البروفسور علاء الدين الزاكي يكتب..ماذا وراء الأكمة؟!

بالمعايير الأرضية والمقاييس البشرية لا يتوقع أن تسير دولة مدة اربع سنوات بدون:
– قيادة غير متوافقة (متكاجرة) اذا أيد أحدها اتفاقا رفضه الآخر ،واذا قبل أحدها مبادرة (حفر) لها الآخر كل واحدة تريد صنع علاقات خاصة بها كل واحد منها يتحين الفرصة ليثبت خطأ الآخر.
– جيوش متعددة ليس لها قيادة موحدة يبدو أنها لا تثق في بعضها.
– دولة بلا حكومة ولا خطة واضحة لإدارة المشهد.
– دولة بدون موازنة عامة مبنية على رؤية واضحة لكيفية تغطية العجز فيها.
– اضرابات في الخدمة المدنية ومطالبات تستجيب الدولة لها دون رؤية واضحة .
بلاد غير مستقرة لا سياسيا ولا أمنيا فيها:
– انفلات أمني غير مسبوق والمعلوم أن هناك ثمانين مؤشرا عالميا للانفلات الأمنى بكاملها موجودة في واقع السودان.
– وصول خطاب الكراهية إلى مرحلة غير معهودة وبعبارات لم تكن موجودة في تاريخ السودان.
– صراعات قبلية وجهوية لأول مرة في تاريخ يزهق فيها هذا العدد الكبير من الأرواح.
– عدم التوافق السياسي بين القوى السياسية حتى التي كانت تتبني اسقاط النظام.
– ارتفاع لغة التهديد بالانفصال في بعض الأقاليم.
– انعدام الثقة بين الجيش والقوى السياسية.
– تنافس دولي وإقليمي غير مسبوق.
هذا الواقع يجعلنا نسأل سؤالا مشروعا:
– من يدير الأزمة الآن؟ من يقترح الحلول من يقبل ويرفض؟من يمسك بخيوط اللعبة
لتشخيص هذه الحالة لابد من وجود معلومات أو مؤشرات يعتمد عليها المحلل .
ومع شح المعلومات الواردة في ظل التكتيك الحاصل والتكتم المستمر لا يبقى إلا المؤشرات.
والمؤشرات نفسها أصبحت مضللة في ظل التنافس المحموم على السودان.
وبالمقابل تماسك دولة طيلة هذه الفترة دون انهيار شامل يشعرك بوجود قبضة داخلية ذكية هذا لو استبعدنا طيبة الشعب السوداني وأنه يحبذ الاستقرار فهو لا يتجاوز الخطوط الحمراء.
ومن هذه الاحتمالات التي تؤيدها بعض المؤشرات ما يلي:
*أولا*: هناك مؤشرات تدل على ان الدول الأجنبية والغربية بصفة خاصة التى تتنافس على موارد وثروات السودان هي من يمسك بخيوط المشهد.
وهي من يصنع عدم التوافق بين العسكر أنفسهم وبين المدنيين أنفسهم وبين العسكر والمدنيين فهي تريد خلق نوع من الفرقة بين أطراف العلمية السياسية في السودان دون انهيار شامل ما يعني ميلاد نظام مفكك لا يتفق على مصالح البلاد وبالتالي لا يقوى على إدارة هذه الموارد والثروات لتبقى خالصة لهم.
ومن المؤشرات على ذلك:
– كل التفاهمات تحمل داخلها الفشل:
١/ الوثيقة الدستورية كانت فيها ثغرات عجلت بنهايتها.
٢/ الاتفاق الاطاري ليس عليه توافق لا بين العسكر أنفسهم ولا المدنيين مع قدرة الدول الغربية على فعل ذلك.
٣/ اتفاق القاهرة ليس عليه توافق لا بين العسكر ولا المدنيين.
– كلا الاتفاقيتين تحمل في طياتها عدم التوافق رغم الجهد الدولي فيهما كأنها مسألة مقصودة.
والواضح من هذا كله أن المجتمع الدولي يريد دولة لا تحمل في داخلها توافقا يؤسس لمستقبل أفضل بل دولة مفككة بحكومة هزيلة تنفذ التوجيهات دون تردد.
فهذه الدول تخشي من حكومة ذات قاعدة عريضة وشخصية قوية و ذات إرادة سياسية تتبنى رؤية وطنية لإدارة الموارد والثروات وذات مواقف صلبة في القضايا الدولية الحساسة كالتطبيع وغيره .
وللأسف لم يلتقط الفرقاء السياسيين الإشارة.
*ثانيا:* هناك مؤشرات تدل على أن العسكر هم من يدير المشهد، لكن هل هم وحدهم أم هناك من يقف وراءهم؟
وكثير من المحللين ما زالوا يعتمدون على الكلمة التي قالها الكاتب الانجليزي برنارد شو في كتابه (الرجل والسلاح) التي قال فيها (تسع أعشار العسكر ولدوا أغبياء) فحكموا على العسكر بعدم القدرة على الامساك بخيوط اللعبة مع العلم أن هذه العبارة لم تعد ذات معني اليوم بل العسكر اليوم قمة في التأهيل والإعداد حتى في التخطيط الاستراتيجي وذلك من خلال الأكاديميات التي أنشئت في داخل المؤسسة العسكرية فالعسكر اليوم ليسوا كالعسكر بالأمس فهم يمتلكون كفاءات مميزة قادرة على إدارة المشهد باحترافية عالية ولكن هذا يعكر عليه الممارسة المباشرة للعمل السياسي الذي كانت المؤسسة العسكرية تتحاشاه في الفترات الماضية مما يعني أن حفاظهم على الدولة في ظل هذا التفكك مع التكتيك السياسي واللعب بالبيضةوالحجر من الصعوبة بمكان.
وهذا يقوي احتمال وجود من يشارك العسكر التخطيط من المدنيين ممن لهم دربة وخبرة عالية في التكتيك السياسي.
فهل هم الإسلاميون؟ الإجابة المؤكدة أنهم ليسوا هم ؛لأن الإسلامين ليسوا على قلب رجل واحد قبل سقوط النظام وبعده، وأن خلافهم الذي ما زال قائما هو السبب في سقوط دولتهم إلا أن يكون هناك أفراد من النظام السابق استوعبهم العسكر خبراء يرتزقون من وراء ما يقدمونه من خدمة للعسكر وأكبر مؤشر على هذا النجاح السياسي الذي يحققه العسكر في العملية السياسية فكل اتفاق لهم مع
المدنيين يحصل بسببه تشظي وسط التحالف الذي أسقط النظام السابق المسمى(بقحت) مما يعنى أنه إما تحالف مخترق أو مصطنع.
– أول تفكك له خروج الحزب الشيوعي ثم انشقاق مجموعة القصر التي انحازت للعسكر بعد ٢٥ ٠أكتوبر.
– أصبحت هناك قحت (أ) وقحت (ب).
– قحت (أ) خرج منها الشيوعي من قبل والبعث بعد ذلك.
– وقعت قحت (أ) على الإطاري دون الشيوعي والبعث ووقت فرادى دون اسم المجلس المركزي.
– وقعت قحت (ب) على إعلان القاهرة ورفضت التوقيع على الإطاري.
– انفصلت قحت عن الشارع بعد كسرها للاءات الثلاث.
– لم يعد هناك ما يسمى بقوى الحرية والتغيير فتم تفكيكها بذكاء خارق.
عليه من خلال المؤشرات السابقة يتبين لي والله أعلم أن الذي يمسك بخيوط اللعبة هم الدول الكبرى وأنهم يريدون من وراء إرباك المشهد إخراج حكومة من رحم خلاف وليس اتفاق تكون مطيعة تنفذ ما يطلب منها ويتم من خلالها السيطرة التامة على موارد وثروات السودان في ظل الأزمات العالمية المتوقعة.