حوارحوارات وتحقيقاتسياسة

في إفادات للطابية .. السفير د.أحمد التجاني يقلّب أوراق فترته بنيجيريا

الولايات المتحدة وبريطانيا عطلتا التوصل لاتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في أبوجا 1992م.

حوار: قسم الحوارات والتحقيقات

السفير الدكتور أحمد التجاني صالح سفير السودان الأسبق بنيجيريا يحتفظ بمجموعة من الأسرار أثناء فترة عمله كسفير مقيم بنيجيريا وسفيرا لأربع دول أخرى في غرب إفريقيا، وكانت له صولات وجولات أثناء عمله كأمين مساعد لأمين جامعة الدول العربية الأسبق محمود رياض، وله خبرة في التعامل مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والهيئات التابعة لها، من أجل ذلك تم تعيينه سفيرا بوزارة الخارجية في عدة مناصب قبل أن يتولى منصب سفير السودان في نيجيريا في العام 1991م، والسفير يحتفظ بذاكر حية متقدة تستدعي كل الأحداث والذكريات بسرعة ويحفظ بحمد الله أسماء الشخصيات والرجال الذين تعامل معهم أثناء عمله كسفير، ولا يمكن بطبيعة الحال أن نلم بكل ذكرياته وأعماله في هذا الحيز الضيق، بل إن فترة عمله كسفير في نيجيريا، وفي أربع دول إفريقيا أخرى، تحتوى على كم هائل من المعلومات والأحداث، ولكننا نكتفي في هذا اللقاء بتسليط الضوء على مفاوضات أبوجا الأولى والثانية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان التي استضافتها نيجيريا في العام 1992م، إبان عمل الدكتور أحمد التجاني سفيرا للسودان بـ “لاغوس”.

الولايات المتحدة وبريطانيا عطلتا التوصل لاتفاق مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في أبوجا 1992م.

والسفير مشكورا فتح لنا قلبه وأتاح لنا مساحة واسعة للأسئلة والاستفسار عن هذه الفترة المهمة من تاريخنا السياسي المعاصر لنلقي عليها الضوء سريعا، ونأمل مستقبل أن نتمكن من محاورته في جوانب أخرى لم يتطرق إليها هذا اللقاء المختصر رغم أنه استمر لساعات بمنزله العامر بحي الطائف بالخرطوم.

 

 كيف بدأت علاقة نيجيريا بالملف السوداني واستضافتها لمفاوضات أبوجا الأولى والثانية عام 1992م؟

كان هناك مؤتمر لجماعة تسمى الإسلام في إفريقيا مركزها في نيجيريا، وتضم عدد من الرؤساء الأفارقة، والزعماء، والفقهاء، يهتمون بالدعوة والدين الإسلامي، وانتشاره في الشعوب والبلدان، هذه الجماعة عقدت مؤتمرا في نيجيريا عام 1990م، ودعي له من السودان الرئيس البشير، والعقيد ـ آنذاك ـ محمد الأمين خليفة عضو مجلس قيادة الثورة حينها، ولما ذهبوا إلى نيجيريا عرض الرئيس البشير على الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا أن تتبنى نيجيريا مفاوضات بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان

*لماذا تم اخيتار نيجيريا لهذا الموضوع؟*

نيجيريا بحكم وجودها كدولة ذات كثافة سكانية عالية، وتقدم اقتصادي بين دول إفريقيا، بالإضافة لسمعتها كدولة منتجة للنفط، ومؤسسة وناشطة في منظمة البلدان المنتجة للنفط (أوبك) حيث كان من نيجيريا سكرتير المنظمة، والأفارقة في (الإيكواس) وهي دول غرب إفريقيا يعتبرونها الأخ الأكبر الذين يستمعون لنصحه، ومساعداته، وبالفعل كانت نيجيريا تقدم ذلك للبلدان المجاورة، ولعدد من حركات التحرير الإفريقية، كما أن لها حركة في الأمم المتحدة، ولها من القوات العسكرية ما يمكن الاستعانة بها في فض النزاعات في مناطق وبؤر النزاعات، لذلك تم اختيار نيجيريا لترعى مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان.

*كيف تم اختيارك سفيرا للسودان في نيجيريا؟*

طلب الرئيس بابنجيدا من الرئيس البشير أن يقدموا له سفيرا بأسرع وقت ليقوم بالتحضير للمفاوضات، لأن السفير السودان السابق في نيجيريا الأستاذ علي الجاك اضطر لترك السفارة بسبب مشاكل مالية، وعندما استدعته الخرطوم غادر نيجيريا ولم يأت للخرطوم، والرئيس بابنجيدا قال إنه لا يستطيع استضافة المفاوضات وليس لدولتكم سفير معتمد بنيجيريا، فوعده الرئيس البشير بتعيين سفير سريعا.

ما قصة مجموعة كادونا مافيا التي كانت تسيطر على القرارات والأوضاع في نيجيريا؟

كنت قد عينت سفيرا بالخارجية، ومديرا لإدارة المنظمات الدولية، بحكم الخبرة التي اكتسبتها كأمين عام مساعد للجامعة العربية إبان فترة الأمين العام للجامعة العربية الأستاذ محمود رياض، وأيضا من خلال مساهماتي في اجتماعات ومؤتمرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بجنيف، وهي المنظمة التي أنشئت عام 1972م خصيصا لدعم صادرات البلدان النامية، وتجارتها وتسويقها وذلك يشمل كافة السلع عدا النفط، وشرفت بحضور عدد من المؤتمرات في شيلي، والفلبين، وكينيا، وكنت مقررا للجنة، كما كنت أيضا رئيسا للجنة المالية للصندوق المالي المشترك التابع للأمم المتحدة لدورتين عام 1976م، وعام 1977م، والذي لعب فيه الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين دورا محوريا لمساعدة البلدان النامية، كما شرفت أيضا برئاسة اللجنة الفنية للحوار العربي الأوروبي بين الجامعة العربية ودول السوق الأوربية المشتركة الذي بدأ عام 1976م وحتى عام 1983م، وهذا أتاح لي اكتساب المزيد من الخبرات في الحوار والمساهمة بإيجابية في نتائج الاجتماعات، وتجدر الإشارة إلى أنني مدين لدولة الإمارات التي وافقت أن أكون ممثلها في ذلك المؤتمر، ومنحتني جوازا دبلوماسيا بدرجة سفير بجواز مهمة، لأني واجهت مشكلات في تجديد جوازي أيام نظام نميري، وكان من المفترض أن أكون وكيلا لوزارة الخارجية السودانية أوائل أيام الإنقاذ، وشغلت أيضا مدير الإدارة السياسية بالوكالة بوزارة الخارجية، حتى وقع علي الاختيار من بين الذين نظرت فيهم اللجنة برئاسة محمد الأمين خليفة لمرشح السفير إلى نيجيريا لرعاية المفاوضات بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان. تجدر الإشارة هنا إلى أنه بعد أن قدمت السيرة الذاتية إلى وزارة الخارجية النيجيرية جاء الرد بقبول السفير المرشح بعد أربعة عشر يوما بعد استلامهم خطاب الترشيح، وهذه، كما صرح وزير الخارجية علي سحلول، من أسرع الموافقات على سفير سوداني، وقال لي سحلول بابتسامته ربما لأنك تعرف اللغة (الهوسا). بالإضافة لاستعداد الحكومة النيجيرية لاستضافة المفاوضات والقيام بدورها في إنجاحها.

*بعد وصولك إلى نيجيريا سفيرا للسودان، ما هي أهم المهام التي كانت على عاتقك حينها؟*

في أبريل 1991م وصلت نيجيريا سفيرا للسودان بها، وكانت السفارة آنذاك في لاغوس، ووجدت لحسن الحظ أن منزل السفارة ومقر السفارة في مساحة واحدة تحيط بها أبسطة من النجيل والأشجار، وهي مبان على مستوى راق أشرف عليها مهندس سوداني اسمه النجومي كان مقيما في نيجيريا.
كانت المهمة الأولى جمع معلومات عن الوضع السياسي في نيجيريا؛ كيف تحكم نيجيريا كجمهورية فدرالية ديمقراطية، ومن يحكم نيجيريا من الأحزاب السياسية، وما هي المعارضة للحكومة، وما هو دور الإدارة الأهلية في دعم السلطة لنظام الحكم في نيجيريا، وما هو وضع إقليم جنوب غرب نيجيريا الذي كان يود أن ينفصل وينشئ دولة باسم بيافرا، وما هي مقومات الشعب النيجيري كمجتمع وأمة، وما هي موارد الدولة تجاه التحديات الكبيرة التي كانت تواجهها في ظل الكثافة السكانية التي تصل إلى مائة مليون نسمة. هذه كانت مهمة صعبة، لذلك طلبت من وزير المالية عبد الرحيم حمدي وهو زميل دراسة أن يوفر لي سيارة لاندكروزر تعينني في التنقل وجمع المعلومات.

ما هو الدور السوداني في منع انفصال إقليم (بيافرا) النيجيري؟

 

*عن ماذا تمخض بحثك عن المعلومات وسعيك في مهمتك كسفير؟*

اكتشفت أثناء بحثي عن المعلومات أن هناك مجموعة ـ آنذاك ـ تسمى (كادونا مافيا)، وهي مجموعة من السياسيين والضباط المتقاعدين ورجال الأعمال بعضهم محترف سياسة وبعضهم نصف محترف، هؤلاء يلتقون أسبوعيا في عطلة نهاية الأسبوع في مدينة كادونا شمال غرب مدينة كانو عاصمة الشمال، وكادونا هذه كانت عاصمة نيجيريا أيام الحكم البريطاني، هؤلاء الزعماء لهم مزارع يعتبرونها استراحات يتعاطون فيها قضايا بلادهم في مختلف المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصدرون التوصيات والتوجيهات للحكومة للتنفيذ، وقد حصلت على كتاب يتحدث عن كادونا مافيا واستقيت منه المعلومات عن هذه المجموعة، وسعيت للالتقاء بمجموعة كادونا مافيا فردا فردا، وهكذا اكتملت لدي معلومات عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في نيجيريا، مما أهلني بفضل الله أن أكون مرجعا للسفراء الجدد، عرب وأفارقة وآسيويين، وعندما يأتي سفير جديد ويقدم أوراق اعتماده يسأل عن السفير السوداني، لأنه الأقدر على تحليل الأوضاع في نيجيريا، وفي اجتماع المجموعتين العربية والأفريقية إذا كان السفير السوداني معتذرا عن الاجتماع، فإن الاجتماع يكون فطيرا وفقيرا لأنه يفتقر إلى التحليل والمستجدات على الساحة النيجيرية

*ومن هنا كانت استعدادك كسفير لاستضافة المفاوضات والتجهيز لها؟*

نعم من هنا وبفضل الله كنت مستعدا لرعاية وهندسة مفاوضات أبوجا الأولى والثانية عام 1992م، وكان لازما أن نراعي وفد المراقبين النيجيريين على الرغم من أن الوفد النيجيري كان مراعيا فيه الخبرات المهنية والعسكرية والأكاديمية، ولكن حرصنا أن تكون رئاسة الوفد النيجيري لأستاذ علوم سياسية مسلم، لضمان ألا تنحرف المفاوضات أو يحصل لها نوع من الانغلاق الاصطناعي أثناء جلوس المفاوضين.

*كيف كانت تركيبة وفدي المفاوضات للحكومة السودانية ولحركة تحرير السودان؟*

بالنسبة لحركة تحرير السودان كانت في البداية ممثلة بوفدين وفد للحركة ووفد لجيش الحركة، ثم توحد الوفدان، وبحمد الله قمت بتأمين مكان المفاوضات،وحماية المفاوضين، وكان مكان التفاوض شيراتون نيجيريا، وكان رئيس الوفد النيجيري اسمه الدكتور قونجا أولا قونجي، وهو من القبائل التي تنتمي إلى اليوربا وهي ثالث أكبر قبيلة بعد الهوسا والفولاني، وهو أستاذ علوم سياسية مسلم، وكان وفد السودان برئاسة محمد الأمين خليفة ونائبه الدكتور على الحاج، وكان وفد الحركة في الجلسة الأولى برئاسة وليام نون ووفد جيش الحركة برئاسة أوليفر بتالي ألبينو، وهو من خريجي كلية الآداب جامعة الخرطوم ومن دفعتي في الجامعة، وكان يشمل وفد الحركة الدكتور جستن ياج وهوطبيب من خريجي جامعة الخرطوم ودفعة الدكتور على الحاج ، وبعد الجلسة الأولى التي أجيز فيها جدول الأعمال، توحد وفد الحركة السياسي والعسكري وتم سحب وليام نون واستبدال سلفاكير به رئيسا لوفد حركة وجيش تحرير السودان، واستمرت المفاوضات وفق جدول الأعمال، وتم التوصل إلى اتفاق حول مطالب الجانبين.

*لماذا إذن لم يكتمل التوقيع على الاتفاق، ما الذي حدث لتعطيل التوقيع؟*

كما هو معروف فإن بعض البلدان الغربية كانت مؤثرة جدا على قرنق، وكذلك بعض الشركات مثل شركة لونرو وكان رئيسها البريطاني توني رونالد وهو مستشار قرنق، وقد وضع طائرته الخاصة تحت تصرف قرنق في تلك المفاوضات، وأراد الله تعالى أن يكتب لنيجيريا وسفير السودان نصرا في نجاح الجولتين، وإتمام اتفاقية سلام بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان، لولا تدخل بعض الدول الغربية المؤثرة في حركة تحرير السودان، وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وكانتا لا تريدان أن يرجع الفضل لنيجيريا في اتمام هذه المفاوضات.

*ما هو موقف القيادة النيجيرية من السودان وشعبه؟*

الرئيسان النيجيريان الذين رعيا المفاوضات هما بابنجيدا وثاني أوباشا كانا يقفان موقفا صامدا وعنيدا مع وحدة السودان، ونصرة المسلمين في السودان، وليس ذلك من باب التعاطف الوجداني فحسب، وإنما للدور الذي لعبه السودان في الحيلولة دون

لماذا تم نقل المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية إلى كينيا؟

انقسام إقليم بيافرا، فقد كتب السفير السوداني في نيجيريا حينها عمر عباس عجبنا إلى وزير الخارجية المحجوب حينها للتنازل عن طائرتين عسكريتين صنعتهما بريطانيا لصالح السودان ليقدما إلى نيجيريا للمساعدة في الحيلولة دون انفصال إقليم بيافرا، فقد كتب السفير عجبنا إلى وزير الخارجية المحجوب مذكرة ضافية محذرا بأن السودان إذا لم يتنازل للطائرتين لنيجيريا فسوف ينفصل إقليم بيافرا وبعده بأشهر قليلة سينفصل جنوب السودان، ويومها ما كان من السيد المحجوب إلا أن دعا لاجتماع طارئ لمجلس الوزراء وعرض عليه مذكر السفير عجبنا واقترح تنازل السودان للطائرتين إلى نيجيريا، وفعلا وافقت الحكومة السودانية على الطلب، وذلك في فترة حكم الرئيس النيجيري بتوجو قادون، حيث استفادت نيجيريا من الطائرتين في إخماد ثورة إقليم بيافرا، ومن ثم حفظ النيجيريون سياسيون وعسكريون للسودان هذا الدور وثمنوه تثمينا عاليا.

*نعود للمفاوضات كيف تصرفت الحركة لإجهاض الاتفاق؟*

وفد الحركة أعطي الفرصة لمناقشة نتائج المفاوضات مع رئيس الحركة قرنق الذي وصل بطائرة خاصة، وأشار إليهم أن يؤخروا التوقيع على البيان المشترك إلى أن يتم الاتفاق على موضوعين هما إعلان حالة الطوارئ، وإلغاء قانون الرقابة المتبقية على السلع لعام 1933م، ومن ثم أدرك وفد الحكومة السودانية كما أدرك رئيس الوفد النيجيري أن عملية تأخير التوقيع على البيان المشترك تعني الانسحاب من المفاوضات، وأبلغت رسميا كسفير نقل المفاوضات إلى كينيا، وكان هذا من الأسئلة الغامضة التي ربما يتم شرحها وتوضيحها بعد زوال الأشخاص المرتبطين بذلك القرار في حكومة السودان في ذلك التاريخ.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى