رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، أكتوبر 1964، ربيع حسن أحمد، يُقلب مع (الطابية) أوراق الانتفاضة ضد عبود
حاوره: الطيب ابراهيم
(٥٧) عاما كاملة من الزمان مرت على أول ثورة شعبية في السودان، وهى الأولى من نوعها في المنطقة العربية، يصفها الكاتب الصحفي المعاصر لها، أحمد محمد شاموق ،بأنها ربيع عربي سبق به السودانيين جميع العرب. وبالرغم من ان الثورة كانت بيضاء الا من شهيد واحد ،غير أنها حققت مبتغاها في انهاء أول انقلاب عسكري جنوب الصحراء، او أول عملية تسليم وتسلم بين مدنيين وعسكر في التأريخ ،كما يقول ذلك رافضو تسمية حركة عبود بالانقلاب.
جامعة الخرطوم ،كانت الحاضنة الأولى لبذرة الثورة ،منها خرجت المظاهرة الأولى بعد ندوة شهيرة للترابي، وفيها قتل شهيد الثورة الوحيد.
في هذه المساحة نستعرض أحداث ماقبل (٥٧) عاماً للوراء مع رجل عاصر أكتوبر ورأس جهاز نقابي كان له الدور الحاسم في اشعال الثورة. واجهنا رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ،أكتوبر 1964 ،ربيع حسن أحمد بمجموعة اتهامات لا تزال تقال هنا وهناك عن ثورة أكتوبر، ومن بين هذه الاتهامات أنها ثورة غير موصولة بالجماهير ، كانت محصورة فقط على الطلبة والمثقفين وقيادات وقواعد الاحزاب، وهناك من يتحدث عن كونها ثورة جاءت بالصدفة ،هذا وغيره في هذا الحوار مع شاهد العصر، ربيع حسن أحمد.
• السلام عليكم ،دكتور ربيع
ــ عليكم السلام ورحمة الله
• لنبدأ معك منذ البداية ،أين كان ربيع حسن أحمد ،يوم 21 أكتوبر 64؟
ــ كنت في الندوة التي أقيمت في داخلية البركس ،وكانت هذه في حدود الثامنة والنصف مساء 21 اكتوبر ،ونعتبر هذه الندوة بداية الثورة.
• لماذا؟
أكتوبر ثورة طلابية خالصة والأحزاب تفاجأت بها
ــ لأن ماحدث بعد الندوة أشعل الثورة وفجر الغضب في الشارع وهو ماعجل برحيل عبود
• كنت حاضراً في الندوة؟
ــ نعم
• هذه الندوة هى نفسها ندوة الترابي الشهيرة ؟
ــ لا لا ،هذه ندوة أقامها الاتحاد، وتحدث فيها ممثلين لقوائم الطلاب
• ومتى كانت ندوة المرحوم الترابي ؟
ــ ندوة الراحل الترابي كانت في أواخر سبتمبر
• دكتور ربيع، مالرابط بين ندوة الترابي وثورة أكتوبر؟
ــ هذا سؤال جيد، وهذه قصة ندوة الترابي ،في أواخر سبتمبر من عام 64 ،اشتدت الحرب في الجنوب وأخذت أبعاد أخرى ،وعلى اثر ذلك طرحت الحكومة موضوع الجنوب للنقاش العام ،احدى الجمعيات الطلابية في جامعة الخرطوم ترجمت الدعوة الحكومية باقامة ندوة تحدث فيها عثما خالد مضوي ودكتور حسن الترابي ،كل المتحدثين بمافيهم عثمان خالد مضوي طرح رؤى حول حل مشكلة الجنوب ،الدكتور الترابي ،الذي لم يكن معروفاً على نطاق واسع آنذاك ،فاجأ الحاضرين وتحدث حديثاً سياسياً ،وقال ان قضية الجنوب والشمال ،قضية واحدة ،وكلاهما لا حل لهما الا بذهاب العسكر واقامة نظام ديمقراطي تعددي ،صفق له الحاضرون طويلاً ،كان من بين الحضور بشير محمد سعيد،كتب هذا الكلام ونشره في جريدة الأيام ،حديث الترابي الذي نشر في الأيام أحدث بلبلة في البلد ودفع الناس للتفكير جدياً في تغيير الحكومة ، حتى ان الترابي نفسه اضطر لتصحيح بعض مانشر عنه ،مرة أخرى ،بشير محمد سعيد نشر تصحيح الترابي ،وكانت تلك أول مرة يظهر فيها الترابي للعلن.
• ومالذي حدث بعد ذلك؟
ــ تبنت الحركة الاسلامية بعد ذلك دعوة الترابي لاسقاط النظام ،واشتغلوا على هذا الأمر ،وأقاموا ندوة في جامعة القاهرة الفرع ، تحدث فيها محمد صالح عمر وعلي عبدالله يعقوب وطالبوا برحيل العسكر،على اثر ذلك تدخلت الحكومة ومنعت الندوات،أقام اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ندوة بعد قرار منع الندوات فوراً، فتدخل الأمن وأوقف الندوة دون عنف.وبناءً على منع ندوته ،قامت لجنة الاتحاد برئاسة حافظ الشيخ الزاكي بتقديم مذكرة لوزارة الداخلية فتم اعتقالهم وايداعهم سجن كوبر،تشكلت لجنة تنفيذية جديدة للاتحاد برئاستي ،وكانت ندوة البركس التي ذكرتها في مقدمة الحوار هى أول نشاط للجنة الاتحاد الجديدة.
• نرجع إذن لندوة البركس،قلت ان ماحدث بعد الندوة فجر الثورة؟
ــ الندوة بدأت الثامنة والنصف مساء 21 اكتوبر ،كما قلت لك ،بعد بدايتها بمدة بسيطة هجمت قوات من الشرطة على الندوة وألقت القنابل المسيلة للدموع، حدث هرج ومرج بعد ذلك ،تفرقنا الى مجموعات وبدأت كل مجموعة تتظاهر لوحدها ،حاولنا لملمة أطراف سريع ووجهنا الطلاب للذهاب للبركس باعتبارها منطقة معزولة مما يصعب فرصة القبض عليهم ،ومن هناك خرجنا جميعاً الى شارع الجامعة،وقبل ان ندخل شارع الجامعة جيداً ونحن مازلنا أولنا في بداية الشارع ،سمعنا اطلاق نار ،وجاءت المعلومات بعد ذلك أن إطلاق النار كان داخل البركس، واستشهد الشهيد القرشي.
• ماهو شعورك في تلك اللحظة ؟
ــ كان استشهاد القرشي دافعاً أكبر للمواصلة، بالنسبة لي ولبقية الطلاب، وكان سبباً مهماً في التعجيل برحيل عبود وسأقول لك كيف، بعد قليل.
هذا هو سبب ارتباط ندوة المرحوم الترابي بالثورة!
• الآن تأكدتم من استشهاد القرشي؟
ــ توجهنا الى المستشفى، وهناك تأكدنا انه استشهد ،وأصيب عدة طلاب باصابات متفاوتة ،منهم بابكر عبدالحفيظ الذي استشهد متأثراً بجراحه أواخر نوفمبر من ذالك العام ،وقتل أحد العمال يدعى منوال من الجنوب،وظللنا فيها حتى بدأ موكب التشييع. وبمجرد ماانطلق موكب التشييع من المشرحة بدأ عامة الناس ،من ليسو طلاباً بالانضمام الى الموكب .
• تريد ان تقول قبل استشهاد القرشي، كانت المظاهرات محصورة فقط في الطلاب؟
ــ تستطيع قول ذلك، لكنني بعدما رأيت الناس الذين بدأوا في الانضمام ،وكان أكثرهم عند كبري الحرية ،حيث امتلأ الكبري حتى ضاق بالناس ،توجهنا بعد ذلك لميدان عبدالمنعم ،وكان عبارة عن مكان شاسع وفارغ ،فحدثت ماتيقنت منه ان الثورة ليست معزولة ،اذ امتلأ ميدان عبدالمنعم عن آخره،بعد ذلك بأيام أعلن عبود تنحيه عن السلطة
• هناك اتهام يصاحب ثورة اكتوبر ،بأنها ثورة غير مخطط لها ،وانما حدثت محض صدفة؟
ــ هذا كلام غير سليم طبعاً ،قبل اكتوبر كانت ندوة الترابي وكانت ندوات أخرى تصب في ذات الاتجاه ،كان هناك غليان في الشارع وفي أوساط الطلاب ،ولم تكن محض صدفة على الاطلاق.
• أحد أهم أسباب قيام الثورات ،وهو الوضع الاقتصادي المتدهور ،لم يكن موجوداً
( مقاطعاً) ،من قال لك ذلك،في سنة 63 ،المعلومات التي تداولت وقتها ان الوضع الاقتصادي سئ للغاية وحصيلة السودان من العملات الأجنبية صفر، ونتيجة لذلك،الحكومة أجرت تعديل وزاري عينت بموجبه مأمون بحيري وزيراً للمالية ،ومامون نفسه وقف وقال ان الوضع الاقتصادي يعيش أسوأ حالاته ،والحالة على درجة كبيرة من السؤء،ضف لذلك فحكومة عبود نفسها لم تكن لديها انجازات تذكر.
• الملاحظ في أكتوبر أنها ثورة انحصرت فقط في الطبقة المستنيرة في البلد؟
ــ بالعكس ،انا شاهدت قطار كامل جاء من كسلا ممتلئ بالثوار الذين يرغبون في المشاركة في المظاهرات،وانتفضت مدن عديدة وأصيب أشخاص عديدون في مظاهرات الولايات ،مثال لذلك وليس للحصر ،قامت مظاهرات في مدني ، نيالا،بورتسودان،وغيرها.
• الذي يدلل على كلامي، خروج مظاهرات في بحري مؤيدة لعبود، بعد فترة من سقوط حكمه،بهتافهم الشهير ( ضيعناك وضعنا وراك ياعبود)؟.
( ضحك) ،حدث هذا بعد عام من سقوط عبود،الناس خرجوا لعبود وهتفوا بهتافهم هذا، وهذا ليس بسبب رفضهم للثورة بقدرما إحباط أصابهم من تشاكس الحكومات التي تعاقبت في سنة واحدة بعد سقوط عبود.
• سؤالي الآخير لك يادكتور،هناك أكثر من جهة تدعي فضلها في ثورة أكتوبر ، سواء كان الاسلاميين أو الشيوعيين، لا نريد الاجابة على هذا السؤال ،بقدرما نريد سرد الوقائع الأولى لفكرة الثورة،من كان يقف على رأسها؟
ــ أكتوبر ،ثورة طلاب في المقام الأول،حتى الأحزاب تفاجأت بها ،الفكرة بدأت في اتصالنا كااتحاد بالنقابات، اتصلنا بنقابة المحامين ونقابة أساتذة الجامعات ،وكونا أول تكوين ،الذي يمثل نواة ثورة أكتوبر ،وهى جبهة الهئيات وكان مقرر هذه الجبهة هو دكتور حسن الترابي ،ثم بعد ذلك وسعنا هذه الهئية لادخال الأحزاب ،والشيوعيون كانوا رافضين دخول الأحزاب،لكن في النهاية أقتنعوا وشكلنا الجبهة القومية المتحدة.بالنسبة للأحزاب الطائفية لم يكن لها دور واضح في الثورة ،لكنها كانت على رأس أول حكومة منتخبة بعد الثورة وذلك بحكم الأغلبية.