
فجأة وبدون مقدمات؛ اصدر وزير الشؤون الدينية والأوقاف يوم الخميس الماضي الخامس من يناير 2023م قرارا يقضي بحلّ كل لجان المساجد بالسودان!! وقضى القرار بإشراف مسئولي الشئون الدينية بالمحليات والولايات على المساجد، وذلك وفق اللائحة التي أصدرتها الوزارة بهذا الخصوص عام 2020م ( وهو العام الذي كانت متنفذة فيه حكومة حمدوك سيئة الذكر، والوزير مفرح العجيب)، ولم يفهم الكثيرون لماذا صدر هذا القرار؟ وفي هذا التوقيت بالذات؟ وذلك في سياق العملية السياسية التي تجري في السودان ويراد بها هندسة المشهد السياسي في السودان ـ أو هكذا يتوهم البعض ـ وبالتالي فهم الناس أن الشؤون الدينية قد أدلت بدلوها في هذا (المولد)، وغالبا يتوجس الناس خيفة من القرارات التي تصدر يوم الخميس، باعتبارها تذكرهم بالانقلابات العسكرية، أو بعض قرارات الحبس التي تقتضي بقاء المحبوس يومين في الحبس ريثما يأتي وكيل النيابة بعد يومين من الإجازة!
وثمة مخاوف وأسئلة مشروعة يبديها بعض الناس بين يدي هذا القرار العجيب؛ وعلى الوزير وأركان وزارته الإجابة عليها حتى يطمئن الناس في السودان على مستقبل المساجد بعد هذا القرار، ومن هذه المخاوف أن تحاول الدولة وضع يدها على المساجد، وتتحكم في طريقة إدراتها، وفي الخطاب الذي يصدر من المساجد، وذلك وفق هوى السلطة الحاكمة، أو من يسيرون الأمر في الحكومة ـ أي حكومة ـ وذلك تقليدا لبعض التجارب في الإقليم التي مضت قدما في هذا الجانب، وأصبحت المساجد شبه مؤممة، أو هي في الحقيقة في قبضة الدولة تسيرها كيف تشاء. فإن كان هذا هو المخطط والمتوقع من هذا القرار؛ فإنه قد وقع في جملة أخطاء تجعله ـ في الغالب ـ غير قابل للتنفيذ بهذه الكيفية، وذلك لعدة أسباب، من أهمها أن بيئة السودان، ومزاج السودانيين مختلف تماما عن بيئات وأمزجة دول الإقليم التي أشرنا إليها والتي حاولت وضع يد الدولة على المساجد وتسييرها كيفما شاءت، فالمزاج السوداني ينحو إل الابتعاد عن قبضة الدولة إلا في أضيق الحدود والتي ليس من بينها المساجد، وثمة أمر آخر ربما لا ينتبه له الذين يودون السير في هذا الاتجاه، وهو أن الغالبية العظمى لمساجد السودان لم تشيدها الدولة، بل شيدها المواطنون والمحسنون من حرّ مالهم، وتاريخيا تقوم على أمر المساجد لجان شعبية يكونها المصلون وأهل الحي تقوم على أمر المسجد وشؤونه الدعوية والهندسية، وحتى بعد التشييد فإن غالبية تسيير المساجد وصيانتها تقوم به الجهود الشعبية لا الحكومية، وبالتالي فإن الدولة التي لم تشيد ولم تسير ولم تتولى الصيانة أنّى لها التفكير في السيطرة على المساجد؟
ثم هناك مخاوف أخرى تتمثل في (نغمة) توجيه الخطاب الديني و(ترشيده)، وهي نغمة لعلها انطلقت من الولايات المتحدة في بداية هذه الألفية، وظنت أنها يمكن أن توجه الخطاب الإسلامي وفق ما يروق للسياسات الأمريكية في المنطقة، وهذه (النغمة) تم تطبيقها في بعض دول الإقليم، ومن هنا تطل المخاوف من محاولة تطبيقها في السودان، وهذا أيضا ـ لو صحّ ـ اتجاه موغل في الخطأ و(الوهم) لعدة اسباب؛ منها أن السودانيين عامة بطبعهم محافظون ومعتزون بدينهم الذي من طبيعته الوسطية والاعتدال، وأن السودان لم يعرف ما يسمونه في الإعلام بـ (التطرف)، وأن المساجد لم يؤثر عنها في السودان أنها دعت لفتنة طائفية أو انطلقت منها أفكار غريبة، وبالتالي فخطابنا الإسلامي في السودان ـ في جملته ـ لا يحتاج إلى جهود من يحاول (ترشيده)، فهو راشد في جملته.
وثمة مخاوف أخيرة ـ وليست آخرة ـ تتمثل في نصوص لائحة 2020م التي أشار إليها قرار الوزير، وهي كما ذكرنا صدرت في عهد حكومة حمدوك سيئة الذكر، وفي ظل وزيره المختص الذي نُسب له إبان توليه الوزارة أنه مسؤول حتى عن عُبّاد الأوثان!! ووزارة حمدوك لا اتوقع أن تصدر لائحة يطمئن إليها غالب عُمّار المساجد في السودان، وعليه فإن مخاوف الناس من الرجوع إلى هذه اللائحة تظل مشروعة.
في ظل هذا المخاوف نرجو من الوزير مراجعة قراره، وإصدار قرارات تجعل غالبية المسلمين في السودان يطمئنون إليها وتساهم في (ترشيد) العمل الدعوي في السودان، بالمعنى الحقيقي للترشيد.. لا بالمعنى (الأمريكي).