استطلاع: بعد مرور ثلاثة سنوات .. هل حققت ثورة ديسمبر التغيير المنشود؟
أجرته: منال صديق
صحفي: فشلت بصورة تهدد بقاء السودان كدولة
أستاذ جامعي: تمر بنفس مخاض الثورات العربية وستكون النهايات محزنة
محلل سياسي: فشلت في تحقيق أهدافها ولكن!
احتفلت البلاد يوم أمس 19 من ديسمبر بذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955، والذي يصادف العيد الثالث لثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام الأنقاذ بعد أقل من أربعة أشهر من اندلاعها في نهاية عام 2018، كأطول نظام حكم البلاد ثلاثين عاما شهدت فيها البلاد تدهورا غير مسبوق في الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي, وقد نجحت الثورة بعزل الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل 2019، لكنها لم تصل إلى مبتغاها، وواجهتها تحديات حالت دون الوصول إلى خاتمة للثورة بإقامة حكم مدني كامل, بل عادت الثورة مجدداً إلى المربع الأول بإعلان قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي قرارات أعتبرها البعض خطوات تصحيحية وراي البعض الآخر بأنها انقلاب، حيث خرج الالاف من السودانين في مسيرات تطالب بتحقيق الديمقراطية والحكم المدني والتنديد باستئثار الجيش بالسلطة..
عبر المساحة القادمة حاولت (الطابية) أن تستقرأ الواقع السوداني الآن وبعد مرور ثلاثة سنوات على ثورة ديسمبر.. حيث التقت بعدد من المراقبين للشأن السوداني من الباحثين الأكاديمين والمحللين السياسين والصحفيين لمعرفة إلى أي مدى استطاعت الثورة تحقيق التغيير المنشود وماهي جوانب الإخفاق والنجاح الذي صاحبها في الفترة الماضية.
أجرته:منال صديق
في البداية التقت (الطابية) بالأستاذ بكري المدني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حيث ابتدر حديثه قائلا: ” بعد مرور ثلاثة أعوام علي التغير الذي حدث بالسودان تعقد المشهد بالبلاد بصورة أكثر مما كان عليه قبل الإطاحة بنظام البشير، وتراجعت الحياة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية وحتى الاجتماعية, وبالتالي فإن مشروع التغيير فاشل حتى مقارنة بما كان عليه وضع البلاد سابقا, ناهيك عن أحلام تحقيق تقدم في أي مجال من مجالات الحياة بل إن الفشل الذي يصاحب التغير يهدد اليوم بقاء السودان نفسه كدولة.. والمسالة لم تعد قاصرة على ماحدث في التعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء ومعاش الناس الذي تردى جدا, بل طالت ممسكات الدولة السودانية من خلال الثغرة الأمنية الكبيرة التي باتت تهدد البلد كلها بالزوال.
مكتملة الأركان
أما الأستاذ الجميل الفاضل الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فله راى آخر مخالف لراي سابقه حيث يقول: “إن ثورة ديسمبر هي بطبيعة الحال ثورة مكتملة الأركان، إذ توافرت فيها عناصر أساسية يمكن أن تؤدي إلى إحداث تغيير جذري
في الحياة السياسية السودانية خلافاً لما حدث في ثورتي 1964 و1985, لأن لهذه الثورة ميزات أنها ثورة محروسة من قبل شارع قوي وواعٍ، فقد ظل يتتبع ويراقب مسارها وانحرافاتها طيلة الثلاث سنوات بذات الحيوية والسلمية، صحيح أنه في أحيان كثيرة أصاب الشارع حال من الوجوم والإحباط، لكن تظل جذوة الثورة متقدة وحاضرة وسرعان ما تهب رياح تكشف الحقائق”.
وتابع الفاضل، “بشكل عام، فإن الثورات في العموم لها مسارات لولوبية ولا تسير في خط مستقيم، لأن الحراك الجماهيري معقد بطبيعة التكوين البشري، كما أن اختلاف الرؤى والمشاعر يحدث تقاطعات عدة تؤدي إلى درجة من التراجع، لكن عندما تمس الثورات المضادة جوهر القضية سرعان ما يتجمع الطيف الثوري ليؤكد أن الثورة حاضرة، وهذا ما حدث عندما أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قرارات 25 أكتوبر، إذ خرج الشارع في لحظتها دفاعاً عن ثورته ومكتسباتها”
وأضاف الأستاذ الفاضل قائلا “أجد أن الثورة السودانية تعد واحدة من الثورات الكبرى التي شهدها العالم على مر العصور كالثورة الفرنسية والبلشفية والأميركية، إذ تحمل في جوفها جذوراً عميقة وتدل مؤشراتها على أنها تجربة فريدة ذات أبعاد وقيم راسخة، بالتالي فإنني على يقين تام بأنها ستصل إلى هدفها مهما طال الزمن أم قصر، فمعظم الثورات مرت بحال من
صحفي: ستصل إلى هدفها مهما طال الزمن أم قصر
الانكسار والتراجع والثورة المضادة وسقوط القتلى في الشوارع بسبب انفجار حمامات الدم، لكن في نهاية المطاف استطاعت تلك الثورات أن ترسخ لشعارات الحرية والعدالة وسيادة القانون، وهو ذات الطريق الذي تسلكه ثورة ديسمبر، وبلا شك ستتحقق هذه الغايات وتصبح تلك الشعارات العميقة واقع معاش”.
ورأى الفاضل أن “الثورة السودانية قادرة على أن تضع فاصلاً بين مرحلة وأخرى”، لافتاً إلى أنه غير متعجل لأن تصل الثورة لنهايتها، “فالثورة الفرنسية ظلت متقدة عشر سنوات حتى وصلت لهدفها، لكن من المؤكد أن ثورة ديسمبر ستضع حداً للدائرة الشريرة التي تحاول المقاومة بأشكال مختلفة، وذلك لما يتمتع به القائمون عليها من الشباب من إبداع وعقلية هائلة باستخدام نماذج مختلفة من الأفكار والوسائل المستحدثة والمبتكرة”.
فشل واضح:
أما الأستاذ محمد عثمان الرضي الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فيقول”باالرغم من مرور الذكرى الثالثه لثورة ديسمبر كان يتوقع الشعب السوداني انفراجاً كبيراً في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية ولكن للأسف الشديد لم يحدث أي تغيير يذكر، وذلك بسبب عدم وضوح الرؤيه للحكومه في حلحلة القضايا المعيشية.
وعموما يمكن القول بأن الحكومة فشلت رغما عن توافر فرص عديده لها متمثله في تعاون المجتمع الدولي، إلى جانب وقوف العديد من الدول العربيه مع السودان، وذلك بتقديم العون المالي، ولكن لم تستطيع الحكومه توظيف هذه الالتزامات الماليه فضلا عن ذلك الفشل الواضح في تنفيذ إتفاقية جوبا الموقعه مابين الحكومه الانتقاليه والجبهة الثورية، وحتى الآن مستوى التنفيذ بطئ جدا، مما خلق حالة من عدم الثقه بين الطرفين.
وأرجع الرضى فشل الثورة لعجز السياسين وعدم مقدرتهم على إدارة الأزمات المتلاحقه إلى جانب صراعاتهم الداخلية.
كاتب صحفي: تعقد المشهد بصورة أكبر مما كان عليه وتدهورت كل جوانب الحياة
مخاض عسير:
من جانبه يري د.محمد خليفة صديق أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية أن ثورة ديسمبر تمر بمخاض مثلها والثورات العربية جيث قال “نجد أن معظم الثورات العربية مرت بنفس المخاض الذي تمر به حالياً الثورة السودانية، ودائماً ما تبدأ الثورات بآمال كبيرة لكن في الغالب تنتهي إلى نهايات محزنة، فالآن ثورة ديسمبر السودانية تشبه نهايات الثورات التي حدثت في عدد من الدول العربية كاليمن وسوريا وليبيا، لكن الشيء الذي يفرق بين السودان وتلك الدول هو أن السودانيين بطبعهم أناس متسامحون وغير ميالين للعنف بحكم امتدادهم الاجتماعي، واستبعد خليفة وصول البلاد لمثل ما وصلت إليه الحالة الليبية أو اليمنية أو السورية والتي انتهت جميعها إلى حرب أهلية، وإن كانت مؤشرات هذه الحرب ماثلة، لكن عقلاء وحكماء السودان على قدر وفهم لخطورة المرحلة الحالية”.
وعبر صديق عن اعتقاده أن “استمرار الاحتقان والتجاذب بين المكونين المدني والعسكري، وبخاصة الأطراف المدنية المناهضة للاتفاق الذي وُقع في 21 نوفمبر الماضي، بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، فضلاً عن استمرار التظاهرات والمسيرات بشكل متواصل وما تحمله من شعارات تعجيزية، سيؤدي في النهاية إلى ما يمكن أن نسميه نهايات صفرية وسيكون الخاسر الوطن وكل أهل السودان، فقد يُهدم المعبد فوق رؤوس الجميع إما باندلاع حرب أهلية أو انفلات أمني كامل في البلاد، لذلك يمكن التأسيس على ما تم من قبل لإخراج البلاد من الأزمة الحالية”.
الإطاحة والتغيير:
من جانبه أبتدر الدكتور وائل علي الكاتب الصحفي والمحلل السياسي حديثه للطابية قائلا” فشلت الثورة في تحقيق كل أهدافها.. ولكن النجاح فقط كان في “الأطاحة بنظام البشير والأتيان بنظام جديد”, لكن كل الأحلام التى وضعها الثوار على
باحث إكاديمي: استمرار التظاهرات والشعارات التعجيزية سيؤدي الى نتائج صفرية وخسارة الوطن
التغيير لم يتحقق منها شيء!!.. ابتداء بعدم استطاعة توفير الحريات الحقيقة.. فخرجنا من “كتم الحريات” في النظام السابق وصرنا إلى كتم للحريات من قبل “الديكتاورية المدنية لأحزاب الحرية والتغيير” يم إلى كتم الحريات بـ “القرارات الاستثنائية التي قام بها قائد القوات المسلحة الفريق البرهان, هذا وجه من أوجه الفشل..
من ناحية ثانية حتى الآن توجد جهات حاملة السلاح ورافضة الدخول في اي أتفاقية سلام..
ثالث أمر لم نستطيع تحقيق العدالة في كل القضايا التى من أجلها قامت الثورة.. بل حتى الضحايا الذين ماتوا خلال الثورة، أو قبلها، عجزنا أن ناتي بالعدالة والقصاص لهم!!.. وهذا فشل كبير!!..
ويزيد وائل في حديثه للطابية قائلا: “التغيير المنشود يفترض أن يتجاوزه الناس، لأنه ثبت أن فكرة التغيير الثوري بالمعني الذي نقراه في الكتب صعب أن يحدث في السودان، لأسباب كثيرة منها؛ هشاشة الدولة السودانية, فضلاً عن أن العوامل الاجتماعية غير مساعدة على حدوث التغيير الراديكالي, فالتغيير في السودان في الغالب حصل، ولكنه تغيير تدريجي، والتغيير التدريجي لابد له أن يمر بالانتخابات وبرضا كل الشعب السوداني..