تقرير: منال صديق
وقعت مجموعة من القوى السياسية السودانية، السبت الموافق الثاني من أكتوبر، وقعت على ميثاق التوافق الوطني لوحدة قوة الحرية والتغير، وقد كان على راسها حركتي العدل والمساوة برئاسة خليل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وعدد كبير من القوى السياسية الأخرى المنضوية تحت تحالف قوى الحرية والتغيير، منها حركة تمازج، ,مسار الوسط برئاسة التوم هجو، والاتحادي الأصل برئاسة الميرغني، وحزب الأمة جناح مبارك الفاضل، والتجاني السيسي، وابوقردة، والناظر ترك، وأبوالقاسم برطم، وإشراقة سيد محمود، وحزب البعث جناح يحي الحسين وعدد من الادارات الاهلية والكيانات الدينية.
وقد دعا الميثاق إلى عودة الأحزاب السياسية والحركات المسلحة إلى منصة التاسيس في الثورة، وزكر الميثاق على أنه مفتوح لكل القوى السياسية ما عدا المؤتمر الوطني، على أن يتم التوقيع خلال أسبوعين، وأمن علي ضرورة التمسك بالشراكة الحقيقية لمكونات الفترة الانتقالية لتحقيق الانتقال المدني والديمقراطي للوصول للانتخابات حرة ونزيه نهاية الفترة الانتقالية.
قراءة للمشهد:
يعتبر البعض أن تحالف قوى الحرية والتغير يعد من أقوى التحالفات في تاريخ السودان، لأنه قد بني على خمسة كتل ولم ينبنى على أحزاب أو قوى سياسية، والكتل هي قوى نداء السودان وقوى الإجماع الوطنى القوى المدنية وتجمع المهنين والاتحادي الأصل، وتكون بغرضين أولا إسقاط نظام البشير والثاني بناء دولة مدنية ديمقراطية، ولكن تكوين التحالف صاحبه اختلاف حول التصورات لكيفية صياغه الأوضاع بعد سقوط البشير، بل وحتى في كيفية إسقاطه من قبل جزء من تجمع المهنين والحزب الشيوعي.. وبعد سقوط نظام البشير اتضحت الخلافات بين مكوناته بصورة كبيرة بسبب كيفية التعامل مع اللجنة الأمنية والمجلس العسكري، كما إن حزب الأمة كانت لديه تحفظات وقتها، وكذاك الجبهة الثورية التي خرجت وعادت من جديد، والحزب الشيوعي خرج كذلك واختار ان يكون معارضا، كما إن تجمع المهنين نفسه انقسم والجبهة الثورية أيضا حصل فيها انقسام وكان سبباً في أن يصبح جزء من الجبهة الثورية في إعلان الميثاق الجديد.
قبل أسابيع إعادت قوة الحرية والتغير، التي يمثلها المجلس المركزي، أعادت هيكلتها وفق أسس جديدة تقوم على تمثيل الأحزاب وليس الكتل وتم بحضور رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك.
ثم جاء بعد ذلك الاعلان الجديد يحمل نفس الاسم وفي ذات المكان بقاعه الصداقة، لكنه تم بدون مشاركة رئيس الوزراء، الذي لم توجه إليه الدعوة، كما لم يحضره رئيس المجلس السيادي، وتم فيه الإعلان عن ميثاق التوافق الوطني لوحدة قوى الحرية والتغير، الذي اختلفت حوله الآراء، مابين مؤيد ومعارض للإعلان.. فالإعلان قابلته الكيانات المدنية المشاركة حاليا في السلطة وحتى غير المشاركة واعتبرته بمثابة الانقلاب المدني!.
الاستاذ حمزة فاروق نائب الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني، وفي مقابلة اجراءها معه التلفزيون القومي، اعتبر أن الإعلان جاء نتيجة لتقديرات خاطئة ستخلق أزمة في الساحة السياسية، وأضاف أن الإعلان يستفيد منه أعداء الديمقراطية، ورفض فاروق من حزب المؤتمر السوداني وجود اسم تاني للكيان باعتبار أن كيان قوة الحرية والتغير واحد ولا يوجد اسم ثاني او ثالث له!.
ويتفق معه القيادي بتجمع المهنين مدني عباس مدني، وزير التجارة الأسبق، في رفضه للكيان واصفاً الإعلان في تصريح له للتلفزيون القومي بأنه انقلاب مدني ومحاولة للوقيعة بين المكونات الأخرى والحرية والتغيير.. وأرجع السبب في ذلك إلى خطابات التي تطلقها الموسسة العسكرية باستدعاء الحرية والتغيير.. واعتبره تمهيدا لقطع الطريق أمام عملية إكمال التحول الديمقراطي.
لكن السكرتير العام لحزب الاتحادي هيثم عبد الله يري أن إعلان الميثاق وضع الأمور في نصابها الصحيح، واعتبره مهماً لتوسيع المشاركة لإجراء مزيد من الإصلاح لموسسات الدولة.
بعض المحللين اعتبروه خطوة ثابتة ومؤسسة نحو استعادة منصة تأسيس قوة الحرية والتغيير، والبعض يرى أن ماحدث مهزلة وامتداد لسعي البرهان للاستمرار في السلطة بكافة السبل منها إعادة أحزاب الفكة الكيزانية.
ولكن الأستاذ بكري المدني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي يرى أن الإعلان عن الحاضنة الجديدة يؤكد أن الأوضاع في البلاد لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، وأن الأمور لن تسير كما هي، وأن التغيير لابد واقع، سواء على طريقة اللواء بكراوي أو القائد مناوي، أو الناظر ترك أو من غيرهم.
ويرى أن مخالفة بعض القوى لوثيقة الفترة الانتقالية فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، واحتكارها السلطة في نفسها تماما، مثلما فصلت الثورة على مقاسها، واحتفظت بحق القرار السياسي على حساب شركائها في السلطة، ومضت إلى أكثر من ذلك عندما قلصت حاضنة الحكومة السياسية إلى ثلاث أحزاب ورابع أقرب للحائر.. لهذا ولغيره من أسباب الفشل الكبير في كل شئ، كانت أسباب لالتقاء غالب شركاء الحرية والتغيير في القاعة لتعديل الصورة المقلوبة، وإن لم تنجح هذه المحاولة الجسورة فإن التغيير سوف يأتي بطريقة أخرى ومن خارج القاعة هذه المرة!.
وطالب بكري المدني السلطة الحاكمة في شقها المدني بأن تقبل عملية التغيير قبل أن تصبح هدفا له، لأن قبول التغيير والسير في ركابه يجعل من قوى السلطة اليوم جزءًا من عملية التغيير الجارية، وإن لم تفعل سوف تتجاوزها الأحداث كأي نظام سابق لم يحسن قراءة مجريات الأمور واتجاهاتها كما يجب.
ليس هناك من حل أبدا سواء الاحتكام للوثيقة الدستورية على علاتها وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لتكملة الفترة الإنتقالية وانصراف كل الأحزاب للاستعداد للانتخابات القادمة مع التزامها جميعها بأن تكون الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية
ويمضي بكري المدني في حديثه قائلا ان أي مشاركة حزبية في الفترة الانتقالية ومهما كان مستواها تهزم نصا صريحا من نصوص الوثيقة الدستورية، وأي حزب يشارك في السلطة ليس له الحق من بعد في رفض الآخرين أو منعهم من المشاركة فيها بذات المستوى، لا بل وحسب الأوزان التنظيمية، فالثورة لم تحل غير الوطني !.
ويري أن العودة لمنصة التأسيس تعني مراجعة كثير من القرارات والأعمال خاصة فيما يلي الإجراءات التى اتخذتها لجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو، إضافة إلى إكمال هياكل السلطة وفي مقدمتها المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية، ولا أحد يتصور رقابة على الجهاز التنفيذي من غير برلمان أو يتوقع عدالة من غير محكمة دستورية!.
ويضيف مدني أن أكبر إنجاز يمكن تحقيقه هو توقيع مجموعة الأربعة نفسها على الإعلان السياسي لقوى الحرية والتغيير وقبولها بالعودة لمنصة التأسيس الأولى، وأي رهان غير ذلك هو رهان فاشل.