حوارات وتحقيقاتسياسة

التيار الإسلامي العريض .. رؤية رشيدة لمشهد جديد.. أم اجترار لتجربة سابقة؟

بعد غياب أستمر فترة طويلة للتكتلات الإسلامية عن المشهد السياسي بالبلاد، ومنذ سقوط نظام الإنقاذ شهدت الأيام السابقة توقيع ثمانية فصائل إسلامية ميثاق تأسيس التيار الإسلامي العريض لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها، فعبر المساحة القادمة أجرت الطابية تحقيقا موسعا حول ماهية التيار ومدى تأثيره في المشهد السياسي ومدي أحدثه تغييراً بالساحة السياسية؟وما هو تفاعل الشارع السوداني بهذا الإعلان؟ خاصة وأن بالذاكرة فشل تجربة الإنقاذ والحركة الإسلامية، التي آلت بالأوضاع بالسودان إلى ما هي عليه الآن كما حاولنا أن ننقل قراءة لبعض المحلين السياسيين وخبراء وباحثين أكاديميين، واستطلعنا أحد الكيانات الموقعة على الميثاق.

تحقيق: منال صديق
بغياب عدد من الكيانات الإسلامية وقعت ثمانية تيارات إسلامية على إعلان تأسيس التيار الإسلامي العريض وتمثلت تلك الكيانات في حركة الإصلاح الآن، والأخوان المسلمين التنظيم السوداني، والإخوان المسلمين التنظيم العالمي، ومنبر السلام العادل، والحركة الإسلامية، حزب دولة القانون والتنمية، وحزب العدالة القومي، حيث وضعت ثمانية أهداف للتحالف تمثلت في صيانة السيادة الوطنية ومنع التدخلات الجائرة في الشأن الداخلي، والحرص علي تنزيل قيم الدين على جميع أوجه الحياة، وبسط الحريات العامة وصيانة حقوق الأفراد والجماعات، وإصلاح الشأن السياسي وتأكيد الشورى، وإعلان البعد المؤسسي وتوسعة قاعدة المشاركة في الشأن العام، تقوية المؤسسات العدلية والحقوقية، وضمان استقلالها ونزاهتها وسيادة حكمها، والدعوة لمشروع متكامل لإصلاح الشأن السياسي بالبلاد.

رفض وقبول:
قابل الشارع السوداني هذا الإعلان مابين الرفض والقبول بحذر.. فالأستاذة (انتصار علي) موظفة بصندوق رعاية الطلاب قالت: ” نرفض هذا التحالف وهذا الكيان لأنهم قد يكونوا أصحاب التجربة السابقة في الحكم وجاءوا إلينا بمدخل آخر، فنحن لا نرفض ما هو إسلامي.. ولكن تجربة الإسلاميين السابقة أفقدتنا الثقة فيهم بما رسموا من صورة سيئة للممارسة السياسية” ..

•موظفة: لا نرفضه وأمر محبب لنفسنا كمسلمين ولكن!

لذلك تعتقد انتصار أن الكيانات الإسلامية لا تنفع في السياسية، وتقول: “نحن نريد حكم الشريعة والعدل، فيمكن أن نقبل بشخصية حتى وإن كانت إسلامية، ولكن المشكلة في المسميات، فنرحب بكل من يحكم بالعدل بلا مسمى إسلامي”.
أما أبو محمد (مواطن) فيرى أن قيام تحالف إسلامي عريض في هذا التوقيت الذي انتشرت فيه ظواهر وسلوكيات كثيرة في مجتمعنا ضد كل ما هو إسلامي؛ من سب للدين وللذات الإلهية، أمر محبب لنفسيتنا كمسلمين، ولكنها لا تحقق أغراضها لأنها في الغالب مربوطة بتقاطعات ومصالح لمجموعات معينة ففي نهاية الأمر لا تخدمنا كمواطنين، ولا حتى مصلحة الدين، والدليل على ذلك تجربة الإنقاذ والإسلاميين السابقة.. ولكن نتمنى أولا أن توقف الهجمة على كل ما هو ديني وإسلامي ..ونتمنى أن تنجح في انتشال البلد مما وصلت إليه، وإن كان ذلك أمراً صعباً للغاية لأنها ستواجه بمعاداة الكثيرين بالداخل والخارج ممن يريدون أن يسلبوا هويتنا كمجتمع إسلامي.
أما أسعد محمود (طالب جامعي) فيقول: لا نريد تحالفات إسلامية ولا غيرها فقط نريد مدنية ديمقراطية.. كفاية تلاعب باسم الدين.. لقد كرهتنا تجربة الإنقاذ في كل ماهو إسلامي، فاتركوا الدين بعيدا عن قذارة ممارستكم السياسية.

•مواطن: توقيته مناسب حتى يوقف سلوكيات بالمجتمع ضد كل ما هو إسلامي من سب للدين وللذات الإلهية

 

تحالف فضفاض
والتقت (الطابية) بالدكتور محمد خليفة صديق الباحث والخبير الأكاديمي، الذي ينظر للتحالف على أنه تحالف جبهوي عريض وفضفاض.. ليس المقصود منه الانتخابات.. واستبعد أن يخوض انتخابات بقدر ماهو محاولة لتجميع الإسلاميين تحت لافتة واحدة وقراءة للمشهد و توحيد رؤى الإسلاميين تجاه المرحلة الحالية، وفيه تأكيد للشارع بأن الإسلاميين ما زالوا موجودين

•خبير أكاديمي: تأكيد للشارع بأن الإسلاميين موجودون بالساحة رغم شعارات كنسهم من الساحة

ولم يغيبوا عن التراب السوداني رغما عن شعارات كنسهم من الساحة.. رغما عن أن هنالك جهات كثيرة خارج هذا التيار منها المؤتمر الشعبي والسلفيون بمسمياتهم المختلفه والمتصوفة.. واستبعد خليفة أن يسعى التحالف لخوض انتخابات .. وإن حدث ذلك فرأى بضرورة أن تمثلهم أحزاب أخرى.. فظهور أحزاب إسلامية معتدلة جديدة، أو حتى أحزاب إسلامية قديمة مثل حزب الأمة الذي كان ينادي بالصحوة الإسلامية، والحزب الاتحاد الديمقراطي الذي كان ينادي بالجمهورية الإسلامية، يمكن أن تكون بديل للإسلاميين، علي الأقل في المستوى المنظور.. كذلك أحزاب جديدة مثل حركة المستقبل وحركة النهضة والأحزاب الشبابية يمكن أن تكون بديلا للإسلاميين حتى يتبينوا إلي أي مدى سيكون لعودتهم قبول في الشارع، خاصة المؤتمر الوطني فعليه أن يقرا الساحة جيدا قبل الدخول في مغامرة الانتخابات، لأن الدخول في مغامرة الانتخابات مع قرب العهد بالإنقاذ التي قامت ثورة ديسمبر عليها ليس من المنطق العودة للسلطة بهذه السرعة.

نهج صدامي وعدائي
من جانبه يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الأستاذ محمد عثمان الرضي بأن عودة التيار الإسلامي للمشهد

•كاتب صحفي: عودته دلالة واضحة علي تأثير التيار الإسلامي في المشهد السياسي

السياسي فيه دلالة واضحة على أن له تأثيراً كبير على أرض الواقع، وحتى وأن كان من الصعب أن يحكم السودان في هذا الوقت، ولكن يمكن أن يكون له وجود من خلال الانتخابات القادمة رغما عن الصور السالبة للتجربة السابقة لحكم الإسلاميين ..وعزا ذلك إلى أن التيارات الإسلامية هي الأكثر تنظيما من حيث الكادر والإمكانيات المادية، إلى جانب قدرتها في خلق التحالفات السياسية مع بقية الأحزاب، وتوقع نجاحها إذا ما غيرت من نهجها الصدامي، ومن الخط العدائي المجتمع الدولي، رغما عن أنه لا يرغب في عودة الإسلاميين للحكم بطريقتهم القديمة.

فرقعة إعلامية:
ولكن الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الأستاذ وائل علي جاء رأيه مخالفا للرأي السابق، حيث وصف التحالف بأنه مجرد فرقعه إعلامية ومحاولة إرسال رسالة للمجلس العسكري والسيادي وللمبعوث الأممي بأن التيارات الإسلامية موجودة، ورقم لا يمكن تجاوزه.. ورأى أن التيار ليس له مستقبل لعدم وجود أسباب موضوعية تجعله يستمر.. وأضاف وائل ومن ناحية أخرى فإن التيار الإسلامي عموما، وبخلاف المجموعة التي سمت نفسها التيار الإسلامي العريض، فللتيار الإسلامي مصداقية وشعبية حقيقية في الشارع السوداني وتأيد، سواءً كان قبل الثورة أو بعدها!.. وهذا الإعلان لن يغير شيئاً من الواقع، إلا إرسال رسالة إعلامية فقط.. فالشعب السوداني شعب واعٍ فطن يدرك ويعرف تماما أنه لا توجد علاقة بين تجربة الثلاثين سنة والإسلام بالمعنى السليم.. فتجربة الإنقاذ تجربة بشرية فيها إخفاقات وفيها نجاحات ولم تكن تجربة الإسلام، فالشعب السوداني يدرك تماما أن التيار الإسلامي تيار واسع، ومن حكموا خلال ثلاثين سنة لم يكونوا بالتيار الإسلامي كله، وعليه فالتيار الإسلامي لديه مساحة واسعة وجيدة ليكون له دور في أي انتخابات قادمة فمسالة الوصول للانتخابات تعلمناها من دروس التحول الديمقراطي في العالم.. ممكن تفوز بالانتخابات لكن ممكن أن لا تحكم!!.. وممكن أن تفوز بالانتخابات وتحكم ولكن يمكن الإطاحة بك!!.. ويمكن أن لا تفوز بالانتخابات وتحكم!!.. فحكومة قحت لم تفز بانتخابات ولكنها حكمت.. وهناك أناس فازوا بالانتخابات ولكن تمت الإطاحه بهم كما في تونس ومصر.

أوضاع مضطربة:
ويضيف المحلل السياسي والكاتب الصحفي وائل: نحن موجودون في منطقة مضطربة في ظل أوضاع عالمية ودولية ومحلية مضطربة كذلك، فتصبح مسالة الوصول للسلطة ليست بالصعوبة ولكن البقاء فيها والنجاح هو المسالة الصعبة.. وتوقع المحلل

•محلل سياسي:مجرد فرقعة إعلامية و رسالة للمجلس العسكري ولا توجد أسباب موضوعية لاستمراره

السياسي أن تكون لللتيار الإسلامي الفرصة في النجاح في الانتخابات القادمة بنسبة تصل لـ 30% لأن بالشعب أطياف مختلفة وتيارات متعددة، (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) فهنالك الفكر اليساري وهنالك الليبرالي، فيمكن أن يكون جزءً من النظام القادم إذا حصلت انتخابات.. ولكن أشك في قيام انتخابات ديمقراطية، لأن التحول الديمقراطي تم إجهاضه بإرادة الفاعلين السياسيين.. فقوى الحرية والتغير ليست قوة ساعية لانتخابات، بدليل استمرار مظاهراتها والتصعيد بالشارع إلي مالا نهاية، ولن تستقيم العملية السياسية في ظل وجود قانون الطوارئ فإن وجدت ستكون ديمقراطية موجهة، وختم وائل حديثه لـ (الطابية) بالقول إنه يرى أن مستقبل البلاد قاتم ومقلق.

مقومات نجاح متعددة:
أما وجهة نظر الكيانات الموقعة على الميثاق، فقد التقت الطابية بالأستاذ حسن عبد الحميد، الأمين السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التنظيم السوداني، أحد الكيانات الموقعة على الإعلان، حيث ابتدر حديثه متفائلا بنجاح التحالف لإعتبارات عديدة قال: ” إن أهمها قيامه على أمور يوجبها الشرع والعقل ومنطق الأشياء، فضلا عن أن مكونات الإسلاميين التي شاركت في تأسيس التيار الإسلامي العريض هي الأقرب لبعضها البعض من حيث الفكرة والمزاج، وتمتلك كوادر وقيادات وكفاءات قد لا تتيسر لأي تجمع سياسي آخر، مضيفاً أن لبعضهم خبرة في إدارة الدولة وملفاتها والعلاقات الخارجية والاقتصاد والدبلوماسية، ولديها رؤية في مختلف جوانب الحياة السياسية، موضحا أن كل تلك أمور يمكن أن تحقق نجاح التحالف، أضف إلى ذلك غيرها من العوامل مثل؛ فشل تجربة حكومة قحت وحمدوك في قيادة الفترة الانتقالية التي يشهد بها القاصي والداني..
وتوقع الأمين السياسي لجماعة الأخوان المسلمين نجاحا باهرا للتحالف بعون من الله وتوفيقه أولاً، وليس فقط لفشل الفاشلين وعملاء المخابرات وأعوانهم!!.. مشيرا في حديثه لمقارنة مابين تجربة الإنقاذ وقحت، حيث رأى أن الأولى أفضل بكثير.. وهو أمر منظور لمسه المواطن الذي إكتوى بنتائج سياسيات وحكومة قحت وحمدوك، ولكن رغما عن ذلك فأنهم في التحالف الإسلامي العريض غير معنيين ولا مسؤولين عن تجربة الإنقاذ.. ورغما عن ذلك رأينا بضرورة إجراء مراجعات للفترة الماضية بالنسبة للجميع خاصة الحركة الإسلامية باعتبارها حكمت ثلاثيين عاما، وفيما يتعلق باحتمال مشاركة التحالف في الانتخابات قال الأستاذ عبد الحميد: إن الأمر سابق لأوانه وعندما يحين وقتها سيكون للتحالف كلمته وموقفه المتفق عليه بعد أن يؤسس أجهزته القيادية والقاعدية.

تحالف مستقبلي.. وليس امتداداً للإنقاذ:
وعن غياب بعض الأحزاب والكيانات الإسلامية والتي من بينها حزب المؤتمر الشعبي أوضح بأن الشعبي كان مشاركا في التحالف في أيامه الأولى وحتى بداية اجتماعاتنا كانت بداره ولكنه آثر الانسحاب لأسباب تخصهم أما بقية الكيانات الأخرى

•الأخوان المسلمون: سينجح لأنه قام على أمور يوجبها الشرع والعقل ولسنا امتدادا للإنقاذ

فتوقع التعاون والتنسيق فيما بينهم في المرحلة المقبلة، وعن نظرة البعض للتحالف بأنه محاولة لعودة للإسلاميين للحكم بشكل جديد بمعنى حكومة الإنقاذ، قال: إن التحالف غير مسؤول عن تجربة الإنقاذ وليس امتداداً للحركة الإسلامية، ومن ثم فان الحكم عليه بالفشل حكم ظالم وسابق لأوانه لأنه لم يختبر ولم يجرب، وعن نظرة البعض للتحالف بأنه لفت نظرة للمجلس العكسري وفرقعة إعلامية أوضح أن المجلس العكسري لا يحتاج للفت نظره لوجود الإسلاميين لأنه يدرك تماما حجمهم وأضاف أنهم إذا ما أرادوا فرقعه إعلامية فهنالك وسائل أكثر فعالية لإحداث الفرقعات الإعلامية، وأضاف أن التحالف نضج على نار هادئة وحوار عميق طيلة ثلاث سنوات ماضية من عمر الفترة الانتقالية لذلك فهو تحالف مستقبلي واستراتيجي وليس تكتيكا او لأغراض الدعاية الإعلامية.
وفي رده على القول بأن التحالف محاولة لعودة الإسلاميين بشكل جديد مستغلين بعض الأحزاب التي في الغالب ما يظهر عليها التشرذم و الاختلافات بداخلها، قال عبد الحميد: إن من حق الإسلاميين أن يعودوا إذا توفرت لهم الشروط لذلك، وقبل بهم الناس، فلا أحد يستطيع منعهم من ذلك.. ومرة أخرى وختم الأمين السياسي للتنظيم الإخوان المسلمين قائلا” أكرر مرة أخرى هذا التحالف ليس امتدادا لأحد مكوناته، وإنما هو تحالف يضم أحزاباً ومجموعات إسلامية قررت التنسيق والتعاون والتحالف، ثم إن العلمانيين واليساريين وغيرهم يتحالفون فلماذا يحرم ذلك على الإسلاميين؟.. والحديث عن الخلافات هي أمنية أعدائهم وأملهم، لكن نبشرهم بأن هذه أمنيات خائبة وآمال خاسئة فالإسلاميون أكثر وفاءا لعهودهم، وهم لا تجمعهم مصالح ولا مناصب في هذا التحالف، هم اجتمعوا من أجل فكرة إسلامية صحيحة، وسنواصل في طريقنا مهما كانت العواقب والعقبات إن شاء الله.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى