سياسةمقالات

إدارات أهلية باعت لأهلها السراب!!

 

أحمد غباشي

 

لقد كانت أضلاع المثلث الذي صنعته دويلة الشر (الإمارات) لإحراق السودان، هم؛ الساسة العملاء في قحت وأضرابها، ومليشيا أسرة د.قلو التي أطغاها الثراء وأوهام القوة، والمرتشون من زعماء الإدارة الأهلية الذين قدموا أبناء قبائلهم وقوداً لإنضاج أحلام آل د.قلو، تحت أكبر خديعة في التاريخ.. “دولة العطاوة”!..

والآن بعد عامين من الحصاد الدامي والفناء المريع، بدأت الحقائق تتكشف للقطيع الذين باعوا وطناً لقاء حظيرة لم يجدوا حتى تبنها!.

 

استطاع حميد.تي وأشقاؤه شراء ذمم كل إدارات القبائل وكسب تأييدها، ترغيباً وترهيباً، فخضع لإرادته نظارة الرزيقات، ونظارات بطون المسيرية الثلاثة، الفلايتة والعجايرة والزرق، ونظارة البني هلبة، والهبانية، والسلامات، كما خضع له الحوازمة، وحتى الفلاّتة في تُلس.. وقدمت تلك الإدارات مئات الآلاف من الفتيان لتزهق أرواحهم في أتون هذه الحرب الغاشمة، ويضعوا أنفسهم في عداء مع شعب السودان بأكمله، بعد أن صنعوا فيه من المرارات والغبائن ما لن تمحوه بحار الدنيا.

ولكن مبكراً جاء جرد الحساب، فقد كان الانكسار السريع للمليشيا في وسط البلاد، وانتقال الحرب إلى أرض الحواضن في كردفان، أكبر ضربة أربكت حسابات المليشيا وعرابيها، وجعلتهم يسارعون لإدراك ما ظنوا أنه يمكنهم إدراكه بتكوين حكومة، يسوقون بها لأنفسهم، حتى لو كان ذلك على حساب وحدة البلاد!.. فكانت وثيقة نيروبي وحكومة تاسيس، التي عجّلت بكشف الأوراق أمام القطيع.

 

أُعلنت الحكومة الوهمية، ووزعت الحقائب الوزارية، والمناصب الإدارية، فوجد أبناء القبائل أنفسهم خارج هذا المزاد، الذي استقدم له آخرون!.. وأدرك ا أنهم لم يحصدوا من حربهم سوى الموت وآلافاً من الثكالى والأيتام..في حين ذهبت الوزارات والحقائب والوظائف المرموقة للحلفاء السياسيين المتانقين، بل حتى للأعداء التاريخيين أمثال عبد العزيز الحلو، الذين قبضوا من الغنيمة أثمنها..

وعندما ارتفعت عقائر الفتيان بالاعتراض والتذمر، لم تتجشم قيادة المليشيا عناء التفاهم معهم والاستماع لشكواهم، بل لجأت إلى إسكات صوتهم بالتصفية والاغتيال!..وتساقط كثيرون، لا برصاص الجيش والقوات المساندة له، بل برصاص الغدر المليشي.. فمن أبناء المسيرية سقط جلحة، وسقط التاج فوجلنق، وفرّ أبو الجود ورفيقه كوشيب “التعايشي” ليتم اصطيادهما في تشاد.. ومن “المحاميد” تم إذلال محمد الفاتح جوج وماجوج، حتى اضطر هو الآخر للفرار.. وانهمرت النيران على مؤخرة “السلامي” بدران الجعيزي، لولا أن رجلاه اسعفتاه ركضاً.. وآخرون كثيرون سحقوا بأمر مباشر من قيادة الدعم،، السريع لأنهم احتجوا على سياسات التمييز التي تجعل الجرحى من أبناء الماهرية عشيرة حميد.تي يتلقون العلاج في أفخم مستشفيات الإمارات، بينما يترك جرحى القبائل الأخرى رهن الإهمال حتى تتعفن جروحهم وتبتر أعضاؤهم!.. أما الحكم والسياسة فقد اكتشفوا أنهم ليسوا بأهل لها، بل هي حظ الساسة المتانقين من مناضلي الفنادق.. وصار الشعار الذي يردده الفتيان “الجلابي للحكم والمسيري أو الهلباوى.. إلخ للجغم”..

 

هذا السخط المتنامي لدى أبناء تلك القبائل، جعلهم يشيرون بأصابع الاتهام لإداراتهم الأهلية ويحملونها مسؤولية التغرير بهم والحيف الذي وقع عليهم..

ولكن تلك الإدارات نفسها تجرعت من نفس الكأس، وأدركت أنها باعت لرعاياها السراب!.. فقد أدار لهم آل د.قلو ظهورهم، بل اخترطوا ما بأيديهم ليساموا به قوماً آخرين!..

المسيرية كانوا هم الأوفر نصيباً من غبن وغدر آل د.قلو، الذين عمدوا لأخذ أرضهم وتقديمها لنيل رضا الحلفاء.

ففي أعقاب مؤتمر نيروبي الذي أقر ميثاق تأسيس، وقعت 23 شخصية بين قيادات المسيرية الأهلية على رأسها الناظر مختار بابو نمر “ناظر المسيرية العجايرة” والناظر عبد المنعم الشوين والناظر الصادق الحريكة عز الدين، ووكلاء النظارات الثلاث (العجايرة والفلايتة والزرق) وقائد قطاع غرب كردفان بمليشيا الدعم، السريع وقيادات ميدانية من المليشيا، مذكرة احتجاجية، بعد أن علمت باتفاق تم بين آل د.قلو وعبد العزيز الحلو، العدو التقليدي للمسيربة، يقضي بدمج ولاية غرب كردفان، التي تمثل مركز ثقل المسيرية، وتذويبها في ولايتي شمال كردفان وجنوب كردفان!.. مما أثار حنق المسيرية!.

وُجهت المذكرة إلى مَن أسمته “رئيس اللجنة التحضيرية والتأسيسية لتشكيل هياكل الحكم الفيدرالي”.. وتضمنت رفض المسيرية بشكل قاطع مقترح التذويب واعتباره “تضييع لحق مكتسب!.

 

ومن جهة أخرى أشعل عبد الرحيم د.قلو الفتنة بين الهبانية والسلامات، بعد أن وعد نظارة السلامات بمنحهم جزء من أراضي الهبانية، بما فيها بلدة النضيف التابعة لمحلية برام.. وبسبب تداعيات هذه المشكلة تعرض ناظر الهبانية يوسف علي الغالي لمحاولة اغتيال أثناء زيارته لبلدة النضيف!!…

أما “البني هلبة” فقد تعرض ناظرهم التوم الهادي عيسى للتهديد بأسرته، إذا لم يكف عن الاحتجاج على عدم تسلم ديات من جندهم مثل بقية النظار.. هذا فضلا الاقتتال الدائر بينهم وبين السلامات، الذي راح ضحيته الآلاف من الطرفين!. ومما يزيد الأمر تعقيداً، هو أن البني هلبة يعتبرون السلامات ضيوفاً تشاديين، حلوا بأراضيهم، وهم تابعون لهم إدارياً.

وحتى الرزيقات، الذين ينتمي إليهم آل د.قلو، حيث تعتبر الماهرية بطناً من بطون الرزيقات، وهم أول المناصرين له، لم تسلم نظارتهم من إذلال آل د.قلو، وأصبحوا يفكرون في فكاك رقابهم من هذه الصفقة الخاسرة.

فخلال الشهر  الماضي، داهمت قوة من المليشيا منزل ناظر الرزيقات الكبير، محمود موسى مادبو، ونشروا حالة من الرعب بين أفراد أسرته بما فيهم النساء، قبل أن يقوموا باعتقال أحد أبنائه. وذلك عقب تسرب أنباء عن رصد استخبارات المليشيا لاتصالات سرية بين ناظر الرزيقات وعدد من أعيان القبيلة، يصف فيها الحرب مع الجيش بالخاسرة، ويدعو لوقف التجنيد لصالح المليشيا.

 

وبعد.. فماذا ينتظر أبناء تلك القبائل، حتى يدركوا أنهم الخاسر الأكبر في هذه الحرب التي سيقوا إليها سوق القطيع..فحصدتهم حصد الهشيم، وكان الهشيم هو حصادهم.

ما الذي يجعل قبائل كانت في يوم الأيام إحدى ممسكات وحدة السودان طيلة فترات التآمر الدولي على البلاد خلال العقود الماضية، تتقلب إلى معول من معاول الهدم بين عشية وضحاها؟!.إنه الغباء العرقي، ثم خيانة الزعماء!!..

إن الخيار ما زال متاحاً لأبناء تلك القبائل، رغم ما ارتكبوه من فظائع في حق الوطن، إما أن يعودوا إلى رشدهم ويغسلوا أيديهم من دنس ممالأة الخونة والمجرمين، قبل فوات الأوان، وإما أن يستمروا في صفقة قد علموا خسرانها، عندئذ تجتاحهم السنابك، ويطويهم التاريخ بعارهم.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى