بكري المدني يكتب/ النموذج الليبي – أوعدنا يا رب!

كثير من المشاعر والتصورات كانت تتقاطع ما بين ذهني ونفسي وطائرة الخطوط المصرية الفخمة تقترب من ميناء (معيتيقة)الليبي /تقدم الأشقاء المصريون جدا في خدمة الطيران وسمعت أن مصر للطيران تضم أكثر من مائة طائرة حديثة وهذه قصة أخرى مدهشة لبلد لا تملك خطوطها الجوية -سودانير -غير طائرة واحدة متواضعة!
على الرغم من أننا سافرنا لليبيا بدعوة رسمية للمشاركة في (فعاليات طرابلس عاصمة الإعلام العربي) إلا إنى كنت أتوقع بعض التعقيدات في إجراءات الدخول نظرا لطبيعة شكل الحكم القائم على تحالف بين عدد من التشكيلات العسكرية والذي ينسحب بدوره على أجهزة الدولة فتضعف خاصية التنسيق وتتكاثق التقاطعات ولكن يجب قراءة هذا الحال بموضوعية مع ظروف الانتقال الكبير الذي تمر به ليبيا والذي يشبه المخاض الصعب المصاحب لأي ميلاد جديد
كثر كانوا يستغربون سفري لليبيا في وقت يتجه فيه كثير من السودانيين للقاهرة ودبي اسطنبول ولكن شيء ما وشغف ما جعلني استجيب بفرح لدعوة ليبيا والمشاركة في فعاليات طرابلس عاصمة الإعلام العربي
كنت أسمع وأتابع الأوضاع في ليبيا وربما أشارك بالكتابة حولها محذرا من انتقال النموذج الليبي للسودان ولكن دعونا نكن واضحين في هذا الأمر (لله والتاريخ )!
بين ليبيا والسودان -كما النشيد القديم عندنا أو بين الخرطوم وطرابلس الآن وبواقع الحال أقول أنني بقيت في طرابلس الغرب أكثر من أسبوع لم تقطع فيها الكهرباء والماء ولو لدقيقة واحدة لبلد ليس فيها أنهار ولا ماء تولد منها الكهرباء !
كنت اسأل صديق ليبي بكثرة عن المواصلات في العاصمة الليبية والتى لم أرها على الأرض ولقد فرح ذلك الصديق عندما رأي واحدة منها وهو يحس بالنجاة من بالسؤال المتكرر (هي -واحدة !)وكانت حافلة متوسطة الحجم بدأ لي أن أغلب ركابها من غير الليبيين ولا أريد التكهن بالقول (أنا شفتهم وين)؟!الحقيقة أنني رأيت (مواصلات واحدة) مرة أخرى قبل مغادرة طرابلس ولم تكن تلك الندرة يسبب أزمة في المواصلات ولكن في قلة الحاجة إليها، وأغلب الليبيين يستخدمون سياراتهم الخاصة وقد تمتلك الأسرة الواحدة أكثر من سيارة، والسيارات عموما من أرخص السلع الكبيرة في ليبيا وهذه مسألة مفهومة في بلد ينتج أكثر من مليون برميل نفط في اليوم والوقود فيها أرخص من الماء !
بالنسبة للحديث عن السلع فإن كل شيء في ليبيا رخيص ومتوفر مقارنة بحالنا في السودان ونحن نحاذر من النموذج الليبي وأذكر هنا ان موضع المقارنة في الحاضر وهي مقارنة لا تشمل الأحوال في ليبيا نفسها بين الأمس واليوم ولكنها مقارنة الحاضر في ظل ظروف انتقال صعب صمدت ليبيا فيه أو -ما زال -في الوقت الذي نحذر فيه من النموذج الليبي في السودان وحالنا يغني عن السؤال، وبعض الإجابة عليه في عيون الكثيرين الذين يعبرون يوميا الصحارى من السودان إلى ليبيا !
أكثر من أسبوع في العاصمة الليبية لم أشاهد أو اسمع أو أقرأ عن جريمة صغيرة أو كبيرة ولا حتى حادثة مرور، ولقد قطعت مسافات طويلة في طرابلس بالطول والعرض بغرض التعرف على البلد والأحوال والناس.
إن خلو صحيفة العاصمة الليبية من الجرائم يقودونا للحديث عن الأمن وعن النموذج الليبي الذي نحاذر منه والحقيقة أن مستوى الأمن في طرابلس الغرب لا يقارن البتة بالحال عندنا فلا وجود استعراضي على الأرض للتشكيلات العسكرية هناك، ووجودها الظاهر أقل من قوات الدولة النظامية شرطة وجيش، وارتكازاتها القليلة في بعض الأحياء مصدر أمان للناس وليس العكس، ولقد كنت كثيرا ما اتعمد الدخول إلى أي نقطة ارتكاز عسكرية تقابلني نظامية كانت أو تابعة لتشكيل عسكري ولم أجد إلا المسارعة لتقديم أي خدمة مطلوبة وليس في الأفق ما ينذر بأنك من الممكن أن تتحول إلى ضحية مجموعة قامت لتوفير الأمن ففي تلك البلاد كل شيء في مكانه وليس كما أنشد شاعر حالنا/
كل شيء في السودان ليس في مكانه
المال عند بخيله والسيف بيد جبانه !!
التقيت الرئيس الليبي السيد عبد الحميد الدبيبة رفقة بعض الزملاء العرب على هامش احتفالية عامة -تحدثت إليه في عجالة حركته واستمعت إليه من بعد في عدد من المنابر السياسية والإعلامية وخرجت من عنده بانطباع جيد وهو رئيس مناسب لليبيا في هذا الظرف الثوري فالدبيبة قريب إلى عمر الشباب-على ما يبدو -عصري ومنفتح على الجميع في الداخل والخارج لا يعاني من أثقال في التاريخ أو الحاضر يمكن أن تكبل خطواته /السيد الدبيبة سياسي قريب من الناس أكثر منه زعيم هلامي يحيط نفسه بهالة وقداسة تؤخر ولا تفيد!
لا شك أن هناك آخرون في الساحة الليبية ولكن وجود السيد الدبيبة مهم فالرجل محيط بتعقيدات الموقف الإقليمي والدولى الذي يحيط بليبيا وهو قادر على إجراء العملية الدقيقة التى تحافظ على ليبيا (الأم) وعلى مولودها (الثورة)!.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس