سياسةمقالات

*هجمات بورتسودان.. منحى جديد في الحرب!*

 

*أحمد غباشي*

الهجمات الأخيرة شنتها المليشيا على مدينة بورتسودان، واستهدفت المطار، ومستودعات الوقود، وفندق كورال، تعتبر تحولاً أساسيا في طبيعة الحرب في السودان، وتقتضي من قيادة البلاد التعامل بشكل مختلف يتواءم مع وضع الحرب الشاملة الذي تتجه الدول الداعمة للمليشيا نقل المخطط إليه.

لقد بدا واضحاً جداً أننا بأزاء تطور جديد، لا تقتصر الحرب فيه على معارك الأرض التي تمكنت القوات المسلحة والمقاومة الشعبية من كسبها بجدارة، بل تتوسع إلى أبعاد أخرى تستهدف حرمان الشعب السودان من بشائر الأمن السلم التي بات يتنسمها بعد انكسار المليشيا وهروبها من معظم المناطق التي كانت تحتلها في الخرطوم والجزيرة وأجزاء واسعة من كردفان.

أهم ملمح لهذا التطور، الذي حملته هجمات بورتسودان، هو الدخول المباشر للعنصر الخارجي في الحرب، بدلاً من أسلوب الحرب بالوكالة الذي كانت تستخدمه الدول الداعمة للمليشيا، فالمسيرات المهاجمة انطلقت من خارج البلاد، من اتجاه البحر الأحمر، وفقاً لتأكيدات عدد من الخبراء والسياسيين المطلعين على مجريات الأمور في العالم، مثل الأمريكية جانيت أليغوت، المسؤولة السابقة بالبيت الأبيض..

هذا بجانب التكتيك الهجومي العالي والتقنية المتطورة التي استخدمت، فالمسيرة التي نفذت الهجوم كانت مسيرة استراتيجية تم التمويه عنها بسرب من المسيرات كانت تختفي خلفه، وهو السرب الذي تعاملت معه انظمة الدفاع الجوي، في الوقت الذي كانت المسيرة الاستراتيجية تطلق قذائفها الدقيقة من مدى بعيد ليصيب الأهداف مباشرة.

تزويد المليشيا بتقنيات متطورة مثل المسيرات الاستراتيجية يعني أن الدول المساندة لمليشيا، مثل الإمارات على وجه الخصوص، عازمة إطالة أمد الحرب في السودان، والنفخ في رماد المليشيا المنهزمة، في محاولة لإعادة الروح إليها على نحو ما تحكيه الأساطير عن طائر العنقاء أو الرخ، مهما كلفها الأمر !.. ففي وقت سابق، أشار عدد من المسؤولين السودانيين، منهم وزير الإعلام خالد الإعيسر إلى إن “هناك صواريخ موجهة ومسيرات استراتيجية تستخدمها المليشيا في هذه الحرب”، مشيراً إلى أن ذلك لم يحدث على مر التاريخ إلا في حرب السودان، وأضاف أن “الدول المنتجة لهذه الأسلحة الاستراتيجية تشترط عدم تسرب مثل هذه الأسلحة، وأن وصولها ليد الميليشيا يؤكد تورط دول كبيرة”.

كما قال الأمين العام  لوزارة الدفاع اللواء الركن أحمد صالح عبود خلال تنوير صحفي بحضور وزراء الدفاع والخارجية والإعلام، إن الإمارات وفرت مسيّرات استراتيجية لقوات الدعم السريع مزودة بصواريخ موجهة، نفذت أولى هجماتها انطلاقًا من داخل تشاد.

كما تشير هذه القضية إلى أن الدول المنتجة التي تزوِّد الإمارات بالأسلحة المتطورة، مثل فرنسا والولايات للمتحدة، مستمرة في عقد صفقاتها مع دويلة الشر، رغم كل التقارير عرضت أمام مجلس وأكدت أن الأسلحة المتطورة التي تبيعها تلك الدول للإمارات قد دخلت حرب السودان وساهمت في قتل السودانيين بعد قدمتها أبو ظبي للمليشيا، وهذا مؤشر واضح لحجم التآمر الذي يتعرض له السودان!.

والملمح الثاني في هذه الحادثة، هو انتقال الاستراتيجية الحربية للمليشيا من المعارك واجتياح المدن بالحشود الهائلة من الجنود البرابرة والنيران الكثيفة وسفك الدماء وترويع المواطنين، إلى استهداف بنية الدولة طمعًا في إعطابها وإحداث شلل في حركتها، وذلك لسببين:

أولها أن المواجهة العسكرية المباشرة الأرض كانت ذات كلفة مالية وبشرية عالية، وكانت لها انعكاساتها السالبة على القوة الأساسية للدعم السريع، التي تكاد تكون قد فنيت وحلت محلها جموع المستنفرين والمرتزقة واللصوص وشذاذ الآفاق الذين لا يتورعون عن قتل زملائهم في سبيل الحصول تسليحهم ومركباتهم وأموالهم ومقتنياتهم، وهو أمر شاهده أكثر السودانيين عن كثب، هذا بجانب إسرافهم في السلب والنهب وسفك الدماء وارتكاب الانتهاكات وجرائم الحرب التي عقَّدت أوضاع المليشيا وجعلت الرأي العام العالمي بأسره يقف ضدها ويعتبرها مثالاً للبربرية والإرهاب، وهو أمر له كلفته في القانون الدولى على كل من ساند ودعم المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبتها..

وفي المقابل فإن استهداف المرافق الحيوية والبنى التحتية يمثل ضغطا كبيراً على الدولة، بدون كل تلك الأثمان والتكاليف.

وثانياً؛ لاحظت المليشيا وداعميها أن الجيش هو أقوى الجبهات في الدولة السودانية، بينما الحكومة ككيان سياسي وخدمي هي أضعف الجبهات، وأنها من الهشاشة بحيث لا تحتمل هذا النوع من الضغط التخريبي في القطاعات الحيوية المرتبطة بحياة المواطن، ووضح ذلك من الآثار التي نجمت عن استهداف قطاع الكهرباء، سواء كانت محطات التوليد أو المحطات التحويلية، وما أحدثه ذلك من شلل كبير في الحياة!!.. والآن انتقلت الهجمات إلى العاصمة الإدارية المؤقتة والمطارات والوقود، وتتوقع المليشيا أن يؤثر ذلك على حركة الطيران المدني، وعلى الوجود الدبلوماسي، بجانب آثاره الاقتصادية على الدولة والمجتمع!.

تأمل المليشيا والدول الراعية لها أن تؤدي هذه الاستراتيجية إلى الضعط العنيف على القيادة السودانية للقبول بحلول تفاوضية تخرج فيها المليشيا ورعاتها بقدر من المكاسب التي فشلت في تحقيقها عسكرياً.. والمتوقع أنه في حالة فشلها، أن تعمد إلى تطوير استراتيجيتها لاستهداف الشخصيات القيادية بالاغتيالات، وربما حتى قصف التجمعات المدنية والتفجيرات لإحداث الإرباك الأمني والفوضى، ومحاولة تقويض الدولة من الداخل.

هذه تحديات ومخاطر ينبغي أن تؤخذ بعين الجد، ولابد من سد الخلل وتقوية بنيان الدولة، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية بصورة تتناسب مع حجم المخاطر.

كما يجب إيجاد معالجات بديلة مرنة في القطاعات المدنية الخدمية تتناسب مع حالة الحرب، وتقوم على أسلوب (لا تضع البيض في سلة واحدة)، خاصة قطاعات مثل الطاقة والكهرباء، باتباع استراتيجيات تتيح للمواطن تغطية احتياجاته ذاتيا وتقليل الارتباط بالدولة، كما هو الحال في التوليد الشمسي، وغيرها من الحلول.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى