د.محمد عبدالله كوكو: ماذا يعني تعيين مستشارة للنوع .. (الحلقة 2)

تحدثنا بالأمس عن تعيين حمدوك لمستشارة للنوع وسوف تتواصل هذه الحلقات حتى نعرف من حمدوك ما هي دواعي هذه الوظيفة وما الوصف الوظيفي لها وإذا لم نجد منه إجابة سنستمر نحن في تنوير الرأي العام السوداني ليعرف المواطن إلى أين تسوقه حكومته ..
يقول سبحانه وتعالى:(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).
وهذا الكلام أدركه الحكماء من الشعراء فقال حافظ ابراهيم:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن هي ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال شوقي:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم * فاقم عليهم ماتمًا وعويلًا
فالأخلاق هي قلعة حماية الأمة وإذا بعدت الأمة عن دينها انهارت أخلاقها وإذا انهارت الأخلاق تفشت الفاحشة وإذا تفشت الفاحشة طغت إباحية الجنس وإذا طغت إباحية الجنس اختلت وظيفة المرأة في المجتمع وإذا اختلت وظيفة المرأة انهارت الأسرة وإذا انهارت الأسرة انهار المجتمع وضاعت الأمة.
وبعد هذه المقدمة سوف نرجع لموضوعنا ”(تعيين مستشارة للنوع) فما المقصود بالنوع؟
النوع غير الجنس:
فالجنس (Sex) يشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر والأنثى فهناك فروقات بيولوجية لأن هناك وظائف للأنثى لا يستطيع الذكر القيام بها والعكس بالعكس لذلك يقول تعالى (وليس الذكر كالأنثى) بمعنى أنه توجد فروقات بينهما ليكملا بعضهما البعض
أما النوع (الجندر) فلا يعترف بوجود فروق بيولوجية بين الذكر والأنثى ويقولون أنها فروق مصطنعة بسبب الموروث الثقافي فالمرأة كما يقولون لا تولد امرأة وإنما تتحول إلى امرأة بسبب واقع ذكوري متسلط فالمرأة كما يقول أصحاب الجندر أن الشخص لا يولد امرا بل تصبح امرأة … ووفقا لمفهوم الجندر من كتاب ”(الأسرة وتحديات المستقبل) من مطبوعات الامم المتحدة فإن الأسرة يمكن تصنيفها إلى اثني عشر شكل ونمط منها: (أسرة الجنس الواحد ) يعني ذكر يتزوج ذكر وأنثى تتزوج أنثى ومنها أيضاً: رجال ونساء ورجال يعيشون سويا بلا زواج …وغير ذلك من الأنماط …بالله عليكم هل هذه إنسانية أم بهيمية وهل جاءت هذه المستشارة. لتوجد لنا هذه الأنماط ؟
لذلك جاء الإسلام لينقح الإنسانيَّة من شوائب البهيميَّة التي تزداد تمكُّنًا من المجتمعات كلَّما ابتعدوا عن صفاء الشَّرع، اعتِقادًا وعملاً وسلوكًا.
فليس للإنسان خاصِّيَّة تميِّزه عن البهيمة سوى ما كرَّمه الله به، من ذلك العقل المفكِّر المتأمِّل الَّذي به يميِّز طريقَي الشُّكر والكُفر وحدهما وما يوجب وقوعَهما، والقدْرة على سلوك أيّهما؛ ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾ [الإنسان: 3]، وجعل الله لذلك الإنسان رغبةً فطِر عليها وغرِز في نفسه ميول إليها، فكان الطَّريقان: طريق استكمال الرَّغبات الصَّادر عمَّا ركب فيه من الشَّهوة، وطريق توخّي سوء العاقبة الصَّادر عن عقلِه المميز.
وهما طريقان متوازيان في مواضع ومتداخِلان في أكثَر سيْرِهما، بحيث إنَّه يُمكن للإنسان إنفاذُ شهوة ورغبة معيَّنة مع أمْنِه سوء عاقبتِها في بعض مواضع الطَّريقين، وذلك بتمتُّعه من الدنيا بما أحلَّ الله له: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32] ولا يمكن له ذلك في أغلب مواضعهما؛ لأنَّ النَّفس أمَّارة بالسوء إلاَّ ما رحم ربِّي؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [يوسف: 53]، ومنتهى السَّير في طريق إنفاذ الرَّغبات والشَّهوات دون حدٍّ أو قيدٍ يؤدِّي إلى دمار شامل لا يقتصر على ذات الإنسان، بل إنَّه يتعدَّى إلى غيره، بل يصِل شؤم ضررِه ومنتهى خطره إلى أعظم مخلوقات الله المشاهَدة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ [المؤمنون: 71].
والإسلام جاء بإيجاب السَّير في طريق توخِّي سوء العواقب، وهو طريق التقوى؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ [النساء: 1]، فهو أمرٌ واجبٌ يلزم النَّاس القيام به، ولو كان ذلك على حساب فوات مطالب النَّفس وتحقُّق رغباتِها؛ لأنَّه بذلك فقط تتمُّ للنَّفس سعادتها وتتحصَّل نجاتُها، وهذا مقتضى نتاج العقْل المميز لسوء العواقب وحسنها، أمَّا خِلاف ذلك بأن يسير الإنسان بطريق إنفاذ الرَّغبات دون توخٍّ لسوء العواقب، فهذا مقتضى ما فيه من صفات بهيميَّة رفعه الله عنْها وكرَّمه، فسيرُ البهائم إذًا هو التَّغاضي عن سوء العواقب لأجْل تحصيل الشَّهوة وإنفاذ الرَّغبة.
ومن ذلك نستطيع القول: إنَّ الإنسان لا يستحقُّ وصف الإنسانيَّة إلاَّ إذا أعْمَل عقْلَه المميِّز، بالسَّير على طريق توخِّي سوء العواقب واتِّقاء نار الله وسخطه وغضبه، ولو كان ذلك على حساب فوات رغبة النَّفس المعارضة للتَّقوى. فكلُّ شعارات بعد ذلك للإنسانيَّة وهي تشتمل مخالفات شرعيَّة، نعلم أنَّها في الحقيقة وعند التَّحقيق لا تعدو أن تكون دعوة بهيميَّة حيوانيَّة، ليس لها في الإنسانيَّة حظٌّ ولا نصيب. إنَّ دعاوى الفكر التَّغريبي – علمانيَّة كانت أم ليبراليَّة – ورفعها لشعاراتع الإنسانيَّة وهي تتنصَّل جهارًا من كل ما يهذِّب الإنسان ويقوِّم إنسانيَّته – هي في الحقيقة كذِب وافتراء على الإنسانيَّة ذاتها؛ لأنَّها حقيقة دعوة للتحرُّر من كلِّ قيد، والاستهانة بكلِّ غال، والوضْع لكل شريف، والتعدِّي على كلِّ حرز، والتسلُّق على كلِّ مسوَّر، والتنكُّر لكلِّ انتماء، هي في الحقيقة فوضويَّة بهيميَّة وانحطاط في فطرة النَّاس، وبعْدٌ عمَّا يصلح لهم ويزكيهم؛ لأنَّ مقتضى تمييز العقْل تجنُّب ما يسوء وفعل ما يحسن، فإذا هتك ستار التَّمييز هتك ستار العقل.