سياسةكاتب ومقالمقالات

حسن عبد الحميد يكتب.. بؤس العلمانيين السودانيين خالد سلك نموذجا

حسن عبد الحميد 

في الوقت الذي لاقت فيه مبادرة نداء السودان التي أطلقها الشيخ الطيب الجد قبولا واسعا داخل السودان وخارجه لما احتوته من مبادئ ونقاط تسعى لجعل الحل والحوار للخروج من الأزمة السياسية الراهنة سودانيا دون إقصاء ولا عزل نجد أن نفس هذه المبادرة الشاملة والموفقة قد أثارت حنق وغضب طائفة أخرى وانطلقت تصريحاتهم وأقوالهم ضد المبادرة بمختلف العبارات التي تعبر عن مواقفهم الحقيقية من الحوار السوداني السوداني وتفضح نواياهم التي تسعى الى جعل الأمر بيد الأجانب وغير السودانيين في مصادمة مباشرة لرأي غالبية السودانيين الذين توافقوا على ان يكون الحل نابعا من السودانيين أنفسهم دون تدخل من الخارج وهذا ما يمليه المنطق السليم وتفرضه الوطنية الحقة وعند النظر في تصريحات هذه الطائفة التي انتقدت مبادرة نداء السودان على قلتهم نجد أن البعض حاول تغليف الرفض للمبادرة بترديد الاسطوانة المشروخة وادعوا أن المبادرة وراءها نظام الإنقاذ وان المبادرة ستعيد إنتاجه لكن هذه الحجة لم تعد تنطلي على أجد وأصبحت مضحكة من كثرة تردادها بمناسبة وبدون مناسبة

لكننا في كل هذا الركام نجد تصريحا غريبا كان نشازا واشتر وغير متسق مع المزاج السوداني وهو التصريح المنسوب إلى خالد سلك الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني ووزير مجلس الوزراء السابق فقد نقلت الوسائط قوله إن الشيخ الطيب الجد رجل دين ولا يحق له اقتراح مبادرة سياسية وهذا التصريح فتح عليه أبواب نقد واسعة وهجوما كاسحا من جملة الأقلام والمثقفين وسال مداد كثير في الرد على هذه السقطة.

تصريح خالد سلك ينطلق من منطلقات علمانية بحتة تستند إلى فكر غربي يسجن الدين داخل الزوايا والتكايا والمعابد ولا يسمح له بأي دور في الحياة العامة، وهو تطور غربي واجه به المجتمع الغربي استبداد الكنيسة وتحكمها وجهها، في ذلك الحين، ومواجهتها حركة المجتمع بعامة والحركة العلمية على وجه الخصوص وهو الصراع الذي انتهى في الغرب بتبني العلمانية، وهو تطور خاص بالفكر الغربي كما نرى ولا وجود لمثل هذا الصراع في التاريخ الإسلامي ولا في العالم الإسلامي. وفي تصريح خالد سلك نقف بوضوح على إحدى نقاط بؤس العلمانيين السودانيين وتخبطهم عندما يحاولون نقل الأفكار الغربية بحرفية دون النظر إلى خصوصية المجتمع السوداني الذي يخاطبونه وطبيعة مكوناته وقواه الحية والذي تمثل الصوفية إحدى ركائزه القوية، ويمثل فيه الشيخ الطيب الجد أحد زعماء الصوفية المعتدلين وقادتها المقبولين على مستوى السودان ككل.

وإذا نظرنا إلى تصريح خالد سلك سنكتشف سريعا أن التصريح مخاطب به الغرب والخارج أكثر مما هو مقصود به السودان والداخل إذ ربما خيل للرجل أن ذكر رجال الدين وضرورة استبعادهم عن العمل السياسي سيلمس وترا حساسا لدى الغربيين ويجعلهم يتوجسون من مبادرة نداء السودان، وهنا مظهر آخر من مظاهر بؤس العلمانيين السودانيين يتمثل في حرصهم على مخاطبة الخارج أكثر من مخاطبتهم مواطنيهم وأهلهم، في قفز واضح على طبيعة المجتمع الذي يخاطبونه، وهذا مما لا يجب أن يقع فيه أي سياسي حصيف

إلا أن العلمانيين السودانيين على قلتهم كانوا في الماضي أكثر حذرا وأقل مصادمة لثوابت المجتمع السوداني بصورة واضحة ومباشرة، إلا أن تصريح خالد سلك يبدو أنه قد أفسد عليهم هذا المنهج وبدا فجا في مصادمته رموز المجتمع ومباشرا في السفور عن الوجه العلماني الحقيقي، وهذا المنهج البائس سيكون فيه مقتل العلمانية أكثر مما يكسبها أراض وآفاق بعكس مما يتوهم بعض العلمانيين السودانيين.

ومن ناحية أخرى فإن تصريح خالد سلك قد لفت الأنظار إلى الوجه العلماني الصارخ الذي يتبناه حزب المؤتمر السوداني الذي ربما يغيب عن كثير من السودانيين، ليأتي تصريح خالد سلك فيشير إلى هذا الوجه في برامج الحزب، والشعب السوداني متدين بطبعه وينفر من مثل هذه المقولات العلمانية الفجة والأحزاب السودانية التي سبقت المؤتمر السوداني في تبني العلمانية على قلتها لم تكن تُظهر في خطابها العام مثل هذه الفجاجة والمصادمة للشعور السوداني بصورة مباشرة.

خلاصة الأمر أن الفكر العلماني فكر غربي النشأة والتطور وان المجتمعات الإسلامية معافاة في أصلها وفي غالبيتها من هذا الفكر الدخيل استنادا إلى أن الدين الإسلامي الحنيف يختلف عن النصرانية المحرفة وأن تصريح خالد سلك تعبير عن بؤس العلمانيين السودانيين في مصادمتهم لثوابت المجتمع السوداني وأنه خطاب خاسر بكل المقاييس وأن الاستقواء بالخارج وتوجيه الخطاب له لن يجدي الأحزاب التي تتبنى ذلك شيئا، ومن الأجدر لمثل هذه الأحزاب أن تتصالح مع مجتمعاتها وتقلع عن مثل هذه المسالك والدروب التي يمجها السوداني العادي المتدين المحافظ

تنبيه: لا أعرف خالد سلك شخصيا ولم التقه في حياتي ونقدي موجه إلى فكره لا إلى شخصه.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى