تورط دولة الإمارات العربية في حرب السودان عن طريق توفير التمويل والتسليح والدعم اللوجستي للمليشيا المتمردة، بات أشهر من أن يُخفى أو أن يُنكر، خصوصاً مع تواطؤ التقارير الدولية الصحفية والحقوقية مع المحلية التي أثبتت بالأدلة أن الدولة الخليجية غارقة إلى أذنيها في دماء السودانيين.
ويمكن القول أننا متجهون إلى حالة تأكيد دولي على حقيقة هذا التورط، الأمر الذي يجب أن تستثمره القيادة السودانية للوصول إلى إدانة دولية لضلوع الإمارات في إطالة أمد الحرب وإطالة معاناة السودانيين.
صحافة العالم تتحدث
ومنذ العام الماضي وخلال العام الحالي، بدأت صحافة العالم بتناول الدور الإماراتي في حرب السودان، ومن ضمنها صحف دولية كبرى مثل؛ وول ستريت جورنال الأمريكية، وغارديان البريطانية، ومجلة فورين بوليسي الأمريكية، حيث نشرت تقارير، متفاوتة في تواريخ صدورها، كلها أكدت تورط الإمارات العربية المتحدة في توفير التمويل لقوات الدعم السريع المسؤولة عن ارتكاب فظائع ضد المدنيين خلالها حربها مع الجيش السوداني، وعن ارتكاب إبادة جماعية في دارفور، وأثبتت بالأدلة المدعمة بالصور إمدادات السلاح التي بعثت بها الإمارات للدعم السريع تحت غطاء المساعدات الإنسانية.
ففي أكتوبر ٢٠٢٣ كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن طائرة شحن إماراتية هبطت في مطار أوغندي بداية يونيو/حزيران ٢٠٢٣، تأكّد أنها كانت تحمل أسلحة وذخيرة، في الوقت الذي كانت تُظهر فيه وثائق رسمية أن الطائرة تحمل مساعدات إنسانية إماراتية إلى اللاجئين السودانيين، وسُمح للطائرة بمواصلة رحلتها إلى مطار أم جرس شرق تشاد.
وفي يونيو الماضي نشرت الغارديان البريطانية تقريراً مطولا عن تورط الإمارات في حرب السودان ودور بريطانية في التغطية على هذا التورط، ذكرت فيه أن مخبر الأبحاث الإنسانية في جامعة ييل نشر صوراً لطائرة تجارية تحلّق في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع قرب الفاشر، ويطابق وصفُ الطائرةِ الطائرات التي تهبط في تشاد، التي تنقل منها الأسلحة الفتاكة إلى الدعم السريع. وأثارت الصور، بحسب الصحيفة، أسئلة حول عمليات إمداد أسلحة للدعم السريع من الإمارات، رغم عدم معرفة من يدير طائرة إليوشين-76. وتابعت: وقال مدير مخبر الأبحاث الإنسانية، ناثالين ريموند: “هناك حاجة لأن يحقق مجلس الأمن الدولي، الذي يستطيع توجيه سؤال للإمارات، عمَّا إن كانت متورطة”.
وفي يونيو أيضاً سلط مقال رأي في مجلة ” فورين بوليسي” كتبه كلٌ من معتصم علي ويونا دايموند، المستشاران القانونيان في مركز راؤول والنبرغ لحقوق الإنسان سلط الضوء على الفظائع والانتهاكات التي طالت المدنيين خلال الحرب في السودان، ولفت النظر إلى تحركات قانونية يقودها ناشطون دوليون وإقليميون لإدانة قوات الدعم السريع..ولكن المهم في المقال هو ما كشفه الكاتبان من أنهما كانا عضوين في “أول تحقيق دولي” مستقل عن “الإبادة الجماعية” بالسودان، شارك فيه عشرات الحقوقيين والباحثين من جميع أنحاء العالم، “خلص إلى أن قوات الدعم السريع مسؤولة عن ارتكاب الإبادة الجماعية في دارفور”، وأن قوات الدعم السريع تتلقى دعما عسكريا وماليا ودبلوماسيا مباشراً من الإمارات.. وأكدت الكاتبان أن نتائج التحقيق تطابقت مع تقرير لهيومان رايتس ووتش، وتقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، الذي وجد أدلة موثوقة على قيام الإمارات بتوفير أسلحة ثقيلة لقوات الدعم السريع”.
أطراف دولية تعلم وتتستر:
ولكن التقارير الصحفية أشارت كذلك إلى أن الدور الإماراتي في دعم الحرب على السودان كان تحت سمع وبصر الدول الكبرى التي تعتبر نفسها معنية بالشأن السوداني، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فقد أكّدت “وول ستريت جورنال” أن مصادر أميركية مطّلعة كشفت أن واشنطن على عِلم بشحنات الأسلحة الإماراتية إلى قوات الدعم السريع، وسبق وأبلغت أبو ظبي بمخاوفها، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن نقل شحنات الأسلحة الإماراتية، لقوات الدعم السريع، يزيد من حدّة الاحتكاك بين الإمارات والولايات المتحدة، التي تحاول التوسّط لإنهاء الحرب.
وكشفت صحيفة “الغارديان”، في تقرير حصري أعده مارك تاونسيند، عن الدور البريطاني في التكتّم على دور الإمارات العربية المتحدة في دعم قوات الدعم السريع.. ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها إن مسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية مارسوا ضغوطاً على دبلوماسيين أفارقة لتجنّب انتقاد الإمارات ودورها المزعوم في دعم قوات الدعم السريع..وأكد كاتب التقرير أن بريطانيا باتت عرضة للاتهامات، في محاولاتها لمنع شجب الدولة الخليجية ودورها في دعم قوات متهمة بارتكاب إبادة جماعية في إقليم دار فور.
ويفسر مراقبون صمت أمريكيا وتستر بريطانيا على الإمارات، على أنه أمر متعلق بشبكة المصالح الاقتصادية والسياسية التي تربط الدولتين بدويلة الإمارات.
حراك إقليمي ودولي لإدانة الإمارات
كشفت صحيفة الغارديان البريطانية في تقريرها السابق عن حراك إقليمي يقوده ناشطون حقوقيون لإدانة الإمارات، وعزت إلى المحامي الدولي في حقوق الإنسان يونا دايموند، الذي يعمل في مركز راؤل وولبنيرغ لحقوق الإنسان: قوله: إن دبلوماسيين أفارقة كباراً يعقدون محادثات بإثيوبيا من أجل البحث عن تحرك قانوني ممكن ضد الإمارات ودورها في القتال، وأوضح أنه حضر محادثات أديس أبابا مشيراً إلى مشاركة سلطات تنمية حكومية متعددة، بالإضافة إلى ثماني دول في مجموعة شرق أفريقيا التجارية، إلى جانب دبلوماسيين آخرين في تلك المحادثات. وقال: “نتطلع إلى بناء آلية دعم وحماية للمدنيين في دارفور، وتحركات لمحاسبة الإمارات العربية المتحدة في “محكمة العدل الدولية”، أو مناطق أخرى في المنطقة”.
ولكن دايموند كشف أن بريطانيا تقوم بمحاولات لمنع الدول من شجب الإمارات. ويضيف دايموند: “أخبروني أن بريطانيا لا تشجع الدول لشجب الإمارات العربية المتحدة”.
تحركات سودانية متأخرة
رغم الإدراك المبكر من القيادة السياسية والعسكرية السودانية لطبيعة الدور الإماراتي وامتلاكها الأدلة أكثر من غيرها، ورغم الافتضاح المبكر لتورط أبو ظبي في الصحافة الدولية، ولكن التحرك الرسمي لاستصدار إدانة دولية للإمارات جاء متأخراً كثيراً، بما يقترب من عام كامل من الحراك الدولي.
ويعتبر الخطاب الذي قدمه مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، أول بادرة قوية من طرف السودان لإدانة الإمارات، حيث طالب مجلس الأمن، في يونيو الماضي، بإدانة الإمارات، وقال إن “الصراع في السودان ما كان سيستمر إلى عام، لولا الدعم العسكري الذي تقدمه الإمارات، التي وصفها بالراعي الإقليمي لميليشيا الدعم السريع”.. مما دفع سفير الإمارات لدى الأمم المتحدة محمد أبوشهاب لرفض الخطاب السوداني، واصفاً ما ورد فيه بأنه اتهامات “سخيفة وباطلة لتشتيت الانتباه عن الانتهاكات الجسيمة التي تحدث على الأرض”.
وتلا ذلك إصدار رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، قراراً بتشكيل لجنة لرفع دعاوى أمام المحاكم والمنظمات الإقليمية والدولية، ضد قوات الدعم السريع وقادتها، والدول المساندة لها، برئاسة وزير العدل، وتضم في عضويتها الأمين العام لوزارة الدفاع ومدير الشرطة، وممثلا لجهاز المخابرات وممثلا لوزارة الخارجية.
ويلاحظ في هذا الحراك، على قلته ومع كونه جاء متأخراً، غياب جهود وزارة الخارجية، وفي أحسن الأحوال هزال دورها، وحتى في تشكيل هذه اللجنة، التي من المفترض أن مهامها موزعة بين الجانب العدلي والقانوني والجانب الدبلوماسي، اُكتفي في إشراكها بممثل فقط!!.
إن الفرصة مواتية الآن، بعد توثيق مزيد الأدلة، لعمل دبلوماسي وإعلامي مرتب ومخطط له بشكل جيد، يستفيد من جهود الناشطين والمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان، ويستثمر العلاقات الدولية لاستصدار إدانة أممية للدور الإماراتي في الحرب ضد السودان، تتبعها قرارات من مجلس الأمن تلزم أبو ظبي بوقف دعمها للمليشيا وتحملها تبعات وتكاليف جريرتها في تخريب بلد بحجم السودان.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس