ربة أسرة: أوافق على زواجه إن لم يكن نزوة ولكن بشرط واحد
يعتبر الزواج اللبنة الأساسية التي شرعها الله بغرض إعمار الأرض بالتكاثر والتناسل وبالإنجاب وهو سنة الأنبياء والرسل، وسنة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين , والإسلام وضع له قواعد هي السكن والمودة كما جاء في الآية الكريمة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً).. فقضية الزوجة الثانية والتعدد بصورة عامة قضية قديمة حديثة متجددة في المجتمع السوداني وفي كل المجتمعات الإسلامية، وحديث كل المجالس والمنتديات، ورغما عن أنه أمر مسلم به، حتى مع رفض النساء له إلّا إن للقضية أبعاداً نفسية واجتماعية (الطابية)، عبر هذا التحقيق حاولت الوقوف على تلك الأبعاد مع معرفة الجوانب الشرعية للقضية.
أجرته: منال صديق
موقف آخر:
موضوع “الزوجة الثانية والتعدد” تتراوح مواقف الناس في مجتمعنا منه بين القبول والرفض، ليس رفضاً لشرع الله، ولكن للكل أسبابه التي يعتقد أنها منطقية..
الشابة (بثينة) موظفة، ترفض تماما فكرة الزواج برجل سبق له الزواج، بفهم بأنها تريد زوجها ملك لها لا يشاركها فيها أحد لأنها لا تحب حياة الشراكة..كما تقول وقد سبق أن تقدم لها الكثير من الرجال المتزوجون ولكنها رفضت مبررة لذلك “إنني لست أنانية ولا أرفض شرع الله، ولكنني أريد زوجي لي وحدي لأنني لا اتحمَّل الغيرة، وتقول بثينة إن أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها سبقتنا في ذلك، وغيرتها على النبي صلى الله عليه وسلم روى عنها الكثير فأين نحن منها وأين رجال اليوم من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
رب أسرة: شرع الله لنا وسأعدد قبلت زوجتي أم رفضت
مكايدات وخلافات:
أما الأستاذة هالة يوسف (متزوجة)، هي الأخرى ترفض فكرة التعدد قائلة: “لا أقبل بأن يتزوج زوجي بثانية” رغما عن أيمانها بأن الزواج بأكثر من زوجة سنة، ولكن رفضها له نتيجة للكثير من المشاكل التي تترتب علي الزواج بزوجة ثانية، كما تقول.. وتضيف هالة ما نراه من مكايدات بين الزوجات وعدم عدل من قبل الرجال، والخلافات بين الأبناء سبب يجعلني أرفض، فجهل معظم الرجل ممن تزوجوا بأكثر من واحدة خلق مشاكل وسط الأسرة الواحدة، مما انعكس على المجتمع بالقطيعة.
غرض ديني:
لكن يأتي رأي آخر من سيدة مؤيدة لفكرة التعدد، ولكن تأييدها وموافقتها مشروطة، (انتصار عثمان) ربة منزل تقول إنها توافق أن يتزوّج عليها، إذا لم تكن نيته الانتقام بسبب ما بينهم من مشاكل، ولا كنوع من المكايدة، ففي هذه الحالة لن تقبل به، ولكن إذا كان بدافع ديني، والغرض منه إعفاف لإمرأة أخرى، أو أرملة ولها يتامى فستقبل، أما إذا أراد الزواج بهدف (طيران العين)، كما تقول انتصار، والزواج بفتاة صغيرة في عمر بناته فلن تقبل بذلك، وهي ترى أن هذا شأن معظم الزيجات التي تتم اليوم، وتقول انتصار إن الرجال أصبحوا يختارون من هن أكثر جمالا، وأصغر سناً، ووضعهن المادي أفضل، وأصبح الزواج الثاني اليوم كأنه صفقة تجارية.
تجربة واقعية:
ولـ (أيمان)، من الحاج يوسف، تجربة ثانية، فهي زوجة ثانية تزوجت برجل متزوج، وهي مطلقة قد انفصلت عن زوجها الأول،
باحث اجتماعي: هو حل للعنوسة لكنه أحياناً يتسبب في مشاكل اجتماعية معقدة
تقول:”إن الزواج من رجل متزوج له سلبيات كما له إيجابيات، فالسلبي غياب الزوج وعدم أمكانية الوصول له عندما تكوني في أشد الحاجة إليه، بحكم أن له أمرأة ثانية، ويمكن أن لا تصلي إليه حتى بالتلفون، ولكن الإيجابي أنه يكون ـشد حرصا على استمرار الحياة الزوجية، بحكم أنه صاحب تجربة، فهو تزوج لديه حاجة ناقصة، وأنا كذلك، فنكون مكملين لبعض وحريصين على بعض، فزوجي رجل متفهم والحمد لله، ولا توجد مشكلات فقط، مكايدات زوجته الأولى، ولا أهتم لها رغم مكايداتها واستعانتها بالدجل والشعوذة، ولا اهتم لها فلن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
ظروفي لاتسمح
ولكن آراء معظم من استطلعنا من الرجال مؤيدة تماما لفكرة التعدد، (ع م م) رجل موظف وأب لثلاثة من الأطفال يقول: “الله تعالى أحل لنا الزواج بمثنى وثلاث ورباع، وهو أعلم بحوجتنا، وبما سيواجه حياتنا” ويضيف (ع م): أنني في أشد الحاجة للزواج بامرأة ثانية لأسباب خاصة، ولكن ظروفي المادية لاتسمح، وأقسم (ع م) بالله أنه متى ماتوفرت له الأسباب فسيتزوج بأكثر من امرأة قبلت زوجته أم رفضت.
من جانبه يرى (أبو محمد)، متزوج من ثلاثة نساء، أن تعدد الزوجات في حال الاقتدار من شأنه جلب الرزق وخلق أسرة ممتدة، ولكن يشترط عدل الرجل بين زوجاته، حتى تختفي كل المشاكل، وقال إن نساءه يسكنَّ في مبنى واحد، ورغما عن بعض المشاكل بسبب الغيرة، لكنه يحاول أن يكون حكيما حتى لا يفرق بين واحدة وأخرى، فهم كما يقول أسرة واحدة.
استقرار وتراحم:
من جانبها تحدثت الدكتورة مي النجومي المرشد النفسي واختصاصي العلاج النفسي بمركز الإكليل لتأهيل الأطفال المعاقين بأم درمان عن الأبعاد النفسية للتعدد، وابتدرت حديثها بالأسباب التي تدفع بالرجل إليه، تقول النجومي: “الأصل في الزواح المودة والرحمة والاستقرار، واختلال هذه القاعدة يقود للزوجة ثانية, وقد تكون ضرورة في بعض الأحيان لسبب من
مرشدة نفسية: قد تصاحبه انعكاسات سلبية على الأبناء تصل للاضطرابات النفسية والسلوكية
الأسباب بفهم ديني اتباعا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيضا البحث عن الذرية، ويمكن أن يكون بهدف زيادة الأمة المحمدية امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (تكاثروا تناسلو أني مباهي بكم الأمم يوم القيامة)”. وتضيف النجومي: “كثير من الناس يرى أن زيادة الذرية يتحقق من زوجة واحدة، لكن في الوقت الراهن ونسبة لعوامل كثيرة نادراً جدا أن تلد المراة عشرة، نتيجة لتأخر سن الزواج لمتطلبات الدراسة, كذلك ضعف مقدرة الأم على كثرة الإنجاب، نتجة لبعض الأمراض, كما أن هنالك سبب آخر من أجله أبيح الزواج بأكثر من زوجة، هو التعارف، جاء في قوله تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) فالتعدد يوسع دائرة التعارف والتصاهر مما يخلق مصالح اقتصادية واجتماعية.
انعكاسات سلبية
وتضيف النجومي، متحدثة عن الأبعاد النفسية للقضية، تقول:”هنالك سلبيات كثيرة قد تترتب على التعدد أو وجود الزوجة الثانية، منها اعتقاد الزوج بأنه استقر وبتغيير الزوجة يعتبر نفسه قد وجد ضالته، ولكن كثيرا ما تزيد الخلافات والمشاكل مما يؤدي لعدم الاستقرار، وينعكس سلبا على الزوج وعلى الأطفال، لأنه يمكن أن تغرس والدتهم فيهم، إذا كانت غير واعية، روح الكراهية تجاه الأب، مما ينعكس علي نفسياتهم وسلوكهم، وقد وقد يسبب لهم أضطرابات نفسية أو سلوكية، كما أن إهمال الزوج لأطفاله من الزوجة الأولى يجعل الأطفال في حالة حرمان، سواءً كان حرمان عاطفي أو مادي، فأحساس الطفل بالحرمان من وجود أبيه يترك أثراً سلبياً على الأم وعلى أطفالها, وبعد فترة يمكن أن ينعكس ذلك على الزوجة الثانية نفسها، بسبب أن يكون الزواج قد تم عن طريق نزوة، أو لسبب من الأسباب السالبة التي تزوج من أجلها، فيحس الزوج بالحنين للزوجة الأولى وللأسرة الأولى، ويهمل الزوجة الثانية، وفي هذه الحالة يمكن أن تدخل في وضع نفسي سيئ، حين يحدث لها مثلما حدث للزوجة الأولى من الأهمال، أضف عليه الحسرة والندم على أنها تزوجت من رجل متزوج.
وترى المرشد النفسي أن تخفيف الأبعاد النفسية للتعدد يتحقق باتقاء الله والمقدرة المادية والمعنوية والعدل، لأنه إذا كان ملتزما بذلك فلن يتعدى على حدوده أو يظلم زوجة من الزوجات، ولا الأطفال، بل سيمر الزواج الثاني بسلام، ويكون حقق الغاية التى من أجلها شرعه الله.
مشاكل معقدة
من جانبها ترى الباحثة الاجتماعية الأستاذة سهام أحمد بوزارة الرعاية الاجتماعية قسم الظواهر السالبة أّن التعدد رغما عن أنه حل لمشكلة العنوسة، إلّا أنه نفسه قد يصبح سبباً لمشاكل اجتماعية معقدة، ويساهم في تشتيت الأسر، مضيفة أن التعدد سلاح ذو حدين, وترى أن مشاكل العنوسة والطلاق تتطلّب رفع درجة الوعي، وعلى الدولة تسهيل الزواج وإنهاء مشكلة البطالة والحد من غلاء المعيشة, لكن يصبح التعدد بصورة عامة حلا من حلول المشكلة، بشرط القدرة على تربية أبنائه وتلبية احتياجاتهم واحتياجات زوجاته، خاصة في أننا في ظل وضع اجتماعي في السودان، بشكل خاص، يفرض على الجميع قبول مبدأ التعددية في الزواج نظراً لارتفاع نسبة الإناث مقارنة بالرجال.
إيجابا وسلبا:
وتضيف الباحثة الاجتماعية سهام: أن الزواج بثانية أو بأكثر يمكن أن يكون أيجابياً، ويمكن أن يكون سلبي فالايجابي عندما تكون الزوجة الأولى لا تنجب، ففي هذه الحالة يمكن أن يحل الزواج الثاني، مشكلة الزوجة ويعطيها إحساساً بالأمومة، وتعيش بنفسية جميلة, أما الجانب السلبي، فيتمثل في عدم مقدرة الزوج مادياً، كما أن عدم التوافق بين الزوجين ينعكس سلبا على الزوجة الثانية، وبالتالي ينعكس على الأبناء فيؤثر في نفسياتهم، ويخلق توتراً وقلقاً بين الأخوة من الجانبين, وحتى يتدارك الأب كل ذلك عليه أن يعدل بين الزوجات ولايفرق بينهن، ولا يقارن بين أبناء أحدى الزوجات والآخرى!!.. وفي نهاية الأمر نجاح الزيجة الثانية او الثالثة او حتى الرابعة يتوقف على الرجل.
مشكلات واقعية
كمال رزق: اشترط الإسلام العدل فقط ولم يجعل له سببا غير ما طاب
وعن الجوانب الشرعية للقضية التقت (الطابية) بفضيلة الشيخ كمال رزق أمام وخطيب الجامع الكبير بالخرطوم الذي تحدث قائلا: “التعدد في الإسلام حقيقة أوجدها كحلول لمشكلة لأنه دين عالمي وخاتم لإنسها وجنها، لذلك لابد ان يكون له علاج للمشكلات الواقعية والمستقبلية, ومن ضمن تلك المشاكل التي ظهرت في المجتمعات المسلمة، ظاهرة “التعنُّس” التي كان السبب الأول فيها كثرة عدد النساء، وهو ما أشار اليه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان تكثر النساء ويقل عدد الرجال , لذلك التعدد علاج لمشكلة .. وعن الضوابط الشرعية قال: “لاتوجد ضوابط شرعية مكتوبة، فقد جاء قوله (انكحوا ما طاب لكم من النساء) فما طاب هنا هو الدافع للزواج، والمستفيد من هذه المسالة هي المراة، وليس الرجل، لأنه بالنسبة للرجل مسؤوليات، فعندما يتزوج الرجل بأكثر من واحدة، يصبح مسؤولاً عن طعامها وكسائها وإطعام وتعليم أبنائها وعلاجهم وتربيتهم، والسكنى، وكل شئ مسؤول عنه.. فاذا كان مسؤولاً عن بيت واحد بالتعدد يصبح مسئولاً من أربعة بيوت.
حل لمشكلة العصر:
ويضيف إمام وخطيب الجامع الكبير في حديثه عن الجوانب الشرعية للتعدد، حيث يقول: “لم يرد في الإسلام شروط للزواج بأخرى، إذا كانت المراة تلد أم لاتلد!!,, ولم يذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما الأمر الإلهي الذي ظهر في القرآن الكريم: (فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) لأن المشكلة الأعداد الكبيرة من النساء .. فال‘سلام دين شامل وكامل وصالح لكل زمان ومكان، ولابد أن تكون عنده حلول للمشكلات البشرية، والإسلام يريد أن يحل مشكلة وقتها، فيتجاوز العواطف ويعبرها ليصل لحل مشلكة موجودة وهي العنوسة، والأخيرة إن وجدت المرأة ولم تكن محصنة بالدين فهي مقبلة على خطر عظيم، والإسلام، بهذه الشريعة، يوفر محضناً للمراة.
العدل المقصود :
ويواصل رزق ما يشترطه الإسلام في الزواج بالثانية أو أكثر، من العدل، فعن النبي صلى الله عليه وسلم:(من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) فالعدل في المبيت ولكنه ليس مطلوب منه ان يجامع زوجته، لأن الجماع نفسه كسب بقدر قيام المراة بواجبها وتحببها لزوجها، ولا يحاسب الرجل إذا جامع هذه ولم يجامع تلك وإنما المسالة في المبيت فقط, أما الإنفاق فتكون كل واحدة حسب مسؤوليتها، فنفقة من لها سبعة من الأبناء ليست كمن لها اثنين وهكذا.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس