
تقرير: الطابية
لا يزال المشهد ملتبسا، بالنسبة لموقف جنوب السودان من الأزمة السودانية، فبينما تقل التصريحات والفعل الرسمي الجنوب سوداني الداعم للجيش السوداني، تظل التقارير الدولية ووقائع الأحوال التي تتحدث عن تعاون غير معلن على الأقل من قيادات بجنوب السودان مع مليشيا الدع-م الس-ريع، تظل تحاصر جوبا الرسمية، وسط صمت كامل لسلفاكير والمحيطين به.
التصريحات السودانية الرسمية لم تتهم جوبا رسميا بدعم مليشيا الدع-م الس-ريع على قرار ما حدث لتشاد وأثيوبيا والإمارات، ومع ذلك فإن التصريحات الرسمية نفسها لا تضع جوبا في خانة القاهرة وأسمرا، اللتين تعلنان دعمهما الصريح للجيش السوداني.
وحسب مراقبين، فإن تجاهل التصنيف السوداني الرسمي لجوبا، مرده إلى ايمان القيادة السودانية، بوجود موقفين لجنوب السودان من الأزمة السودانية، حيث يدعم سلفاكير ودائرة ضيقة حوله الجيش السوداني، واستقبلت هذه المجموعة رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان في ديسمبر من العام الماضي، بينما رفض سلفاكير استقبال قائد مليشيا التمرد محمد حمدان حميد.تي، لكن المجموعة الأخرى بقيادة بنيامين بول، الذي عين لاحقا نائبا لسلفاكير، استقبلت هذه المجموعة، يوسف عزت، مستشار حميدتي في مايو من العام 2023، بعد أقل من شهر من قيام الحرب وهو مادفع الحكومة السودانية لإرسال مذكرة احتجاج شديدة اللهجة على الزيارة، وقتها.
عقب سيطرة مليشيا الدع-م الس-ريع على منطقة هجليج بغرب كردفان، انتشرت مقاطع فيديو تظهر وجود قوات تتبع لجنوب السودان داخل المنطقة التي تحتضن آبار النفط، وقبل أن يأخذ الحدث مساحته من الاستفهامات حول وجود قوات أجنبية في أراضي سودانية، ظهر رئيس أركان جيش جنوب السودان في مقطع فيديو من داخل هجليج، مؤكدا أن قواته دخلت المنطقة بناءا على اتفاق ثلاثي بين رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت وقائد مليشيا التمرد، محمد حمدان د.قلو، رغم أن الحكومة والجيش السوداني لم تؤكدان أو تنفيان هذا الاتفاق حتى اللحظة.
في آخر تطورات المشهد بين الخرطوم وجوبا، وصل اليوم مستشار سلفاكير، توت قلواك، إلى العاصمة الإدارية بورتسودان، حاملا رسالة من سلفاكير إلى رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان.
وقال مجلس السيادة في بيان، إن البرهان، تسلم رسالة خطية من رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، تتصل بعلاقات البلدين وتطويرها.
وأكد مجلس السيادة في بيان، أن لقاء البرهان مع مستشار سلفاكير، تناول علاقات التعاون، لا سيما في القطاعات الحيوية المتمثلة في قطاعات الطاقة والنفط والتجارة والاقتصاد.
وأوضح المجلس أن البرهان وجه كافة أجهزة الدولة على المستويات الوزارية والفنية للانخراط مع نظرائهم في دولة جنوب السودان لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأشاد البرهان، خلال تسلمه رسالة سلفاكير، بمواقف دولة جنوب السودان حكومة وشعبا في دعم الشعب السوداني، حسب بيان مجلس السيادة.
يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور الفاضل محمد محجوب، إن الوضع في جنوب السودان لا يزال غير مستقر، مشيرا إلى وجود موقفين مختلفين من الأزمة السودانية، أحدهما يدعم الجيش السوداني سرا بقيادة سلفاكير والأخر يدعم مليشيا الدع-م الس-ريع علنا، ويوفر لها الإمداد والمأوى ويهئ الظروف لمرور شحنات الأسلحة عبر أراضي جنوب السودان، واعتبر الفاضل، أن هذه المجموعة يمثلها جنرالات في جيش جنوب السودان متورطين حتى في إرسال المرتزقة للقتال بجانب حميد.تي، ويتقاضون مقابل ذلك أموالا طائلة تدفعها أبو ظبي، وبحسب دكتور محجوب، فإن نائب رئيس جنوب السودان المخلوع بنجامين بول، كان يوفر الحماية لهذه المجموعة من الجنرالات المرتشية، وأشار إلى أن الحكومة السودانية تدرك هذه التعقيدات في جوبا، وهو ما دفعها للتقليل من الهجوم على سلفاكير، لكنه عاد وتوقع حدوث تحول في موقف جنوب السودان عقب إقالة نائب سلفاكير رجل الإمارات في جوبا.
واعتبر أن زيارة توت قلواك لبورتسودان، تمثل رسالة طمأنة للجانب السوداني ومؤشر على انتصار المجموعة التي ترى في الجيش السوداني جارا مأمونا بدلا عن مليشيات معروفة بالغدر.
زيارة مستشار سلفاكير، بحسب أستاذ العلوم السياسية، دكتور محمد عمر، ذات ارتباط أيضا بالمستجدات في منطقة هجليج، حيث تسيطر قوات جنوب سودانية على الآبار التي تبعد 20 كيلومتر فقط عن الحدود الجنوبية، وأشار بيان مجلس السيادة لهذه الجزئية ضمنيا بالقول، أن اللقاء بحث علاقات التعاون بين البلدين، في القطاعات الحيوية، وذكر تحديدا النفط، دون مزيد من التفاصيل.
ولا يستبعد دكتور عمر، أن يكون هناك اتفاق تم بين البرهان وسلفاكير بشأن المحافظة على آبار النفط بمنطقة هجليج، من واقع تضرر البلدين حال حدوث أي عمليات تخريب لهذه الآبار.
ويرى أن زيارة توت قلواك تأتي في هذا الإطار، حيث سيبحث البلدين إمكانية استمرار تدفق النفط دون عوائق، لكن الزيارة وإن كانت فنية بحتة، فإنها على نطاق واسع تمثل مؤشرا لتحسن طفيف ومستمر في علاقات البلدين، ربما يحول جوبا من منصة عدوان إلى مدينة محايدة ثم مساندة للجيش السوداني لاحقا.


