الخرطوم : نجاة حاطط
أصبح المواطن أحمد البشير مدني، أول سوداني يقدم طلباً رسمياً لإسقاط الجنسية السودانية عنه، ويتنازل طوعاً عن جنسيته، تعبيراً عن احتجاجه على انعدام العدالة في البلاد، في ظل حكومة الفترة الانتقالية.
وبعث أحمد البشير مدني طلبه في خطاب معنون لرئيس مجلس الوزراء د.عبد الله حمدوك، مطالباً إيها بإلإسراع في المصادقة على طلبه إسقاط الجنسية السودانية عنه موضحاً أن تنازله الطوعي عن جنسيته السودانية جاء لانعدام العدالة بالبلاد.
ويقول مدني، في حديث لـ “الطابية” أنه قدّم طلبه منذ تسعة أشهر، وهي فترة طويلة نسبيا تمكن ذوات الحمل من أن يضعن حملهن، على حد تعبيره، وأضاف أحمد أن عدم البت في الطلب، رغم سهولة الخيارات أما (قبول) أو (رفض)، يمثل وصف الموظف السوداني الدارج (أن لولي الأمر أن يأخذ مالك ويجلد ظهرك وعليك السمع والطاعة) مضيفا بأن ذلك يمثل روح تقمصها (أفندية الحكم الرسالي البائد)، مؤكدا بأن هذه الروح لا زالت سائدة .
استعانة:
وأضاف أحمد بأنه قبل رفع طلبه لرئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك حاول أن يحصل على مساعدة تعين الأخير في اتخاذ القرار، حيث طلب توصية من وزير العدل ليرفعها إلى متخذ القرار ليوضح فيها رأيه بأنه لا توجد عدالة في السودان، مضيفا أنه ذهب للوزارة المنوط بها إنفاذ العدل، ولكن جاء ردّهم المرفق بالطلب خير دليل على أداء الموظف العام الدارج.
أصل الحكاية:
ويحكي أحمد أن حكايته تعود للعام 2008م، عندما كان دخل في نزاع لاسترداد حق قانوني له، متعلق بالمال العام، هو عبارة امتياز استغلال عدد 40 دكاناً بمنطقة الكدرو، حصل عليه، بطريقة رسمية، من وزارة الشباب والرياضة، بعقد من الحكومة يستمر لمدة خمسة عشر عاماً، ولكن استطاع أحد مسؤولي النظام البائد اقتلاع ما تحصل عليه بالقانون، ونهبه “على عينك يا تاجر!. “.
تابع أحمد أنه من أجل استرداد امتيازه ” ذهب لمقابلة وزير الشؤون الاجتماعية بولاية الخرطوم ، وقتها، هاشم هارون، مقدماً شكايته له، آملاً أن يرد له حقه من الجهة التي تغولت عليه، إلا أن الأخير لم يفعل شيئا.. فلجأ بعده لوزير العدل، حينها، عبدالباسط سبدرات لذات الطلب، إلا أنه لم يفعل شيئا طيلة ستة عشر شهراً كانت عبارة عن مشاوير (من وإلى مكتبه )، وبين النيابات ابتداء من نيابة دائرة الاختصاص صعوداً حتى باب مكتبه، إلا أنهم لم يقيدوا حتى بلاغا جنائيا في مواجهة “التمساح الذي ابتلعه!” مضيفا أن سبدرات قال له كلمة واحدة “امشوا للرئيس!..”، وبعدها تحرك نحو الوزير التالي له في وزارة العدل وقتها “محمد بشارة دوسة”، الذي أصدر قراراً بتشكيل لجنة بتاريخ مارس 2011.. ولكن اللجنة لم تنص على استرداد المال العام!!.. مضيفا أنه قدم طلباً منفصلا لاسترداده وليس لديه علم عمّا إذا كان المستشار مبارك محمود، النائب العام المكلف الحالي، قد فرغ من دراسة الملف إلى حينه أم لا؟!.. إذ لم يصدر أي قرار من اللجنة يطالب باسترداد المال العام!!..
وتابع أحمد أنه ذهب بعد ذلك لوزير العدل التالي لسابقيهما وهو عوض الحسن النور، وقدم له مظلمته، إلا أن مدير مكتبه خالد خيري رفض المظلمة معللاً ذلك بحجة أنه “قرار محكمة”..وأن الأخيرة لم تحسم النزاع .
بعد الثورة:
ويواصل أحمد سرد حكايته، فيكشف أنه، بعد قيام الثورة، وتشكيل الحكومة الانتقالية، سعى من خلال تحركاته تلك لأن يرّجع المال العام للحكومة، ولكن الحكومة الانتقالية لم تفعل شيئا إزاء ذلك النزاع!!..مضيفا أن الموقف العام بعد ثورة ديسمبر لم يتغير البتة!..وذلك لأن الموظف العام لا زال سيد الموقف، فهو يبحث عن الترقي والمخصصات والصيت، على حد قوله، مضيفا أنه بعد عودته من اللجوء، وجد في نادي الخريجين ببحري “لجنة استرداد الميادين والساحات والمقار والبيوت الحكومية” فذهب إلى إليها وأبرز لها ما يحمله من مستندات، مضيفا أن أعضاء اللجنة تحسروا معه على الظلم الذي وقع عليه وأفادوه بأنهم سيرفعون توصيته للنائب العام السابق تاج السر الحبر ليسترد المال العام.. ومن ثم تم تحويله لمستشار عام، مضيفا أنه طلب من هذا المستشار رفع دعوى جنائية ضد موظفين عموميين، حسب المستندات التي يحملها، وأن تتم محاسبتهم تحت المادة (89) من القانون الجنائي لسنة 1991، إلا أن المستشار العام أوقف التحري مع تقديمه لأول مستند وأمر بإحضار ملفات بلاغات وقال له بالحرف الواحد “حانستدعيك لمن نجيبها!”.. مضيفا أنه حتى الآن لم يتم استدعاؤه .
طلب أخير:
ويقول أحمد بحسرة شديدة: “أنا على يقين لا يزعزعه أدنى شك أنّو دي منظومة الموظفين العموميين ماعندها علاقة بأنظمة الحكم ولا الثورات، ولا بأي فكرة طالما في ترقيات ومخصصات فإنهم يلعبون لصالح ورقم حتى لاتقع عليهم أي مسؤولية مدنية.. يعني إذا صادفهم زول “لايوق” حاتدفع الدولة المقابل المادي وهم آمنون في سربهم ..وهذا هو السبب الأساسي لطلبي”..مضيفا أن طلبه مقدم منذ أكتوبر 2020 .. وقبل أسبوعين من تقديم طلبه الأخير لرئيس الوزراء، بإسقاط الجنسية عنه، وكان قد قدم طلبه لوزير العدل الحالي مولانا نصرالدين عبد الباري، مطالبا إياه بكتابة توصية لإسقاط الجنسية السودانية عنه بسبب أن السودان ليس فيه عدالة!!.. مضيفا بأن الأخير قال له إما أن تكون مجنوناً أو على حق..
وتابع أحمد: “وبعد التحري معي بواسطة مستشارين في مكتبه قالوا أنه سياتيني الرد في قضيتي هذه، إلا أنه لم يرد مطلقاً، مضيفاً أنه عزا عدم تعليق وزير العدل على طلبه المسبب بأنه “لا توجد عدالة في السودان”؛ عزاه إلى أن ذلك يقدح في وزارته!.. مضيفاً أنه، حتى لحظته هذه، لم تأته توصية تساعد متخذ القرار رئيس الوزراء في اتخاذ قراره .
إجراءات:
ولفت المواطن أحمد البشير مدني إلى أنه ذهب لإدارة الهوية، وقاموا بالتحري معه، وذهبت إجراءاته إلى أن وصلت لوزير الداخلية الحالي، ولكن لم يحدث شيء!!..
ويؤكد أحمد أنه طالب بإسقاط الجنسية السودانية عنه بسبب قضية قد لا تستغرق إجراءاتها مدة عشر دقائق، لو كان ذلك الأمر في دولة أخرى غير السودان!!.. نافيا أن تكون قضيته قضية شخصية.. ومشدداً على أن الحال على حاله قبل الثورة وبعدها!..
ويقول أحمد إنه يستطيع أن يحصل على لجوء لأي دولة يريد، كما حصل غيره، “الموضوع موضوع زمن ليس إلا !”.. ويوضح أنه يريد أن يسقط جنسيته السودانية لانعدام العدالة بالسودان حتى تكون سابقة.. ويفتح الطريق لغيره من الشباب الذين عانوا من الظلم في بلادهم، مضيفاً أن ما يؤلمه هو ظلم الموظفين العامين للمواطنين خاصة أنه عانى من هذا الأمر طوال فترة قضيته التي امتدت لأكثر من خمسة عشر عاما اعتقل فيها كثيراً بسبب هذه القضية..ويضيف أنه يتحدى أي شخص إن كان يستطيع الآن التصرف في تسجيلات أراضي بحري دون علم التمساح الذي ابتلعها!!..الذي يمثل أحد أركان النظام البائد، واستمر الحال كما هو حتى بعد أن سقط النظام.. مستشهداً بأن مسؤولة في لجنة الميادين العامة والسوح كانت قد همست له “بأن يذهب تاركا قضيته برمتها”.. مضيفاً أن هناك كثيرين من سكان الكدرو ابتلعهم ذات التمساح إلا أنهم آثروا الصمت!.
رد فعل:
وفي نهاية المطاف، يتوقع أحمد أن تكون ردة الفعل في الخارج على طلبه كبيرة، ويقول أنه يأمل أن يفكر أي شخص، له صلة بالعدالة، في أن شخصي قد أفني عمره إزاء قضية بعينها ولم يحصد شيئاً”.. مضيفا أنه حتى بعد الثورة فأن دعواه لإسقاط الجنسية السودانية أخذت زمنا طويلا..ونفي أن يكون قد اتخذ من قضية إسقاط الجنسية السودانية عنه جسرا يعبر به إلى اللجوء لدولة من الدول المتقدمة.. وأنه، وبعد تسعة أشهر من تقديمه الطلب لرئيس الوزراء، صار عنده الأمر سيّان؛ سواءً كان الرد بالقبول أو الرفض.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس