
(١)
هذه قضية خطيرة وتمس الأمن القومي في الصميم، بل وذات تأثيرات على سمعة الوطن والمواطن، فمن يظن سهولة الخوض في قضية كهذه واهم وغير مسوؤل.. ونأتيكم بالشواهد.
أولاً: لا يمكن أن تشكل (شحنة أسلحة) في طائرة شحن أي تهديد أمني، خاصة إذا علمنا أنها مجرد مسدسات يتوفر في مخازن تجار الأسلحة أكثر منها وفي أندية هواة الصيد، كما أن مرورها بالمطارات يؤكد وجود مستندات وأوراق وبالتالي معرفة جهة الاستيراد والمنشأ وميناء التصدير والتصنيع وكل هذه البيانات المهمة، فلا غموض ولا ضبابية، وهذا ما حدث وثبت أنها شحنة بأوراق رسمية وتصديق..
وثانياً : المردود الأمني والسياسي والاقتصادي لهذه الحادث واسع التأثير والمدي، إن إشاعة انعدام الأمن والأمان أمر طارد لروؤس الأموال الأجنبية وتقويض لجهود الحكومة في جذب الاستثمار، كما أنه مؤشر لهشاشة الدولة السودانية، حيث الأسلحة في الطرقات وفي الأجواء وعبر البحار، وهذا واقع بيئس وانطباع سيئ وصورة ذهنية بائسة.
وثالثاً : إن للدولة مؤسسات متخصصة، واختطاف جهة ما للأدوار والمهام وتوظيفها لإدارة معاركها السياسية يشكل خطورة كبيرة للحياة السياسية السودانية، وهذا عنصر جديد في استغلال السلطة، يضاف لمواقف أخرى، تم فيها استخدام السلطة في إدارة المعارك السياسية بأفق ضيق.
ورابعاً :هناك تغييب متعمد للمؤسسات الأمنية، بما يشكك في أدوارها، وهذا دأب مستمر، لتنفيذ أجندة حزبية أو محاصصة سياسية، ويمكن لنا تبين ذلك من استعراض طويل لآراء ومطالبات بالهيكلة أو الحل والدمج، ومن خلال بناء مؤسسات بديلة وقنوات أخرى..
وخامساً : هذه (السذاجة) السياسية وحالة التجهيل والتضليل المستمر لشرائح مجتمعية، واستغلال وسائط التواصل الاجتماعي في بث البيانات الخاطئة.
(٢)
هذا الحدث يشكل إضافة جديدة لعزل البلاد والتشكيك في كل مؤسساتها، جوياً وبحرياً وبرياً.. ومع انتشار صور العصابات في طرقات الخرطوم ومدنها، والحديث عن إشكالات مع منظمة (الطيران) (الإيكا)، دون أن ننسي ما جري في للمؤاني البحرية، ففي يوم ٢ سبتمبر ٢٠٢١م أصدر رئيس الوزراء قراراً بتعيين مدير عام للمؤاني البحرية، وبعد ساعات أصدر وكيل وزارة النقل قراراً بتكليف آخر لذات المهمة هذه صورة من تضارب القرارات والعبث بموسسات الدولة.
لقد دخلت الخرطوم مئات العربات مدججة بالسلاح والعتاد بما يفوق (شحنة في طائرة)، تحت دعاوي السلام، وقبل إجراء الترتيبات الأمنية دون أن تنبس للأدعياء شفة، لإن غاياتهم ليست حفظ أمن الوطن والمواطن وإنما تدبر مخارج ونوافذ لتخفيف الأحمال الثقيلة عليهم من وقائع وشبهات.
إن مجلس الأمن والدفاع مسوؤل عن السماح بهذه التصرفات والمواقف، عن قصد أو دونه، عن قصد لإشاعة حالة من عدم اليقين لاستمرار الإجرءات الاستثنائية وتأخير استحقاق الانتقال، أو دون قصد مجايلة للحلفاء أو مسايرة لمقتضيات الراهن، وعليه أن يتخذ موقفاً فقد تجاوز الأمر حدود المعقول والمنطق..
هذا واقع محزن لوطن تتخطفه الإحن والغبائن والشلليات.. الله المستعان.