الحرطوم:منال صديق
أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الخميس 20 يناير قراراً بتكليف 15 وزيراً في حكومة تصريف أعمال جديدة، عقب لقائه مع وفد أمريكي في وقت سابق الخميس، ونتج عن اللقاء اتفاق ينص على تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة وإقامة حوار وطني شامل لحل الأزمة السياسية الراهنة فيما أعلنت واشنطن أنها لن تستأنف مساعداتها الاقتصادية للسودان دون وقف العنف وعودة حكومة يقودها المدنيون.
هذا ويشهد السودان احتجاجات متواصلة تتخللها اضطرابات وعنف منذ قرارات البرهان في 25 أكتوبر من العام المنصرم بتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية، وإقالة الحكومة المدنية، ولم ينجح الاتفاق السياسي بين البرهان ورئيس الحكومة المستقيل عبد الله حمدوك، بإعادة المسار الانتقالي ووضع نهاية للاحتجاجات المتكررة والمطالبة بإبعاد المكون العكسري من المشهد السياسي، مما أدخل البلاد في حالة من العنف والتزمت من قبل الشارع الرافض للوجود العكسري في الحكم خاصة بعد مظاهرات 17 يناير الجاري، التي قتل فيها سبعة من المتظاهرين، والتي بعدها استمرت المظاهرات لأربعة ايام متتالية.
“قحت” تعترض:
حكومة تصريف أعمال التي أعلنها الفريق البرهان وجاءت بالتزامن مع زيارة الوفد الاسراىيلي والوفد الأمريكي، رفضها البعض ونظر اليها البعض بحذر مشككا في إمكانية نجاحها في إيجاد حل للأزمة السياسية بالبلاد، فالقيادي بقوى الحرية والتغير، عضو اللجنة القانونية عبد المطلب عطية وصفها بأنها عبارة عن شغل مناورة وحكومة بلا رأس، وقد جاء حديثه ذلك في تصريح لصحيفة الصيحة حيث قال: “في ظل الأزمة الحالية لا تجدي بشيء، بل ستقود إلى مزيدٍ من الأزمات, وراى بأن الإعداد للأنتخابات لا بد أن تتوفر فيه القوانين والتوافق علي شكل الحكم، وأضاف “فما يحدث مجرد هروب من الأزمة الحقيقية” وأشار إلى أن الانتخابات لها معايير، منها التعداد السكاني والترتيب الانتقالي والترتيبات السياسية, وتابع عطية قائلا الإعداد للانتخابات يتمثل في حكومة مدنية توفر كل الشروط لقيامها، مضيفاً إن الانتخابات المُزمع قيامها في 2023م مربوطة بشروط موضوعية.
تأيد وترحيب:
في الوقت الذي رفضتها قوة الحرية والتغيير المركزي، رحبت بها مجموعة الميثاق الوطني بقوى الحرية والتغيير واعتبرتها بأنها خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لملء الفراغ الدستوري.
ورأى القيادي بالمجموعة موسى حسان في تصريح له للانتباهة بأن وضع البلاد يتطلب تشكيل تلك الحكومة لسد الفراغ الدستوري والمؤسسي.
وتابع قائلاً: (هذا اتجاه صحيح، وحكومة تصريف الأعمال تتبنى المهام المنوطة بها لحين قيام الانتخابات). واستبعد أن يكون هناك تضارب بين تشكيل الحكومة والوثيقة السياسية للحوار بين الأطراف المختلفة، ومضى قائلاً “الوثيقة ممكن تأخذ شهراً، ثلاثة أشهر،والبلد تكون ماشه من غير مؤسسات.
موافقة إقليمية ودولية:
من جانبه يرى البروفسير حسن عبد الله الساعوري المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين بأنها جاءت بموافقة إقليمية ودولية، لاسيما أنها جاءت بعد أجتماعات مع المبعوث الاممي والوفد الأمريكي والوفد الأسرائيلي وبالتالي أوقفت حالة التدهور والشلل والجمود بالخدمة المدنية وموسسات الدولة، فضلا عن أنها تشكل إيقافاً للضغط الدولي والإقليمي على الحكومة.. ولكنها ليست مطالب للشارع الذي مطلبه إبعاد المكون العسكر.
ورهن السارعوي نجاح الحكومة المعلنة بنجاح شقين أسايين: الشق الأول؛ إقناع الشارع، فطالما ضمن الموافقة الإقليمية والدولية، فإن هذا الأمر الذي يتطلب أسساً واضحة للإقناع بخطة إعلامية بأغلبية مدنية ومجهود إعلامي كبير ومكثف، لاسيما أن إعلامه في السابق كان ضعيفا..وحتى يستطيع أن يقنع الشارع بحكومته عليه تشكيل اجتماع مشترك مع مجلس السيادة ومجلس الوزراء والأخير من المتوقع أن يكتمل في الأيام القادمات خاصة.. وفي حالة صدور قرارات قادمة عليه أن يعكس للرأي العام أن القرار تم الترشيح عليه من الأغلبية المدنية، خاصة أن نسبة المدنيين بالمجلس السيادي أكبر من نسبة العسكرين لأن القرارات عندما تاتي بالصفة المدنية تكون مقنعة للشارع.
ويواصل الساعوري حديثه للطابية عن حكومة تصريف قائلا” أما الشق الثاني لضمان نجاح خطوته تكوين موسسات الانتقال الديمقراطي من؛ محكمة دستورية، ومفوضية للانتخابات، وقانون الانتخابات الذي سيتم بعد عقد المائدة المستديرة التي اتفق مع الأمريكان على عقدها مع أطراف الطيف السياسي السوداني ..
ورأى الساعوري أن الحل بيدها فالتدخلات الخارجية حتى إن أسهمت في تقريب وجهات النظر لكنها ليست من مصلحة الوطن، فلكل طرف من الأطراف التي دخلت لحل الازمة أهداف ومصالح متضاربه وهذا التشابك في المصالح يمكن أن يزيد الاضطراب، وتوقع الساعوري في حال فشل البرهان في إقناع الشباب بالحكومة المعلنة، سيزيد من تصاعد الأحداث واستمرار الاحتجاجات والعنف، ووقتها سيتعقد المشهد السياسي بصورة أصعب مما كان عليه.. وربما يقود ذلك الى فوضى.
استمرار الاحتجاجات:
ويري الأستاذ محمد عثمان الرضي الكاتب الصحفي والمحلل السياسي بأن حكومة تصريف الأعمال تحصيل حاصل.. ولن تغير كثيرا في المشهد السياسي، بل ستعقده بصورة أكبر، وتوقع الرضي استمرار احتجاجات الثوار، أو ما يسميه (انتفاضة)، حتى تنجح في إزاحة المكون العسكري رغما عن التدخل الخارجي في الشأن الداخلي الذي أصبح واقعا معاشاً، ليس لأجل خدمة السودان واستقراره، بل لتحقيق المصالح الاستراتيجية لأمريكا وإسرائيل ودول المحيط الإقليمي، ولكل تلك الدول رؤية مختلفة للتعاطي مع ملف السودان، ويريدون تحقيق موطئ قدم ومنصات انطلاق لغزو القارة الإفريقية والاستفادة من الموارد الاقتصادية الضخمة التي تزخر بها القارة السمراء والسودان المدخل الريئس لها، وتوقع الرضي استمرار وزير المالية في موقعه لأنه أتى من خلال اتفاقية حوبا الموقعه مابين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، وهذا التزام سياسي وقانوني.
تاثيرات الشارع ضعيفة في المعادلة:
يعتقد الأستاذ وائل علي الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أن إعلان البرهان لحكومة تصريف أعمال تعكس عدم أكتراثه للقوة السياسية والشارع الثوري وللمظاهرات التي أصبح تاثيرها ضعيفة في معادلة السلطة باستثناء المظاهرات التي تذهب للقصر والتي قد تكون مزعجة له.. ولكن التتريس بالشوارع لايحرك شعرة في قرارات البرهان لاعتبار أنه قد ضمن بقاءه في السلطة وشعر بالقوة بعد أن اكتسب التأييد الدولي والإقليمي بسبب مساعي الكثير من الدول الإقليمية والغربية لحل المشكلة السودانية تحقيقا لاهدافها ومصالحها.. لذلك المظاهرات لا تعنيه كثيرا وأضاف وائل أن إعلان البرهان للحكومة يكون قد أنهى المبادرة الأممية بقيادة فولكر، التي أصبحت من غير قيمة حتى، وأن قال بعكس ذلك, فعمليا المبادرة انتهت.. وأصبح الحوار بعد أن كان مستعجلاً ممكن أن يستمر سنة أو سنتين أو حتى ثلاثة، ويمكن أن ينتهي بانتخابات.. فعلى ماذا سيتحاور الناس أذا كانت الحكومة قد أعلنت.. وبذلك يكون البرهان قد اختطف ورقة الحكومة وإنهائها.. لكن الشيء الوحيد الذي عمله هو أنه ترك الباب موأربا بعدم نعيين رئيس مجلس وزراء وبالتالي أصبح هو رئيس مجلس الوزراء يجمع بين السلطة السيادية والتنفيذية.
مباركة إقليمية ودولية:
لقد أصبح واضحا أن خطوة البرهان بإعلان حكومة تصريف أعمال جاء بموافقة إقليمية ودولية تخدم أغراض ومصالح دول معينة دون اعتبار لمطالبات الشارع السوداني ولا وضع أعتبار للقوة السياسية السودانية وتاثيرها في المشهد السوداني، سياسية فرض الأمر الواقع بغض النظر عما إذا كان ذلك سيحل المشكلة أم سيعقّدها.. ولكن التعقيد هو أكبر الاحتمالات المتوقعة.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس