
أحمد غباشي
لفتتني تدوينة كُتبت على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، وهي صفحة محترمة في دفاعها عن لحمة الوطن، والزود عن حياضه ضد التمرد الهمجي البربري الذي تدفع به القوى الخارجية لتفتيت السودان..
تقول التدوينة “بعون الله سنثأر لكل شهداء الفاشر.. ستروننا داخل حواضنكم ومدنكم في القريب العاجل”.. ورغم توافر حسن النية، إلا أن مثل هذه المصطلحات “حواضنكم” و”مدنكم”، لا تصب في مصلحة معركة الكرامة ولا تكافئ شرفها، بل تنحدر بها إلى دركة القبلية والجهوية!.
ليست مدنهم ولا حواضنهم، تلك المدن والقرى مدن سودانية، وتلك البوادي، بل تلك القبائل قبائل سودانية، وإن تابع بعض أبنائها المليشيا المتمردة وانجروا خلف دعاواها ودعايتها العنصرية، خيانة، أو طمعاً، سفهاً وبغياً وجهلا.. وهم وإن كان فيهم زعماء إداراتهم الأهلية، لا يعدون أن يكونوا بعضاً لا كلاً ولا جلّاً.. بل الأصل أن الغالبية مواطنون سودانيون لا يحبون التمرد ولا يرحبون به، ولكن منهم المغلوب على أمره، الرازخ تحت نير جبروت آل دقلو عسفهم، بل تجرعوا من كأس ظلمهم وإجرامهم مثلما تجرع بقية أبناء الوطن!.. ومنهم الصادع بالحق المجاهد القابض على الزناد في صف أبناء السودان، لا تزيغ به أهواء العصبية ولا القبلية ولا أحقاد الجهلاء.
نيالا والضعين والفولة والمجلد وبابنوسة هي مدن السودان، مثلها مثل الخرطوم ومدني وسنار وشندي وعطبرة والدبة ودنقلا والقضارف وكسلا وبورتسودان!.. وبادية البقارة مثل بادية البطانة والكبابيش وديار الجعليين والشايقية.
لن نعطي الفرصة لدعاية آل دقلو وعراببيهم وكفلائهم لتجرفنا إلى مسارها!.. هم يريدون منّا أن نجزئ البلاد والشعب قبلياً؛ مدننا ومدنهم، وحواضننا وحواضنهم!.. هكذا لنسلمهم ما بأيدينا طواعية، ونذعن لما أرادوا؟!.
إن مصطلح حاضنة وحواصن استخدم استخداماً سالباً، من قبل مجرمي الحروب المعاصزين لتبرير البطش بالأبرياء وسحق الشعوب.. التاريخ القريب لهذا المصطلح يقودنا إلى أن أبرز من استخدمه لوصم جزء من الشعب، إن لم يكن أولهم، هو مجرم سوريا بشار الأسد، عندما كان يُسوِّغ بطشه بالسوريين بقوله؛ إن تمدد، من يصفهم بالمخربين، يدل على أن وراءهم “حاضنة مجتمعية”، ورتب على ذلك أن سوريا بأزاء “فشل اجتماعي كبير”!.. وبهذا أعطى لنفسه المسوِّغ لدك المدن والقرى وهدمها على رؤوس ساكنيها!..
الهدف الذي يسعى إليه رعاة هذه الحرب والفاعلون الدوليون فيها، هو تنفيذ مخططات تقسيم السودان وتفتيته إلى دويلات متعددة، بعض تلك المخططات يتحدث عن ثلاث دول، وبعضها عن خمسة!.. وهذا التقسيم بين شعب يجمعه الدين والثقافة والقيم والعادات، لن يكون سهلاً إلَّا إذا دُقت الأسافين وزُرعت الغبائن الثارات بين مكوناته، ولابد لمثل هذا من سيل من الجرائم تقشعر لها الأبدان، ولا تمحى من الذاكرة!.. ولست أشك أن هناك أيادٍ حريصة عملت على صناعة التوحش بهذه الطريقة الصادمة داخل المليشيا!…
سقوط الفاشر يمكن أن يكون قمة المنحى للمليشيا، ويكون بعده الانحدار، إذا حافظنا على شرف المعركة، وجعلنا الكرامة كرامة الحق الناصع مثل ثلوج الجبال، حق هذا البلد في أن يبقى موحداً على شريعة الرحمن، وهدى الإسلام، ويبقى الدين هو الرباط الذي يشدُّ أجزاءه ومكوناته بعضها إلى بعض، لا رباط جهوية مناطقية ولا عنصرية قبلية جاهلية منتنة.



