مقالات

محنة السودان مع الجوار المتآمر؟!

أحمد غباشي

في حالة غريبة من حالات العلاقات الدولية، أن يصحو بلد على محيط كامل من الجوار المتآمر.. بين عشية وضحاها ينقلب الجيران إلى أعداء يشدون من أزر الخصم المحارب، ولا يدخرون وسعاً في تقويض بلد تربطهم به حدود وجوار وتاريخ ومصالح مشتركة!!..هذا ما حدث في السودان بعد حرب الخامس عشر من أبريل!!..

والعجيب أن دول الجوار تلك، كانت قد تعاهدت، في مؤتمر القاهرة الذي انعقد خلال الفترة الأولى من اندلاع الحرب، على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للجارة، وأن يعملوا على الإصلاح والسعي لوقف الحرب، ولكن سرعان ما نفض الجيران، إلا قليلاً منهم، أيديهم من العهد، وبدؤوا يبحثون عن مصالحهم في دعم التمرد، وتأجيج الحرب في السودان، بفتح أراضيهم للمتمردين، وإرسال أرتال المرتزقة، وفتح المطارات لنقل المؤن والعتاد!!..كانت تلك الدول تأمل أن أياماً قليلة مقبلة ستحمل نظاماً جديداً يضمن لهم مصالح ظالمة ما كانوا ليحصلوا عليها في الأوضاع الطبيعية!!.. لذلك ما وجدوا الفرصة سانحة حتى تكالبوا عليه “تكالب الأكلة إلى قصعتها”، وسنوا سكاكينهم لتقطيع الثور الساقط، فقد كانوا يحسبون أنها سقطة لا نهوض بعدها!!..

والآن قد دار الزمان دورته، انهارت جُدُر المؤامرة، وتمكن الثور من النهوض، ومضى يجتاح خصمه ويطوح به هنا وهناك!!.. بدأ يظهر لكثير من أولئك الجيران خطأ تقديراتهم وخطلها، وسوء عاقبة ما أقدموا عليه!!..وقد كان تحرير القصر الجمهوري بالأمس، علامة واضحة في طريق إعادة الأمور في السودان إلى نصابها.. لقد بدا واضحاً العالم أن السودان يمضي قدماً في كتابة الفصول النهائية للمؤامرة، وختام الكارثة.. وقريباً ستعود الدولة السودانية إلى وضعها ومكانها، فكيف سيكون التعامل مع الجوار المتآمر!!..

يرى كثير من الناس أن الذي يجب على السودان، أن يرد الصاع صاعين لكل من شارك في مساندة الحرب عليه من دول الجوار، وأن عليه أن يؤجج النار تحت أقدام رؤساء تلك الدول، فيساند المعارضات المسلحة في تلك الدول، ويعمل على تقويض تلك الحكومات الهشة، جزاءًا وفاقاً!!.

بينما يعتقد الكثيرون، أنه ليس على السودان أن يبحث، بعد الحرب، عن دروب الانتقام!!..وأن لا يستديم حالة العداء مع أحد، حتى لو كان قد بادر العدوان..لأن السياسة الخارجية والدولية ليس في فيها “عداء دائم” كما ليس فيها “صداقة دائمة” وإنما هناك مصالح هي التي تتحدد على وفقها العلاقات بين الدول!!..وأنه يجب على السودان أن يبني علاقاته الخارجية، بعد الحرب، على المصالح المشتركة، وأن يطرح تاريخ العداء جانباً، إذا ما كفت دولة من عدوانها!!.ولكن عليه الوقت ذاته، أن لا يفتح أراضيه لكل القادمين والمتأزمين، ولا بد له من ضبط الوجود الأجنبي الذي كان يسرح ويمرح في هذه البلاد كيف يشاؤون!!.

لقد بدا واضحاً أن العقل السياسي السودان، استوعب درس الجوار جيداً، ولم يعد يسعه السكوت عن أي شكل من أشكال العدوان، ويعرف كيف يستخدم كروته الرابحة، كما حدث مع كينيا، عندما ردَّ شحنات الشاي التي تقدر بمليارات الدولارات!!.

لا شك أن بعض الدول التي فجرت في الخصومة، وتأذى منها الشعب السودان، تحتاج إلى موقف حازم وحاسم، لأنه لا بد لأمثالها من دفع فاتورة ما أفسدوه في السودان.. ولكن إذا ما تم تعميم ذلك النموذج على كل الدول التي شاركت في العدوان على السودان، فإن السودان سيجد نفسه مرة أخرى محاطاً بالأعداء، ومعزولاً وسط جيرانه!!..إذا فلا سبيل للسودان، بعد التعافي، سوى تجاوز كثير من المرارات، ومحاولة بناء علاقات جوار قائمة على تبادل المصالح، مع الحذر التام واخذ الحيطة!!.فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين!!.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى