سياسةكاتب ومقالمقالات

اعترافات تحت التهديد لتغيير مسارات المعركة

د. الفاتح عبد الرحمن محمد بشير

أسلوبٌ جديد من الضغط والمراوغة بدأت تمارسه مليشيا الدعم السريع في معركتها ضد الجيش السوداني، بهدف توجيه دفّة الصراع لمسارات تخدم مصالحها، وربما أخرجتها من المطب الذي وضعت نفسها فيه، لتعود مرةً أخرى مرتديةً ثوب الضحية التي تم الغدر بها صبيحة السبت الخامس عشر من أبريل 2023م، وهو تاريخ تفجر الصراع بينها وبين الجيش السوداني.

هذا الأسلوب الجديد يتمثل في عملية اختطاف بعض كوادر الحركة الإسلامية أو بالأحري المؤتمر الوطني، وغيرهم من الإسلاميين غير المنتمين للمؤتمر الوطني، ولكن تمت نسبتهم إليه قسراً، وهذا خطأ فادح في حد ذاته يبرهن على أن من يخطط ويهندس هذه العمليات للمليشيا المتمردة، ليست لديه معلومات مؤكدة على أن من يرشحهم للاختطاف من كوارد الوطني، فمجرد ظهورهم الطاغي في الساحة السياسية السودانية، وتصدرهم للحديث عن قضايا الإسلام وصراع الإسلاميين مع مكونات الساحة السياسية السودانية الأخرى من الليبراليين والعلمانيين والشيوعيين، كفيلٌ بوصمهم بالكوزنة (أي الانتماء للمؤتمر الوطني)، بل والأدهى من ذلك أن التصنيف وصل لدرجة وصم جميع الإسلاميين من غير الحركة الإسلامية أو المؤتمر الوطني أو المؤتمر الشعبي (وهي المترادفات الثلاثة للكيزان)، بالكيزان أي الإخوان، وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن هذه المعركة ذات أبعاد خارجية (إقليمية ودولية) تتسق مع التوجه العالمي لمعاداة الإخوان المسلمين في جميع أرجاء العالم، ووصمهم بالإرهاب، والتضييق عليهم بشتى الوسائل، وليست قاصرة على السودان فحسب.

عمليات اختطاف لبعض كوادر المؤتمر الوطني وإجبارهم على الاعتراف (تحت التهديد) بأن ما حدث في الخامس عشر من أبريل 2023م هو عملية انقلاب كاملة الدسم من المؤتمر الوطني، بهدف الإطاحة بمليشيا الدعم السريع وتعطيل الاتفاق الإطاري الذي باركته هذه المليشيا مع قحت المركزي، بل والاعتراف كذلك بمسؤولية المؤتمر الوطني عن إفشال حكومة حمدوك الأولى والثانية، ثم الزج بأسماء أخرى لبعض كوادر الوطني ممن خططوا ودبّروا لعملية الانقلاب هذه، ليصبحوا بذلك أهدافاً أخرى للاعتقال بواسطة المليشيا، واستخلاص اعترافات مشابهة، وهذا ما حدث مع أنس عمر كادر الوطني وأحد صقوره، والدكتور محمد علي الجزولي الذي كانت نسبته للمؤتمر الوطني من قبلهم تمثل خطأ فادحاً يدل على عدم معرفة من يخطط لهذه المليشيا بمن هو من كوادر الوطني ومن ليس كذلك، فمعلوم أن الدكتور محمد علي الجزولي لم يكن منتمياً للمؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية الأم في يوم من الأيام، وغاية علاقته بالكيزان أنه كان نائباً لرئيس منبر السلام العادل الدكتور الطيب مصطفى (عليه رحمة الله) في بداية الألفية الحالية، بل إنه في الاعتراف الذي أدلى به للمليشيا المتمردة، ذكر الجزولي بأنه ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تحت إمرة أبي بكر البغدادي، وهي إفادة ماكرة منه، لم تكن موجودة ضمن محددات الاعتراف فيما يبدو، بل أدرجها دون انتباه من مغيبي المليشيا المتمردة ممن كانوا معه أثناء إدلائه بالاعتراف، قصد منها الإشارة إلى أن هذا الاعتراف يتم تحت الضغط والتهديد الشديد، فما علاقة داعش والبغدادي بكيزان السودان وما يجري فيه هذه الأيام من انقلاب على الدعم السريع؟ والأغرب من ذلك أن تتطابق اعترافات هؤلاء بالمليميتر دون اللجوء للمراوغة والتمويه الذي يمارسه من يُكره على الإدلاء بمعلومات تنظيمية تكتيكية سرية كهذه، بحسبان أن درجات منفذي مثل هذه العمليات تتفاوت عادةً، وتختلف تبعاً لذلك معلومات كل منهم حسب الخطة الموضوعة التي يتم تصميمها بطريقة لا يتم تمليك المعلومات الكاملة لجميع أفراد الخلية المنفذة، وإنما هي أدوار محددة موزعة على كوادر محددة، بحيث لا تفشل الخطة عند الإمساك بأحدهم، وهذه من أبجديات العمل السري الاستخباري.

عمليات الاختطاف وانتزاع هذا النوع من المعلومات التي تؤكد أن الكيزان هم من دبّر عملية الانقلاب هذه على مليشيا الدعم السريع، الهدف منها جر المعركة مع الجيش السوداني لمسارات أخرى تضع الدعم السريع في خانة الضحية التي غدر بها (جيش الأخوان المسلمين)، مما يترتب عليه ترجيح كفة المعركة بإعطاء المليشيا الحق في الدفاع عن نفسها ومواقفها، بل وربما انقلبت الطاولة على المؤسسة العسكرية السودانية بحسبان أنها الآن تقاتل نيابةً عن التنظيم الشيطاني المسمى بالأخوان المسلمين الذي يتّحد كل العالم الآن في مكافحته ومحاولة اجتثاثه والتضييق عليه بشتى السبل، مما يترتب عليه كذلك عودة المليشيا المتمردة مرفوعة الرأس، متمددة أكثر وأكثر، بل ومتحورة في صور وأشكال جديدة يصعب التعامل معها مستقبلاً.

على الجيش السوداني الذي يبدو أنه الآن قد وقع في فخ الهدنة التي لم ولن تلتزم بها المليشيا، أن يغير استراتيجياته في التعامل مع الدعم السريع، وأن يزيد من وتيرة التصفية والملاحقة التي كانت تسير بصورة مطمئنة قبل هذه الهدنة التي أعطت المليشيا فرصة التقاط الأنفاس، بل والتفكير في سيناريوهات جديدة يجر بها الجيش السوداني لما يريد، كعمليات الاختطاف والاعتراف هذه، حتى يكسب أراضٍ جديدة تضعه في أقل تقدير في مرتبة متساوية مع الجيش السوداني، هذا إن لم تضعه في خانة المعتدى عليه، الذي قد يطالب بتسوية مكلفة المقدار، مرهقة التنفيذ.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى