
يعيش العالم اليوم حرباً باردة جديدة و استئنافا للصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي على مناطق النفوذ في دول العالم عموما وعلى مستوى العالم الثالث خصوصا.
لقد كانت الحرب الباردة عصر الحرب بالوكالة ما بين المعسكر الشرقي والغربي، وكان المعسكران يدعمان الانقلابات العسكرية الموالية لهما ويقومان بتدريب وتسليح وتمويل المليشيات حول العالم.
خلال تلك الفترة تم إنهاء مناطق النفوذ الاستعماري للدول الأوربية (بريطانيا وفرنسا) وإلى تدمير الاقتصاد العالمي وزعزعة السياسات المالية بسبب التضخم الذي كان يولد عدم استقرار مستمر.
لقد كان بالإمكان تجنب هذه الحرب الباردة لو سمحت الولايات المتحدة لروسيا بضم أوكرانيا أو أجزاء منها لكن أمريكا أغرقت أوكرانيا بالأسلحة الأمريكية كما لو أنها كانت تنتظر هذه الحرب منذ زمن من أجل تأديب الرئيس الروسي بوتين
يعتقد خبراء اقتصاديون دوليون أن حجم الديون الأمريكية ازداد في الفترة الأخيرة وأن إشعال حرب عالمية قد يكون هو الحل المتاح للولايات المتحدة للهروب من الدائنين وهم الصين والهند ودول الخليج العربي فمن خلال الحرب العالمية يمكن التخلص من هذه الديون عبر إسقاط هذه الأنظمة أو من خلال إجبارها عن التنازل عن ديونها في السندات الأمريكية.
في الأسبوع الماضي أعلنت إدارة بايدن عن استراتيجيتها للأمن القومي وهذه الاستراتيجية جاء فيها عبارة أن الولايات المتحدة لا تسعى لصراع أو (حرب باردة جديدة )، ولكن بعد أسطر من هذا الكلام اللطيف جاءت المعلومات الآتية:
الصين وروسيا تتحدى القوة الأمريكية ونفوذها ومصالحها وتحاول الدولتان تقويض الأمن والازدهار الأمريكي عبر جعل الاقتصادات أقل حرية وأقل عدالة وعبر تمويل جيوشهما والسيطرة على البيانات من أجل قمع مجتمعاتهم وتوسيع نفوذهما، روسيا تشكل تهديدا فوريا للنظام الدولي (الحر) بانتهاكها للقانون الدولي بحربها الوحشية على أوكرانيا، والصين هي المنافس الوحيد الذي لديه القدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي بشكل متزايد من خلال القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية والدبلوماسية لتشكيل نظام دولي لخلق عالم يفضي إلى الاستبداد ستعمل الولايات المتحدة مع شركائها للطعن على الممارسات التجارية للصين وتقييد استحواذها على التقنيات الحساسة بحيث تضمن الولايات المتحدة أن التقنية والمعرفة الأمريكية أوالحليفة لن تستخدم لتقويض الأمن القومي الأمريكي.
إن هذه الاستراتيجية المعلنة بوضوح هي استراتيجية حرب باردة حتى لو أنها تنكر بوضوح ذلك فهي تعلن بوضوح أن أمريكا وحلفائها سيحرمون روسيا والصين من التقنية، أي أن العالم انقسم إلى فسطاطين أمريكا وحلفائها وروسيا والصين وحلفائهم.
وفي سبيل هذه الاستراتيجية فإن أمريكا سوف تقوم بمواجهة حلفاء الصين وروسيا وسوف تقوم بتعزيز حلفائها من جانب آخر فإن روسيا والصين سوف تقومان بنفس الشيء وهو مواجهة حلفاء أمريكا.
ولم تكد هذه الاستراتيجية تعلن حتى شاهد العالم الطائرات الإيرانية المسيرة تقصف مدن أوكرانيا لصالح روسيا وسط عجز من الدفاعات الجوية عن إيقافها، ومن جانب آخر تحاول الولايات المتحدة وحلفائها إشعال ثورة ملونة في إيران بحجة اضطهاد ناشطة تسمى مهيسا أميني، بينما تستميت إيران في قمع هذه الانتفاضة الملونة، فإن الغرب يمتلك جيشا إيرانيا في دولة ألبانيا هو حركة مجاهدي خلق الذين انتقلوا إلى هناك بعد طردهم من العراق عقب الانسحاب الأمريكي عام 2010م.
لو نظرنا إلى السودان فإننا نرى بوضوح تأثيرهذا الصراع الدولي عليه، فرئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان يميل بشكل واضح نحو الغرب، بينما يميل نائبه الفريق محمد حمدان دقلو إلى روسيا والصين، حيث ( بسبب وجود فيتو غربي عليه) ويعتبر محمد حمدان دقلو راعيا بشكل واضح للاستثمارات الروسية في السودان، ومؤيدا للقاعدة الروسية في البحر الأحمر، فإن البرهان يظهر تريثا واضحا نحو هذه المسألة، ورغم استقبال البرهان في العواصم الغربية فإن منافسه محمد حمدان لم يستطع السفر إلى تلك البلاد، ولم يتم دعوته لمؤتمر باريس، كما لم يسمح له بالعزاء في الملكة إليزابيث أو بالذهاب نحو الولايات المتحدة الأمريكية.
لا تنخرط الدبلوماسية الغربية بأي حوار يذكر مع الفريق دقلو باسثتناء دبلوماسية إيطاليا ذات الموقف الحرج المهتمة بمنع تدفق الهجرة غير الشرعية (مؤخرا فتحت الدبلوماسية الفرنسية نافذة حوار مع الفريق دقلو لحرص على تأمين دولة تشاد الفرانكفونية) وتهاجم وسائل الإعلام الغربية الفريق محمد حمدان دقلو وتتهمه بتمويل الحرب الروسية على أوكرانيا بالذهب السوداني وبانتهاك حقوق الإنسان وأمور كثيرة أخرى، بينما لا تهاجم عبد الفتاح البرهان بنفس القدر سوى بأنه زعيم الجونتا العسكرية وقائد الانقلاب.
رغم محاولة الفريق محمد حمدان دقلو التقرب من الغرب بالموافقة على التطبيع مع إسرائيل فإن الغرب يصر على تجاهله ويحمله مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد وتمويل الحرب الروسية على أوكرانيا.
قام الفريق محمد حمدان دقلو برعاية وثيقة المحامين وبدعم أحزاب الحرية والتغيير والتشكيك في مبادرة أهل السودان ولكن لا زال الإعلام الغربي يشكك في حميدتي وتتجاهله الدبلوماسية الغربية التي هي أكثر استعدادا نفسيا للحوار مع الجيش السوداني الذي يقوده الفريق البرهان، ويهدد الباحث الأمريكي والضابط في السي أي إيه كاميرون هدسون بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية.
العلاقة بين الفريق محمد حمدان دقلو والغرب هو حب من طرف واحد حتى الآن، حتى إسرائيل لم تستطع إقناع الغرب بقبول الدعم السريع (هذا يشكك في القدرة الأسطورية لإسرائيل كما يظن بعض القادة العرب).
من جانب آخر فإن روسيا التي دعمت وساعدت على قلب أنظمة تشاد ومالي وبوركينافاسو المرتبطة بعلاقة صداقة مع الفريق حميدتي سعيدة بتوتر علاقة الفريق حميدتي مع الغرب وتراهن على أنه سيكون حليفها الوثيق لو قرر حكم السودان.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس