(١)
في حواره مع قناة الجزيرة مباشر أقر المهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني بأن تحالف قحت/ تقدم خلال قيادته للمرحلة الانتقالية ربما ركز على القضايا التكتيكية على حساب الإستراتيجيات ، وأن واجبنا الآن العمل مع الآخرين من أجل إطفاء الحرب، وأننا لا نمانع من الحوار مع الإسلاميين اذا أقروا واعتذروا عن أخطاء تجربتهم في الحكم.
هذه الآراء تنم في ظاهرها عن منتهى العقلانية، ولكنها تستبطن حالة القناع والوجه التي مايزت النخبة السياسية السودانية وهي تتقلب بين الشعارات المثالية عندما تكون في خندق المعارضة ، وبمجرد صعودها إلى منصة الحكم تمارس الإقصاء والاستبداد في أبشع تجلياته. فالأزمة الوطنية المتراكمة ظلال تجلياتها سياسية، ولكن أغوارها أزمة بنية ثقافية متمكنة في الشخصية السودانية المتناقضة في سلوكها الجمعي بدءا من الأسرة إلى أعلى مؤسسة في جهاز الدولة.
(٢)
ان تجربة قحت/ تقدم منذ الإطاحة بالرئيس البشير في ١١ إبريل ٢٠١٩م وحتى اللحظة التاريخية الماثلة أثبتت أنهم مثل آل البوربون لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا فقد أجادوا ببراعة متناهية كل الأدوار الوظيفية للثورة المضادة والمتمثلة في دويلة الامارات والمرتزق على الشيوع حميدتي فكانوا الأبعد عن الأدوار التكتيكية دعك من الاستراتيجية والتي تعني أبسط تعريفاتها التبصر بالشكل السياسي المثالي في المستقبل، فالتكتيك مرحلة تصب في تحقيق الاستراتيجية بالتالي فهم لا يمسكون من أسباب التكتيك والاستراتيجية إلا كما يمسك الماء الغرابيل.
(٣)
فما هى الأخطاء الإستراتيجية التي وقع فيها تحالف قحت/تقدم خلال قيادته للمرحلة الانتقالية؟.. الخطأ الأول الإصرار على حشر قضايا الثورة السودانية في الثنائية المدمرة،، نحن في تحالف قحت صناع الثورة، والآخرون أعداء الثورة بينما الأصل في الثورة العميقة إعلاء قادتها شعار كلنا أبناء الوطن مع التحول الديمقراطي المستدام وضد الإستبداد بكل أشكاله. الخطأ الاستراتيجي الثاني الإستقواء بدولة الامارات العربية المتحدة والسعودية وهذه أنظمة برجوازية شبه اقطاعية تقف على تضاد مع هوادي النظام الديمقراطي وأجهضوا كل التجارب الديمقراطية التي أثمرت بعد ثورات الربيع العربي وهي في صراع الرؤى والتكوين كالحالة المصرية والتونسية). وأغرقوا التجارب الأخرى في الفوضى الخلاقة ، كالحالة السورية والليبية واليمنية.
(٤)
الخطأ الاستراتيجي الثالث، التعبئة الشعبوية السالبة للثوار ضد الجيش السوداني (معليش معليش ما عندنا جيش)، وتلميع قوات الدعم السريع، (حميدتي الضكران الخوف الكيزان) مما وضع الجيش الذي انحاز لخيارات الشعب في ثلاث انتفاضات في خانة الثورة المضادة، ووضع مليشيا حميدتي في خانة حماة الثورة وشركاء المشروع الديمقراطي..
الخطأ الاستراتيجي الرابع اقحام القضايا الهوياتية والدينية ومرجعيات الحكم خلال مرحلة انتقالية ينبغي أن تكون ذات مهام وآجال انتقالية محددة، مما أدى إلى انقسام عمودي في بنية المجتمع كاد أن يتحول إلى حرب الكل ضد الكل.
الخطأ الاستراتيجي الخامس العداء السافر للتيار الإسلامي الوطني تزلفا للإمارات والسعودية وأمريكا وإسرائيل رغم ادراكهم انحياز الغالبية العظمى من الإسلاميين للمشروع الوطني الديمقراطي.
(٥)
الخطأ الإستراتيجي السادس الأعظم التماثل مع الأجندة الإماراتية الدقلوية الخبيثة والمتمثلة في تصفية الثورة السودانية والمشروع الوطني الديمقراطي، وتفكيك الجيش واحلال مليشيا الدعم السريع في مهامه وصعود حميدتي ملكا على السودان ودخوله في نادي التبعية الموالي للأجندة الصهيوأمريكية.
(٦)
لقد مرر المتمرد حميدتي كل تكتيكات صعوده ملكا على السودان عبر تحالف قحت/ تقدم بدءا من تسنمه منصب الرجل الثاني في الدولة واستلامه ملفات الاقتصاد والسلام والعلاقات الخارجية وتضخم امبراطوريته العسكرية والاقتصادية والمالية وتلميعه في الغرب الأوروبي والأمريكي باعتباره أيقونة الدولة المدنية الديمقراطية في السودان.
ثم توظيفه تحالف قحت / تقدم جناح سياسي مدني في حربه الشنيعة الماثلة ضد الدولة والمجتمع والجيش.
ثالثة الآثافي عندما سأل المذيع أحمد طه، المهندس عمر الدقير عن قناعته في إمكانية تسليم حميدتي السلطة للقوى السياسية المدنية حال تمكنه من هزيمة الجيش؟ وبعد لجلجة وتلعثم استدرك الدقير قائلا بأننا نراهن على الشعب السوداني
أي اذا نقض حميدتي عهد تسليم السلطة للقوى المدنية وحصريا هي تحالف تقدم سنلجأ للثورة عبر الشعب السوداني، وهل الدقير لا يدرك ان حرب حميدتي موجهة ضد كل الشعب السوداني ؟ بالتالي فان ملك السودان لن يستتب له إلا بعد فناء الشعب والجيش؟ وعندها كما ذكر الفريق البرهان بخيتة وسعيدة عليكم السلطة ولكن هل هناك قوة عسكرية مهما استبدت تستطيع أن تقهر إرادة جيش وشعب شعاره جيش واحد شعب واحد ؟؟..
وعن أي شعب يتحدث الدقير وقد شيعهم باللعنات وشعارات الخيانة (بي كم بي كم قحاتة باعوا الدم؟؟).
(٧)
لقد كانت أكبر أخطاء الإسلاميين الاستراتيجية التحالف مع القوى اليسارية والعلمانية سعيا وراء سراب الديمقراطية المستحيلة وتصحيح هذا الخطأ يتجلى في القطيعة التامة مع هذه القوى السياسية ولا يجمعنا معهم إلا سقف المواطنة.
لقد ارتكبت قيادات تحالف قحت / تقدم كل الأخطاء الإستراتيجية وواجبها التحلي بالشجاعة والاعتراف أمام الشعب وأمام قواعدهم الحزبية واعتزال العمل السياسي ومواجهة العدالة في قضايا الخيانة الموجهة ضدهم ، وإلا فان محاكمة الشعب الثورية لهم بالمرصاد ، والثورة كما تعلمون فعل جماهيري متجاوز للدستور وأطره القانونية.
الجمعة: ٢٠٢٤/٨/٣٠
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس