الشيخ د. مهران ماهر يفنِّد شبهات العلمانيين حول صلح الحديبية
الطابية: تقرير/ عبد العزيز ضيف الله
تناول الشيخ مهران ماهر في خطبته يوم الجمعة، أمس، في ختام سلسلة الخطب التي بدأها الأسابيع الماضية تحت عنوان “الحديبية.. الصلح المفترى عليه”، تناول الحديث عن الشبهات التي يطرحها البعض في الاستدلال على صلح الحديبية في تجويز التنازل عن شيء من دين الله.
وتناول الشبهة القائلة بأن النبي صلى الله عليه وسلم تنازل في صلح الحديبية عن شيء من دين الله تعالى، وقال إنهم أرادوا أن يجعلوا من هذا الصلح المبارك مسوغاً لهذا الذل والخضوع الذي ابتلوا به، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم عطل حد الردّة بهذا الصلح، لأنه اتفق مع المشركين على أن من جاء إليه منهم إليه ثم طالب المشركون به فإنه يرده إليهم، وزعموا أن ارتضاء النبي صلى الله عليه وسلم رد المسلمين إلى المشركين هو تنازل منه عن إقامة حد الردّة، فأجاب على هذه الشبهة بأنه لا يلزم من رد المسلم إلى المشركين أن يكون المسلم مرتداً، مستدلاً بأن الذين ردهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين لم يبدلوا دينهم، مثل أبو جندل، وأبو بصير.. وقال لو فرضنا جدلاً أن هذا العهد يدلّ ذلك فهذه مسألة خاصة، مستشهداً بقول بعض العلماء مثل أبو بكر بن العربي وابن حزم عليهما رحمة الله الذين نصَّا على أن هذا البند وغيره من البنود وافق عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله تعالى. والنبي صلى الله عليه وسلم عزى الصحابة بذلك فبيّن لهم بقوله (إني رسول الله ولست أعصيه) ليبيّن لهم أنه لا يملك أن يحيد عن أمر الله، ولذلك قال ابن حزم إنه وليس لمسلم بعد رسول الله أن يوافق على مثل هذا البند.
وأشار الشيخ مهران إلى أن حد الردة مجمع عليه، منذ عهد الصحابة، الذين أنفذوا حد الردة ولم يفهموا من صلح الحديبية أن فيه تعطيل لحد الردة.
وأوضح الشيخ أن الذين يطلقون الشبهات أرادوا الإساءة إلى سيدنا علي رضي الله عنه، من خلال حادثة امتناعه عن محو عبارة (محمد رسول الله) عندما طلب النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك، وأجاب على هذه الشبهة بأن علياً رضي الله عنه لم يفهم من أمر النبي صلى الله عليه والحتم والإلزام لأن المقام مقام مشاورة وأخذ ورد، مبيناً أن بغض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من علامات النفاق، لأن المنافقين أول أساؤوا إلى الصحابة عليهم رضوان الله، وأنه لا يغتاظ من الصحابة إلى مشرك كما قال الله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [29 الفتح]
وأضاف أن من آخر شبهاتهم قولهم إن الصحابة رضوان الله عليهم خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا خرج عليه بعد إبرام المعاهدة مع المشركين وأمرهم بأن يقوموا ليتحللوا من العمرة بقوله: (قوموا فانحروا ثم احلقوا) وكررها ثلاث مرات ولم يقم منهم أحد، وأجاب عن ذلك بأن مثل هذا هو اجتزاء من الحادثة، وهو تدليس يدل على مرض القلب، لأن بقية القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمشورة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها فدعا بحلاقه فحلق رأسه، فقام الصحابة يحلق بعضهم لبعضهم، مشيراً إلى أنهم لما رأوا نبيهم فعل ذلك فعلوا مثله، وأن الذي أخّرهم هو أنهم كانوا يأملون أن يحدث شيء يحمل النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقرهم على إحرامهم، اعتمادا على ما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم في منام رآه أنهم يطوفون بالبيت، فلما انقطع رجاؤهم، ما تأخروا ثانية بعد ذلك. وقال إن مثيري هذه الشبهة يذكرون هذه الحادثة، ولا يذكرون كلام عروة بن مسعود عما رآه من تعظيم الصحابة رضوان الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ومتسائلاً: كيف يحل الله عليهم رضوانه إذا كانوا يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}.
وأكد الشيخ أن أعظم الدروس المستفادة من الحديبية أنه لا تستقر للعبد قدم في دين الله إلا بتمام الانقياد لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، مستشهدا بقول سهل بن حنيف (يا أيُّها النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ علَى دِينِكُمْ، لقَدْ رَأَيْتُنِي يَومَ أبِي جَنْدَلٍ، ولو أسْتَطِيعُ أنْ أرُدَّ أمْرَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليه لَرَدَدْتُهُ، وما وضَعْنا سُيُوفَنا علَى عَواتِقِنا إلى أمْرٍ يُفْظِعُنا، إلَّا أسْهلْنَ بنا إلى أمْرٍ نَعْرِفُهُ، غيرَ هذا الأمْرِ) صحيح البخاري، واستشهد كذلك بقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (أيُّها الرَّجلُ إنَّه رسولُ اللهِ وليس يعصي ربَّه وهو ناصرُه فاستمسِكْ بغَرْزِه حتَّى تموتَ فواللهِ إنَّه على الحقِّ).. مشيراً إلى أن تمام الانقياد يسلتزم أن يتبعه نفي الحرج عن القلب (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].