
*بقلم: بروفيسور محمد وقيع الله
ذكرنا في الحلقة الماضية أن مهمة تذويب المسلمين في غيرهم من الأمم دفعت شحرورا إلى الإقدام على توسيع مصطلح (الإسلام) ليشمل في حناياه غير المسلمين كذلك؛ فالناس كلهم قد أصبحوا في نظره مسلمين وإن لم يسلموا!
وفي هذه الحلقة وما يليها من حِلَق نتفرغ لتأمل طائفة أخرى من المصطلحات الشحرورية المقترحة، بغرض أن نكشف عما في ملامحها من خلل مبطل، ونفضح ما في طواياها من عُوار مخبل.
فمن قلة التدبير حقا أن يصطنع كاتب لبحوثه مصطلحات جديدة متكاثرة بلا عدد، ولا تفتأ هذه المصطلحات أن تضطرب على الدوام؛ وتتداخل أحيانا وتتنافر أحيانا أخرى، ثم تبقى في معظم أوضاعها ملتبسة شديدة الالتباس.
لا شك أن هذا صنيع منكر يخالف صاحبه ويفارق المقصد الأساسي من سكِّ المصطلحات التصورية؛ فالعلماء المجتهدون لا يلجؤون إلى استحداث المصطلحات الجديدة إلا تلبية لحاجات منهجية ملحة تفرضها منها:
1- عدم وجود المصطلح المناسب للتعبير عن المعنى المراد التعبير عنه، فيبحثون حينئذ عن مصطلح جديد مفيد، يلخص جوهر المعنى المراد شرحه.
2- وجود مصطلح مستخدم للتعبير عن المعنى المراد، بيد أنه مبهم وغير منضبط الحد بشكل دقيق؛ فيسعى العلماء إلى صقل المصطلح وإرهاف حده.
3- وجود المصطلح المناسب للتعبير عن المعنى المراد، إلا أنه يحمل أكثر من معنى وأكثر من دلالة؛ فتكون الوجهة عندئذ إلى اختيار وتحديد معنى ودلالة معينة مما يتوفر عليه المصطلح القديم(١).
***
ومن المتفق عليه بين العلماء الراسخين أن مصطلحات العلوم الشرعية، التي يخوض شحرور في دراستها، لا تعاني من أي من هذه العلل والأدواء، وقد ظل أربابها – من قدماء ومحدَثين – يستخدمونها دون أن يشعروا بنقص فادح أو عيب خطير فيها، ولو وجدوا شيئا من ذلك لسدوا خلله ببعض التقويم ومزيد الإيضاح.
ولربما سكَّ علماء الشرع الأماجد مصطلحا علميا جديدا يعبر عن معنى جديد يتفقون عليه، وهم عادة ما يفعلون ذلك دون تكلف أو افتعال، ودون إثارة لغط أو ضوضاء، فليست الثورة المفتعلة ولا التهريج المبتذل، من صفات العلماء الكبار المختصين، الذين يحترمون التقاليد العلمية، التي تحكم مجالات تخصصهم.
وقد كان من مراجع الخلل، ومصادر العلل، وأسباب الزلل، التي انتابت مصطلحات الدكتور شحرور، ووصمتها بالسوء؛ أنها قد اصطنعت قسرا واعتسافا، ولم تتولَّد على نحو طبيعي مشروع، في أجواء العلوم الشرعية، ووفق تقاليدها البحثية التي ترسخت في عهود نشأتها، وفي غضون تطورها ونضجها.
فمما يتفق عليه العاملون في خدمة أي علم من العلوم الطبيعية، أو الانسانية، أو الاجتماعية، أو الشرعية، أن مصطلحات علم معين من هذه العلوم إنما تتطور ويتكامل صقلها تدريجيا عبر الزمن الطويل، وإلا انقطع حبل التواصل الفكري بين العاملين في خدمة الحقل المعرفي الواحد، وأصبح كل منهم يتحدث لغة مختلفة من صنعته الخاصة، قلَّ أن يقرُّه عليها أو يجاريه فيها أحد.
ولكن هذا الاعتبار العلمي على أهميته البالغة هو مما لا يبالي به من حيث الأصل هذا الكاتب المدعو شحرورا؛ فهو يصرُّ على الرفض التام المطلق والجذري لجميع المصطلحات التي ما فتئت تستخدم في سياقات العلوم الشرعية منذ مئات السنين، مصمما على أن يهدمها عن بكرة أبيها، وهو يجترح ذلك كله من غير سبب وجيه معقول مقبول.
وعلى إثر ذلك يزمع أن يستبدل بالمصطلحات التليدة السائدة، التي أثبتت صحتها على مدار السنين، مصطلحات من ابتداعه الشخصي، لم يشاركه في صوغها ولا في استخدامها ولا في صقلها أحد
————————
هوامش:
(١) (Dickinson McGou and George Watson, Political and Social Inquiry, John Wiley and Sons, New York, 1976, P. 121).
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس