانية تقف ضدنا لأنهم يصادقون الأحباش. وبالنسبة لنا لا يهمنا العالم، لأن الحرية لا تستجدى، ونحن نطالب بحريتنا، ومنطقتنا منطقة غنية جداً، وبها منابع النيل، والشائع أن منابع النيل في إثيوبيا، وهذا خطأ، والصحيح أن منابع النيل من بني شنقول، ونحن مقاتلون شرسون، ولا يهمنا عدد الحبش، وطفلنا يساوي ألف من الحبش، وسنظل نقاتل سواء أوقف معنا العالم أو لم يقف، ويهمنا أن يعرف السودانيون قضيتنا، ويعرف أننا سودانيون مثلهم، ونأمل أن يقف الشعب السوداني معنا بغض النظر عن موقف الأنظمة الحاكمة، والشعب السوداني لو وقف معنا سنحرر أرضنا من الكرمك إلى انطوتا، ومن قيسان إلى جِمّة، ومن رأس كسار إلى قمبيلا، وكل الشريط الحدودي للسودان مع إثيوبيا بعرض ثلاثمائة كيلومتر، هذه كله أراضينا، والشعب فيها سوداني نيلي.

أهلنا في بني شنقول يتعرضون للإبادة الجماعية وحرق المحاصيل والبيوت.

  • رؤيتكم للمستقبل.

بالنسبة للمستقبل نحن متفائلون جداً، لإن إثيوبيا تمضي إلى انهيار، ولن تكون هناك دولة اسمها إثيوبيا بنهاية هذا العام 2021م، وآبي أحمد سيكون آخر رئيس وزراء لدولة اسمها إثيوبيا، لأن التقراي بعد ما حدث لهم عرفوا أن العدو بالنسبة لنا ولهم هو دولة إثيوبيا كنظام، والتقراي سيذهبون كما ذهبت ارتريا، والأرومو أيضا سيذهبون، ونحن عانينا الأمرّين من الأحباش، من الاسترقاق، إلى التهجير، إلى  التشريد، وحرق الناس أحياء، وحرق محاصيلنا، وما وجدنا منهم خلال مائة وعشرين عاما غير كل سوء، وهم بالنسبة للسودان جيران سوء، لكن أغلب السودانيين لا يعرفون تاريخهم وجغرافيتهم، وانخدعوا بالحبش، وأبي أحمد اعترض ثورة السودان، كما اعترض الثورة في إثيوبيا لمصالح يعرفها هو، لكنه عدو لدود للسودان، والحبش لا يحترمون الجيرة والعهود، والحل الوحيد معهم هو الحسم فقط حسب فهمي.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى