كاتب ومقالمقالات

*الدفاع بالإنكار!!..*

*أحمد غباشي*

كثيرون هم الذين دخلوا قاموس الفكاهة السياسية في السودان.. القيادي بحزب الأمة الدكتور عمر نور الدائم بتهكماته الساخرة في الجمعية التأسيسية.. والزعيم السياسي بشرق السودان “هاشم بامكار” بعفويته اللاهبة وكلماته اللاذعة..والنائب من النيل الأزرق منصور العجب بيمين طلاقه التي يلقيها هكذا في كل خطبة يرتجلها في البرلمان!!.. ولعل أشهر هؤلاء الذين حفظتهم ذاكرة الضحك السياسي السوداني.. القيادي الإنقاذي، وزير الدفاع ووالي الخرطوم الأسبق عبد الرحيم محمد حسين.. صاحب نظرية “الدفاع بالنظر” الشهيرة!!.. تلك التي أطلقها في تعليقه على حادثة ضرب الطيران الإسرائيلي لمجمع اليرموك الصناعي العسكري إبان حكم الإنقاذ!!.

ولكن حرب السودان الأخيرة، أخرجت لمدوني الذاكرة السياسية السودانية، أعاجيباً وقفشات سيقفون حائرين في أي خانة يضعونها؟!.. في خانة الفكاهة؟!..أم في خانة البكاء؟!..أم في خانة الكوميديا السوداء؟!..أم في خانة العقد النفسية؟!..

ومن تلك الحالات الجديرة بالوقوف عندها والتأمل فيها، هي “حالة الإنكار” المستمر التي يمارسها من يسمون أنفسهم بمستشاري الدعم السريع، وأولئك الذين نصبتهم المليشيا إعلاميين مدافعين عنها وعن جرائمها وفجراتها وبجراتها وحماقاتها!!؟.. وإن المرء لتصيبه الحيرة، من تلك الجرأة الغريبة والهدوء النفسي العجيب الذي يتدثر به هؤلاء الذين تستضيفهم الفضائيات من سدنة إعلام المليشيا ليردوا على أسئلتها حول الموقف العملياتي، أو حول أي قضية من القضايا المطروحة في الساحة.. دائماً الإجابة حاضرة وبغير تردد، إما بالإنكار مع التأكيد القاطع لنفي الأخبار المؤكدة..”بأن ذلك لم يحدث”.. وإما بالتبريرات الجاهزة لكل فعل بربري تقوم به المليشيا بأن “الفلول هم من قام به”!!..حتى أن مديري الحوار ومقدمي البرامج ليحتارون في أمرهم ويصببهم الذهول قبل أن يصيب المشاهد!!..

أبطال هذا النوع من العته السياسي، كثيرون، ولعل أشهرهم المستشار النجم “عمران”.. و”الباشا طبيق” الذي أطبقت شهرته القنوات والأسافير!!.. والعجيب في أمر هولاء هو تواطؤهم على ذات الطريقة في الإنكار، واجتراح الأكاذيب واختلاقها، حتى بتُّ اعتقد أنها استراتيجية تدخل ضمن استراتيجيات الدفاع يمكن أن نطلق عليها “الدفاع بالإنكار”!!..على طريقة عبد الرحيم محمد حسين!!.

ولعل أقرب الأمثلة التي يمكن أن نضربها لحالة الإنكار المستمر، أو “الدفاع بالإنكار” تلك، هو إنكار رئیس دائرة التوجیه والخدمات بقوات الدعم السریع المدعو حسن الترابي، حقيقة تراجع قواتهم في ولاية الخرطوم أمام تقدم الجيش في العديد من المحاور في مدن العاصمة الثلاثة؛ الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان!!.. الرجل أكد، بغير تردد، أن هذه الأنباء لیست سوى إشاعات یروج لها إعلام “العدو والفلول” بهدف تضلیل الرأي العام!!.. وقال في مؤتمر صحفي تم بثه، الخميس قبل الماضي، عبر منصات موالیة لهم: “الحقیقة الواضحة هي أن قواتنا تمکنت من صد هجمات العدو ￾في جمیع المحاور بشکل کامل وقواتنا متماسکة وقویة، وتواصل التقدم ￾ کل المواقع”!!..هكذا بكل بساطة والعالم كله يشهد.. وحتى قائدهم حميدتي لم يجرؤ على ما جرؤ عليه هؤلاء من الإنكار!!..

يقول كثير من الناس إن هذا الأمر ليس بمستغرب، لأن هؤلاء المستشارين والإعلاميين، موظفون، لا يهمهم إلا ما تُملأ به جيوبهم من الأوراق النقدية، وهم مستعدون، لقاء ذلك، للقسم بأغلظ الإيمان أن الخرطوم تقع جنوب خط الإستواء، وأن الشمس تطلع في اليوم مرتين!!..ولكن العجيب والغريب حقاً أن تُبقي قيادة المليشيا على مثل هؤلاء العاهات الإعلامية ممثلين لها، وهم كل يوم يفضحونها ويسقطونها على الملأ، ويجعلون منها مادة للتندر!!.. ولكن الحقيقة المضحكة هذه الملهاة تنفق لدى أكثر منسوبي المليشيا وجنودها، فيصدقونها، وترفع من روحهم المعنوية، فيواصلون الاستماتة من أجل مشروع آل دقلو، فينتهي بهم الأمر إلى أن تحصد أرواحهم حصد الجراد!!.

ويستغرب البعض، كيف تقبل القنوات الإعلامية، وهي مؤسسات محترمة، كيف تقبل أن تستضيف أمثال هؤلاء على حساب مهنيتها؟!.. والحقيقة أن القنوات الإعلامية ليست ملومة، إذا كانت المليشيا هي من ترفع هؤلاء وتقدمهم للحديث باسمها والدفاع عنها، وتسميهم مستشارين..كما أن تلك القنوات لن تخسر بل تربح مزيداً من المشاهدين..حتى أن كثير من السودانيين يحرصون على متابعة تلك الفترات التي يستضاف بها هؤلاء، فقط للتفكه والضحك، فشر البليّة ما يضحك!!.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى