ثقافةمقالات

محمد وقيع الله يكتب.. نفايات المطابع.. خطرفات الماركسي المتأسلم محمد شحرور (٢)

صاغ الأستاذ كشك نظريته حول استخدام المخابرات الأمريكية للشيوعيين العرب في حرب الإسلام قبل نحو أكثر من نصف قرن من الزمان، وقد صدَّقت الأيام النظرية بل النبوءة التي أطلقها هذا المفكر الإسلامي اليقظ الرائد.
ففي غضون السنوات الأخيرة صدرت عدة كتب تخصصت في تحليل الوثائق المفرج عنها من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والتي تناولت موضوع إقحام الوكالة نفسها في قضايا الصراع الفكري على نطاق عالمي، وتجنيدها عددا من عتاة اليساريين من مختلف الجنسيات لخدمة أجندتها المريبة.
من هذه الكتب ما أصدرته الكاتبة البريطانية فرانسيس ستونور ساندرز عن تدخل
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في شؤون الثقافة والفكر والآداب والفنون؛ وفيه كشفت أسماء الكثيرين من عملاء المخابرات الأمريكية الذين كانوا معدودين من أقطاب اليسار والليبرالية الكبار؛ من أمثال الفيلسوف الماركسي سيدني هوك، والبروفيسور آرثر كريستول، وشارلس ماكاري، وغيرهم.
وقد كان بذل المال الوفير اليسير، ومنح الجوائز التشجيعية والتكريمية والتلميعية أكثر ما استهوى هؤلاء اليساريين ليصبحوا يمينيين، أو ليصيروا مستأجرين لدى اليمين!
تقول الكاتبة ساندرز: إن مؤسسة روكيفيلر التي تعد واجهة من واجهات الرأسمالية الكبرى، قد برهنت على نجاحها في استقطاب أقطاب اليساريين عن طريق الدعم المادي الذي قدمته لهم:” فلم تكن مساعدة ورعاية الفنانين اليساريين ميدانا غريبا على آل روكيفيلر؛ وعندما هوجمت آبي أولدرتش روكيفيلر بسبب قرارها دعم ومساعدة الفنان المكسيكي الثوري دييجو ريفيرا… كان ردها إن الحمر سيكفون عن أن يكونوا حمرا إذا نحن منحناهم بعض الاعتراف الفني…”.
(فرانسيس ستونورساندرز، من يدفع للزمار؟ الحرب الباردة الثقافية: المخابرات المركزية الأمريكية وعالم الفنون والآداب، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2009م، ص 85).

***
ولم يكن الأدباء والمفكرون اليساريون العرب بمنجاة ولا اعتصام من مثل هذا الطعم المادي والأدبي المغري؛ ودليل ذلك ما نشرته صحيفة نيو يورك تايمز في سلسلة مقالات لها في إبريل 1966م أماطت فيها اللثام عن أن مجلة (حوار) الحداثية العربية، واليسارية التوجه إلى حد التطرف، والتي صدرت من بيروت، ظلت تحظى برعاية وتمويل سخي من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية؛ وذلك بغرض أن تسهم في تنفيذ خططها الرامية لتوجيه الثقافة الإسلامية، وتصريف شؤون الفكر في العالم العربي.
وغداة النشر المخزي من قبل الصحيفة الأمريكية الكبرى لهذا السر الرهيب وفضحه على الملأ فرَّ رئيس تحرير المجلة الدكتور توفيق صائغ من بيروت إلى أمريكا، واضطر كاتبها ومدير مكتبها في القاهرة الماركسي الطائفي المعروف غالي شكري إلى كتابة مقال تظاهر فيه بالانزعاج، وإبداء الحرج، وإعلان شديد الحسرة جراء تورطه في شباك المخابرات الأمريكية، وقيامه دون وعي منه – كما ادعى زورا – بالإذعان للتوجيهات الفكرية الاستعمارية، واستلامه أموالا مصدرها وكالة المخابرات الأمريكية، وهي الأموال التي أطعم أبناءه منها دهرا كما قال:” يا لضيعة العمر؛ فبعد كل الشقاء والحرمان، وأسوار المعتقلات، أراني في لحظة واحدة أكلت خبزي، وأكل أولادي معي، من الكتابة في مجلة يمولها الاستعمار”.
(أمير بابكر عبد الله، العلاقة بين الكاتب ومصدر التمويل.
https://www.sudaress.com/sudanil (
وعلى دأب الشيوعيين الوبيل في تمجيد أنفسهم بالزيف المبطل، مهَّد غالي شكري لاعترافه الذليل بتمجيد نفسه، ثم اختصر زمان أكله الذي دام طويلا من مال الأمريكيين بعبارة:(في لحظة واحدة) ثم تجنب ذكر ما يدل على مصدر التمويل الذي تلقته المجلة، وأكل هو خبزه منه؛ وهو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وعلى سبيل الإبهام والتعمية أعرض عن ذكر اسم المصدر الصريح، وجاء بكلمة فضفاضة هي كلمة الاستعمار.

***
استمرأ الأمريكيون هذا التوجه الانتهازي في استخدام اليسار الثقافي العربي ضد الإسلام، وما فتئوا يستخدمونه مليا، وقد أعانت مؤسسة (راند) للأبحاث صُنَّاع القرار السياسي الأمريكي حيال موضوعات الإسلام بمجموعة كبيرة من الدراسات، لخصت جوانب من تراث المستشرقين القدماء، من أمثال المستشرق المجري إغناز غولدزيهر، والبريطاني صمويل ديفيد مرغوليوث، والهولندي كريستيان سنوك هرخرونيه، ومزجتها بخلاصات من ملاحظات وتوصيات المفكرين السياسيين المعاصرين، من أمثال المؤرخ البريطاني برنارد لويس، والمنظر السياسي الأمريكي صمويل هنتنجتون، والناشط الصهيوني في شيطنة الإسلام وعفرتة المسلمين دانيال بايبز.
وقد صدرت هذه الدراسات باعتبارها وثائق مرشدة للدفاع عن الأمن القومي الأمريكي، وكأن المسلمين هم من يشكلون الخطر الأكبر على الأمن القومي الأمريكي!
وقد أوصى الكتاب الذي حمل توصيات مؤسسة (راند) بهذا الصدد بضرورة الإفادة القصوى من أعمال مفكرين حداثيين ماركسيين، من ذراري المسلمين، جمعوا بين المعرفة الواسعة بالإسلام، والاجتهاد في تقريبه من قيم الحداثة.
وبالتحديد ذكر الكتاب أسماء الماركسي التركي شريف ماردين، والماركسي السوري (نسبه الكتاب إلى الجنسية الألمانية!) بسام طيبي، والحداثي اليساري المصري خالد أبو الفضل، والماركسي السوري محمد شحرور، وخصَّ بالذكر كتابه (مشروع ميثاق العمل الإسلامي) واعتبره مرشدا للمسلمين يدخلون بمؤشراته الدلالية في رحاب القرن الحادي والعشرين!
(Cheryl Bernard, Civil Democratic Islam: Partners, Resources, and Strategies, Rand National Security Research Division, 2003, P. 38).
وحقا فقد استهدفت رسالة هذا الكتاب تمييع الدين الإسلامي، وتخليصه من عناصره وخصائصه القوية المائزة؛ فكل ما يشير إلى تفرد الإسلام كدين، وكل ما يؤكد على بروز المسلمين كأمة تبشر بتشكيل كتلة دولية جديدة، ينبغي التخلص منه على الفور؛ وذلك حتى ينسجم المسلمون مع الآخرين.
وكم كان غريبا ومريبا أن صاحب هذه الدعوة المنكرة لتذويب المسلمين في خضم الآخرين، لم يقترح على الشعوب الأخرى ولم يشترط عليها أن تتخلص من شيء من صفاتها وخصائصها التي تميزها حتى تنسجم مع المسلمين؛ فالمسلمون فقط هم من يُطلب إليهم التخلي عن دينهم؛ كما يدعو هذا الماركسي المتأسلم شحرور.
وقد استدعى هذا المطلب المتعسف من صاحبه أن يقوم بتعريف الإسلام تعريفا جديدا، فاقترح أن يُدعى مسلما كل من آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وكل من لم يؤمن بها على السواء!
وطبقا لهذا التعريف الشحروري العجيب يصبح اليهودي مسلما، بل قد يكون أصدق إسلاما من المسلمين، ويصبح النصراني مسلما كذلك، وقد يكون أفضل إسلاما من المسلمين!
وهكذا غلا العميل الفكري والعقائدي شحرور في تمحُّلاته السمجة استرضاء للغربيين حتى بلغ مستوى لم يطالب به هؤلاء قط؛ فما في الظن أن يرضى هؤلاء أبدا أن يعدوا في زُمرالمسلمين!
ولمزيد من تقريب المسلمين من الآخرين، وتسهيلا لمزجهم بهم، أو دمجهم فيهم، نحا شحرور إلى تقليص قائمة المحرمات في الإسلام؛ فأخرج منها فاحشة الزنا بين العزاب، وأجازه لهم، كما أباح لهم احتساء بنت الحان؛ حتى يكونوا في حال تفسخ عام وتهتك تام مثلهم مثل الغربيين.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى