مقالات

*من يقف وراء حكومة المتمردين المزعومة؟!!*

 

*أحمد غباشي*

لا خلاف على سخف الأحاديث الدائرة عن تشكيل مرتقب لحكومة في مناطق سيطرة المليشيا، من قبل مناصري المليشيا من سواقط (تقدُّم قحت) وأشباههم من الحركات التي شذّت في مواقفها عن مجموعة اتفاق جوبا، من أمثال جماعة الطاهر حجر والهادي إدريس..تلك الأحاديث لا خلاف في سخافتها وسقوطها.. ولكن الذي يدعوا للتأمل وليس العجب!!..هو “لماذا جاءت في هذا الوقت المتأخر؟ بعد أن بدأت تتهاوى قلاع التمرد!!.. وبعد أن أخذت قوته الصلبة في التفتت”؟!.. وبعد أن فشلت كل المحاولات فرضه كواقع!.
ولماذا لم تفكر تلك المجموعات البلهاء، ولم تفكر المليشيا معها، في إعلان تلك الحكومة في وقت كانت تحكم فيه سيطرتها رقعة واسعة من ولايات السودان في غربه ووسطه وجنوبه؟!..في ذلك الوقت كان يمكن لحكومتهم المدعاة أن تنطلق من حجج منطقية، وتقودهم إلى وضع شبيه بوضع ليبيا حيث تتقاسم البلاد حكومتان، حكومة في شرقها وحكومة في غربها!!..
وفي ذلك الوقت كانت (تقدم) والمليشيا تتمتعان بمناصرة خارجية ليست هينّة، فالمتواطئون المتآمرون على السودان كانوا كتلة إقليمية وعالمية مهولة.. تشمل معظم دول الجوار السوداني في المحيط الإفريقي، ودول في المحيط العربي!!..أما في المحيط العالمي فتقف خلفهم دول الاتحاد الأوروبي، وحكومة الديمقراطيين في واشنطن!!..بل حتى روسيا في فترة من الفترات كانت حليفاً للتمرد من خلال مجموعة (فاغنر)!!..
أما الآن فإن هذا الأمر يبدو غريباً، بعد أن تبدّل هذا الواقع، وتقلصت الأرض من تحت أقدام التمرد، وخرج مطروداً مهزوماً من العديد من مدن السودان، وتستعد المدن الأخرى لغسل أراضيها من رجسه، وقد بدأت رحلة الهروب الكبير بين جنود المليشيا، وفي كل يوم يشاهد الناس قوافل الفارين تنهب الأرض نهباً وقد حُمّلت سياراتهم بما تبقى من المتاع المنهوب، سالكة الطرق الوعرة اتقاءً لنسور الجو وصواريخها وبراميلها المتفجرة، التي سرعان ما تحول الأحلام إلى حرائق ورماد!!..
والحقيقة أن المليشيا، لم تكن لتعترف لتقدم بمزية، أو تُكِنُّ لها تقديراً، بل ولا ترى لها حقاً في شيء من الحكم، وأن تحالفهم في الحقيقة هو تحالف الذئب مع الحملان، كانت المليشيا بحاجة إلى حجة تشعل بها الحرب على السودان، وحجة تقنع بها العالم بشرعية تمردها؛ وهي حجة “الدفاع عن الديمقراطية والحكم المدني”!!..وفي ذلك الوقت كانت الإمارات التي تمول هذه الحرب، بحاجة إلى مظلة قيمية تعلل بها تمويلها لتمرد قائم ضد دولة عضو في الجامعة العربية وعضو في الأمم المتحدة، وورقة تكسب بها وُد الدول الأوروبية الراعية لقحت وتقدم، ولتؤمن مساندتها لها ضد أي تحرك من السودان لإدانتها في مجلس الأمن، وهو ما حدث مراراً!.
وما كانت المليشيا لتقبل بأن توطّئ مكاسبها التي أهدرت في سبيلها بحاراً من الدماء، ليحكم باسمها سفهاء قحت أو تقدم!!.. لو كان لا بد من حكومة فالأولى بها المليشيا، وهذا فضلاً عن أن المليشيا حتى لو رضيت بمثل تلك الحكومة، فلن يكون لها واقع فعلي على الأرض، ولا سلطة فعلية، فمن من هؤلاء الهمج البرابرة يمكن أن يخضع لحكومة الأفندية تلك؟!.
قد يقول قائل إن هذه فرفرة مذبوح، أو هي محاولة لإدعاء القوة، لرفع الروح المعنوية المنكسرة لدى أفراد المليشيا المنهزمين، وقد يقول قائل ذلك الخطاب موجه للغرب، تريد تقدم وأضرابها أن تقول أننا ما زلنا موجودين ولدينا بعض الكروت التي ما زال بإمكاننا أن نرمي به إلى الطاولة!!.
لكني أظن أن الأمر أكبر مما يبدو من ظاهره، والذي أراه أن الأمر وراءه مناورة من دول أوروبية بعينها، لزرع جسم جديد في أية معالجات للقضية تطرح أمام مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.. فمن الواضح أن الدول الغربية المؤسسة لكتلة قحت، والداعمة في الخفاء للتمرد، بعد أن فشلت مساعيها لتدويل القضية السودانية، بفضل الفيتو الروسي، خصوصاً بعد أن أعلنت روسيا أنها ستقف بالمرصاد لكل محاولات فرض شكل من أشكال التدخل في السودان، تبيّنت ضعف موقفها داخل تلك مجلس الأمن والأمم المتحدة.. فالحكومة السودانية معترف بها رسمياً ولديها مندوب يتحدث باسمها أمام هذه المنظمات الدولية، وهو الذي يتولى طرح قضيته بنفسه أمام الدول الأعضاء، وتقوم روسيا والصين بتقديم الإسناد اللازم لهذه الأطروحات!!.. أما مجموعة تقدم فليس لها إلا السعي من خلف الكواليس، وليس لها إلا الاعتماد على عرّاباتها من الدول الأوروبية أمثال فرنسا وبريطانيا، للمناجزة عنها!.. لهذا دائماً ما يكون موقفها ضعيفاً..وينتهي إلى الفشل..
تريد بريطانيا وفرنسا إنشاء أي شكل من أشكال الحكومات، “حكومة منفى” أو غيرها، لتقول إن طرفي الصراع متساويان في الشرعية، وتطالب بمندوب لتلك الحكومة المختلقة أسوة بمندوب حكومة الجيش!.. وتكسب بذلك تثبيت قدم ربيبتها (تقدُّم) في أي تسوية سياسية مفترضة!!.
إن الزمن لا يمضي في صالح القوى الغربية الداعمة لتقدم والمليشيا، لأنه في حال ما إذا تم تصنيف المليشيا منظمة إرهابية، ولو من قبل الولايات المتحدة فقط، وهذا أمر متوقع حدوثه في عهد ترامب لوجود مجموعات في الكونغرس الأمريكي تضغط في ذلك الاتجاه، فإن كل الحسابات الغربية سترتبك، ولن تستقيم معادلتها بشكل نهائي، لأنه حينئذِ يصبح الارتباط بجماعة إرهابية دعماً للإرهاب، لن يكون ثمة سبيل للمراهنة على تقدم ولا على المليشيا في أية مشروعات لرسم خرائط النفوذ في إفريقيا.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى