تحقيقحوارات وتحقيقاتسياسة

مبادرة حمدوك.. هل ولدت ميتة؟!.. مواقف القوى السياسية من المبادرة؟

تحقيق :نجاة حاطط
أطلق رئيس الوزراء السوداني د.عبدالله حمدوك في يونيو الماضي مبادرة بعنوان “الأزمة الوطنية السودانية وقضايا الانتقال الديمقراطي ..الطريق إلى الأمام” وأشار حمدوك في مؤتمره الصحفي الذي عقده وقتئذ بأن المبادرة صنعت من أجل تحصين المسار الديمقراطي، واشتملت المبادرة على سبعة محاور وهي: إصلاح القطاع الأمني والعسكري، بالإضافة لملفات العدالة والاقتصاد والسلام، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومحاربة الفساد، وتوحيد السياسة الخارجية، والسيادة الوطنية، والمجلس التشريعي الانتقالي.

مواقف الأحزاب من المبادرة:
انقسمت الأحزاب السياسية ما بين مؤيد للمبادرة ورافض لها، فبعض الأحزاب

أبرز مؤيديها “الأمة” و”المؤتمر السوداني” و”الثورية”.. واعتبرها”البعث” محاولة لتغيير الحاضنة.. ووصفها “الشيوعي” بالهبوط الناعم

والقوى المشاركة في الحكومة والمنضوية تحت الحاضنة السياسية أيدت المبادرة، فمثلاَ حزب الأمة القومي أعلن تأييده للمبادرة، وقال رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة، في حديث له لوكالة سونا للأخبار “حزبنا الأمة القومي يؤيد مبادرة رئيس الوزراء لتوحيد القوى السياسية حيث أنها تتطابق مع المبادرات التي أطلقها حزبنا في وقت سابق”.

أما حزب “المؤتمر السوداني” فقال، في بيان له: “إن المبادرة تمثل خارطة طريق قابلة للتطبيق، ويمكن أن تمهد لتصحيح المسار لو توافرت الإرادة السياسية الكافية، وأكد الحزب استعداده لتسخير كآفة جهود الحزب عبر التعاون والعمل مع كل القوى الداعمة للتغيير من أجل بلورتها عبر الحوار وإنزالها إلى أرض الواقع.
“كذلك أعلنت كل من” قوى الحرية والتغيير”، و “الجبهة الثورية ” دعمهما لمبادرة حمدوك.
أما الأحزاب الرافضة للمبادرة فكان حزب “المؤتمر الشعبي” الذي اعتبر القيادي فيه أبوبكر عبدالرازق أن “حمدوك لم يقدم مبادرة وإنما قدم برنامجا حصريا لمعالجة مشاكل الحرية والتغيير والمكون المدني والعسكري”.
أما حزب “البعث السوداني” فقد أعلن رفضه للمبادرة واعتبرها متعارضة مع الوثيقة الدستورية ومحاولة لخلق “حاضنة جديدة”.
كذلك رفض الحزب الشيوعي المبادرة باعتبار أنها يمكن أن تفضي لمصالحة مع الإسلاميين وإكمال لمشروع “الهبوط الناعم “.

الآلية:
ولكن مواقف الكثيرين تغيرت بعد إعلان حمدوك عن تشكيل الآلية الوطنية لتنفيذ مبادرة رئيس الوزراء “الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام “، حيث أثارت تلك الآلية ردود أفعال متباينة، خاصة بعد أن ضمّت في عضويتها 71 شخصا من مختلف قطاعات الشعب السوداني، ولفت حمدوك في مؤتمره الصحفي إلى إن الآلية شكلت بعد تشاور عريض حتى تعكس التنوع ولتعبر عن ثراء الساحة السياسية.
ولكن طبيعة عضوية الآلية, والطريقة التي تم بها الاختيار، اعتبرت لدى الكثيرين تعبِّر عن هوى سياسي معيّن.. ما أدى إلى اعتذارات، وإعادة تقييم المواقف حتى داخل الحزب الواحد، مثل حزب الأمة، الذي اختلفت وجهات نظر قياداته.

استقالات:
وقدم ثلاثة من الشخصيات، التي ضمتهم الآلية لعضويتها، استقالاتهم لأسباب مختلفة؛ وكان أول المستقيلين من الآلية حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، الذي أرجع الأمر

مناوي: الآلية جاءت على هوى مستشار حمدوك السياسي

لاعتقاده بأن الآلية شُكّلت على حسب هوى مستشار حمدوك السياسي، ويعني به ياسر عرمان، وقال مناوي في تغريدة له في تويتر : “ورد اسمي ضمن آليات تنفيذ مبادرة رئيس الوزراء التي دعمناها وعلقنا عليها أملنا في أن تكون مبادرة وطنية تنفتح على تمثيل حقيقي لمكونات الشعب السوداني إلا أنها جاءت على هوى مستشاره السياسي”.
أما ثاني المستقيلين فكان رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجة الناظر سيد محمد الأمين ترك والذي أعلن اعتذاره عن عضوية المبادرة، حيث أوضح، في بيان له، أنه لا يمثل نفسه بل يمثل المجلس الأعلى للبجة وتنسيقية الإقليم بحكم رئاسته للكيانين اللذين قررا عدم المشاركة في الآلية لأسباب تتعلق بمسار الشرق، كذلك قدم ناظر قبيلة البني عامر الناظر علي إبراهيم محمد عثمان دقلل استقالته.

غرض:
اعتبر نائب رئيس حزب “الأمة القومي” د.إبراهيم الأمين أن الآلية التي كونت وفقا لمبادرة رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك لها هدف واحد وهو تصفية قوى

الآلية فجرت الخلافات داخل بعض الأحزاب

الحرية والتغيير وإقامة حاضنة جديدة بدلا عنها، ولفت الأمين في “تصريحات صحفية ” إلى أن أهم معالم الحاضنة الجديدة تمكين من اختطفوا المجلس المركزي للحرية والتغيير، ولهم وجود مكثف عبر التمكين في كل مؤسسات الدولة ليتم بهذه الصورة، التي تمكنها من إقامة آلية جديدة، مضيفا أن الدليل على ذلك أنه بمجرد مراجعة الأسماء التي كونت منها الآلية فإنك لن تجد فيها من شارك في الثورة، ومنهم عدد كبير ليس له علاقة بالثورة، وأضاف الأمين أن ما تم يعد انقلابا على “قوى الحرية والتغيير” مضيفا أن المجموعة التي تقف مع حمدوك تريد أن يستمر النظام الذي بات أشبه بالحكم الشمولي.

جسم مترهل:
وصف حزب الوسط الإسلامي مبادرة حمدوك بأنها “جسم مترهل”، قصد منه ما كان يفعله النظام السابق كلما ضاقت به السبل، في إشارة إلى حكومة “لوحدة الوطنية” و تشكيل مجلس الأعيان، في عهد النظام السابق.
وقال رئيس حزب الوسط الإسلامي د.يوسف الكودة إن حزبه يرفض المبادرة والآلية وطالب الكودة بمصالحة عامة لا تستثني أحدا، عدا المطلوبين في المحاكمات الجنائية، وليس السياسية..

إسدال الستار:
انتقد رئيس الحزب الاتحادي الموحد والقيادي بقوى الحرية والتغيير محمد عصمت تشكيلية الآلية الخاصة بمبادرة رئيس الوزراء وقال إن مهمتها هي إسدال الستار على مجمل الحراك السياسي لثورة ديسمبر، وأضاف عصمت أن الآلية تعمل على تهيئة المسرح

محمد عصمت: مهمة الآلية إسدال الستار على مجمل الحراك السياسي للثورة

لعروض يقدمها فريق سياسي بديل لقوى “الحرية والتغيير”، مضيفا أن مهمة الأخير هي تعديل الوثيفة الدستورية بما يسمح بوضع ثورة ديسمبر في المتحف أسوة بثورة أكتوبر وانتفاضة أبريل.

غير متوازنة:
وصف ناظر قبيلة الشكرية أحمد محمد حمد أبوسن الطريقة التي تم بها اختيار أعضاء الآلية بأنها غير المتوازنة، مشيرا

ناظر الشكرية: الآلية غير متوازنة!!

إلى أن هذه الطريقة يمكن أن تتسبب في إجهاض مبادرة حمدوك، وقال أبوسن إن الآلية هذه تجاهلت قبيلة الشكرية، مضيفا بأنهم قدموا ملاحظات مكتوبة حول المبادرة التي أيدوها خلال اجتماعهم مع حمدوك، مضيفا أنهم ظلوا يقرِّبون الشفة بين المكونات المتصارعة في الشرق.

اتهامات لعرمان:
فور إعلان عضوية المبادرة، اتهم مراقبون المستشار السياسي لرئيس الوزراء ياسر عرمان بأنه أدخل أصدقاءه والقريبين منه في عضوية الآلية، في حين لفتوا إلى ضعف تمثيل اللجنة من المكونات الاجتماعية والسياسية مع ظهور أسماء تحمل لافتات قبلية وزعامات أهلية لم تكن معروفة، الشيء الذي جعل نظارات مثل الشكرية والجهاديين تعلن اجتجاجها على الآلية.
المراقبون أشاروا أيضا إلى أن ياسر عرمان، بتعيينه مستشارا سياسيا، يمكن أن يضر رئيس الوزراء أكثر مما يفيده، فقد عرف عن الأول خصوماته السياسية العديدة والتي ظهرت أبرز ملامحها عندما اعتذر مناوي عن الآلية بسبب عرمان.

لافائدة مرجوة:
انتقد الأكاديمي والمحلل السياسي د.مجدي إبراهيم المبادرة التي طرحها حمدوك مؤخراً، مشيراً إلى أنها لم تقدم جديداً يذكر، بل على العكس فقد صنعت أزمات جديدة باختيارها لأشخاص جدد ليكونوا محل حوار وتشخيص لأزمات السودان، وأضاف إبراهيم في حديثه لـ”شبكة الطابية الإخبارية” أن هذا الأمر جعل الذين لم يسمعوا أسماءهم ترد ضمن قائمة الآلية يحتجون على ذلك، كما اعتبرت بعض القوى السياسية التابعة لقوى الحرية والتغيير هذه الآلية ماهي إلا بديل للحاضنة القديمة، الشيء الذي تمخضت عنه أزمة جديدة وتشاكس جديد مضيفا أن الآلية هذه وعملها أشبه بـ”مجلس الشركاء” لذلك فلا أرى في تكوين هذه الآلية أي فائدة مرجوة منها مستقبلا.

تشخيص:
قال المحلل السياسي أبوعاقلة إدريس، في حديثه لـ”شبكة الطابية الإخبارية” إن المبادرة التي دفع بها رئيس الوزراء

أبو عاقلة إدريس: قيمة المبادرة تكمن في قدرتها على تجاوز التنظير الفكري والسياسي إلى النزول بها لأرض الواقع

د.عبد الله حمدوك خاطبت جذور المشكلات التي تعيق حركة الانتقال السلس والتحول الديمقراطي بعيدا عن الدائرة الشريرة (انقلاب – انتفاضة-حكومة انتقالية…إلخ ) مضيفا أن المبادرة شخصت العقبات الحالية التي تواجه الحكومة الانتقالية وطرق حلها، مشيرا إلى أن الآلية ضمت أسماء لهم كسبهم الثوري والسياسي والاجتماعي أمثال الشيخ أحمد الطيب زين العابدين، الذي عرف بمواقفه الثورية إبان هبة سبتمبر2013م، ومن تجمع المهنيين ضمت الأستاذ سامي الباقر ود.محمد ناجي الأصم، كما ضمت أفرادا بارزين من الإدارات الأهلية والطرق الصوفية وحركات الكفاح المسلح، ومن منظمات المجتمع المدني والناشطين والمرأة
والمبدعين والإعلاميين والرياضيين.
وأضاف أبوعاقلة بأن المحك في المبادرة و اختبار قيمتها الفعلية يكمن في قدرتها على تجاوز التنظير الفكري والسياسي إلى النزول بالمبادرة إلى أرض الواقع لننتقل إلى دولة الوطن عبر انتقال سلس ينتشل البلاد من وهدتها الحالية – حيث الاستقطاب السياسي الحاد بين المكون المدني والمكون العسكري من جهة وبين المكون العسكري والعسكري من جهة ثانية وبين المكون المدني والمدني من جهة ثالثة – مضيفا بأن المبادرة يمكنها أن تفضي إلى حل سياسي سلمي شامل إذا خلصت النوايا وتجاوزت الأقوال إلى الأفعال.

مستقبل المبادرة:
ومن خلال قراءة الوضع، يتضح أن مبادرة حمدوك، رغم أنها لم تأت بجديد، حيث طرحت برنامج هو بالأساس عمل السلطة الحاكمة بأشكالها المختلفة، ولكنها تم تقبلها لدى كثير من القوى السياسية، في أول أمرها، بوصفها قضايا عامة.
ولكن المواقف اختلفت بعد إعلان آلية المبادرة، الأمر الذي دفع بكثير من القوى السياسية إلى إعادة تقييم مواقفها تجاه المبادرة، فاختلف عليها حتى داخل الحزب الواحد، فحزب الأمة القومي الذي هو أبرز للمبادرة والمدافعة عنها، من خلال تصريحات رئيس الحزب برمة ناصر وأمينه العام الواثق البرير، وجدت به قيادات لها رأي مخالف للآلية، منهما نائب رئيس الحزب د.إبراهيم الأمين، الذي رأى في المبادرة “محاولة لنصب حاضنة سياسية جديدة من أجل تثبيت نظام شمولي”..كما أن مواقف الرفض المعلنة من قبل أهم مكونات الإدارة الأهلية في شرق السودان، المتوتر أصلاً، لا تنبئ بخير لمبادرة حمدوك.
فيما يرى البعض، ومنهم رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النيلين، فتح الرحمن أحمد، في حديث أدلى به لموقع “العربي الجديد”، أن حمدوك عمد أكثر بمبادرته الأخيرة، لتخفيف الضغوط عليه، وهي ضغوط يواجهها شعبياً نسبة لتردي الأوضاع المعيشية والأمنية، والضغوط الأخرى التي يمارسها عليه المكوّن العسكري والحركات الموقّعة على اتفاق السلام ومن النظام السابق، ومن بعض قوى “الحرية والتغيير”.
ويرى الأستاذ الصحفي عزمي عبد الرازق، أن: “الدافع الخفي لمبادرة حمدوك هو تهدئة دعوات الخروج يوم 30 يونيو، والتعبير عن قلقه من حملة (#اختونا) التي تتصاعد في الشوارع والبيوت، لأنه إذ كان حريص على اصلاح تحالف قوى الحرية والتغيير وتكوين المجلس التشريعي أو قضايا الانتقال والسلام أو التشظي بين العسكريين والمدنيين، فهم على بعد خطوات منه، يستطيع أن يخاطبهم مباشرة، في مجلس السيادة ومجلس شركاء الفترة الانتقالية، لكنه يبحث عن مكون أخر ولا يريد أن يبوح به وما قادر يصرح يمكن قول يروح يمكن قول يجرح”.
هذا بالإضافة التوجس الكبير الذي أثاره تكوين الآلية، حيث ترى البعض أن المبادرة محاولة للوصول إلى توصيات بالمصالحة مع المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، ما اضطر حمدوك للنفي القاطع لأي اتجاه لهذه المصالحة، وتركيزه في المبادرة على تصفية نظام الإسلاميين.
وأشار بعض المحللين السياسين، مثل الصحفي صلاح شعيب، إلى أنه ليس أمام مبادرة حمدوك الوقت الكافي لـ”عجن كل هذا الخبيز السياسي ووضعه على طاولة المشهد السياسي مثلا حتى تتغذى به القيادة الرشيدة للبلاد”، ففترة العامين اللذين حددتهما الوثيقة الدستوري للفترة الانتقالية، لم يتبق عليهما الكثير.
ومن الواضح، أن كل تلك المعطيات، تقلل من فرص نجاح مبادرة حمدوك، أو على الأقل، إمكانية أن تنتهي إلى نتائج ملموسة ومؤثرة في المشهد السياسي السوداني.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى