
الخرطوم :نجاة حاطط
استبشر السودانيون خيرا هذا العام بعودة الأفطار الرمضاني في الساحات العامة بعد أن غابت هذه العادة الجميلة العام الماضي بسبب الاغلاق الشامل بسبب جائحة كورونا ، و لعل الأهزوجة الشهيرة – “هلّا هلالك يا رمضان .. ورمضان أحلى في السودان “-التي جعلتها إحدى شركات الاتصالات شعارا تعبر عن واقع “حلاوة ” شهر رمضان واختلافه عما يمارس في الشهر الفضيل في كل بلاد العالم ،وتكمن الحلاوة تلك في السمة البارزة التي يتمتع بها السودانيون دون سواهم من بين مسلمي العالم إذ يتجمعون قبيل غروب الشمس في الساحات والطرقات علهم يظفروا بعابر سبيل فيكون لهم مثل أجره أجر ، كما تحرص الأسر السودانية على التواصل والزيارات والإفطارات الرمضانية كي يحصلوا على أمور مجتمعة منها صلة الرحم وقرى الضيف وإفطار صائم ، أما في الأرياف السودانية فيحمل كثير من السودانيين (صواني )إفطاراتهم ويتجهون إلى نواصي الطرق السريعة ويغلقونها كي يجبروا السائقين على الترجل من على ظهور مركباتهم والإفطار معهم ومن ثم مواصلة رحلتهم بعد أن يطعموا بزادهم ذاك فيما تسمى تلك الظاهرة المتأصلة في الريف السوداني سماحة وطيب خاطر ب(عوج الدرب) ” شبكة الطابية الإخبارية ” التقت بالكثيرين للحديث حول هذه العادة الجميلة التي تميز بها السودان دون غيره من الدول .
تقوية روح الجماعية
أشار الأستاذ أبوذر أحمد إلى أن عادة الإفطار الجماعي في الساحات والشوارع العامة لم يتحقق من بدايتها الفعلية بالضبط ولكنه يعتقد بأنها عادة قديمة في المجتمع السوداني مضيفا بأن الاستقراء المنطقي والحدس المظنون نهجا يمكننا من القول إن شرائع الإسلام إنما فرضت على مجموع المسلمين، الصلاة يقصد إليها المسجد بيت الله فردا تكبر في كل وقت بمجموع الأفراد المصلين ،ثم تزداد كبرا كل جمعة من أيام الأسبوع وهوخير الأيام ثم تضخم في صلاة العيدين ،والصيام الفريضة المكتوبة على المسلمين بصيغة الجماعة في الأمر الإلهي الرباني موجودة في كل العبادات و أضاف أبوذر إذا كان المسلمون يجتمعون على الفرائض كما يجتمعون على السنن المؤكدة كصلاة التراويح والتهجد كما يجتمعون على الابتهال والضراعة في الاستسقاء مثلا وفي النوازل كل ذلك يجعل من الاجتماع على فرحة الصائم بإفطاره عادة مستساغة تؤيدها روح الدين وبركة الجماعة أضف إلى ذلك أن المسلمين يجتمعون على تلاوة القرآن الكريم في حلقات الذكر تعلما وتبركا كما يجتمعون على الاحتفال بقراءة سيرة النبي صلوات الله وسلامه عليه منظومة وسردا يلتمسون تزكية الأنفس بخلقه العظيم ومقامه الأسنى عليه الصلاة والسلام هذه كله من روح الجماعية في الإسلام شعائر ومجتمعات .
مشهد مهيب
وذكر أبوذر بأنه لاتزال في ذاكرته حادثة سفره إلى مدينة الفاو في أواخر شهر رمضان وكان السفر للحافلات والباصات أفواجا أفواجا وهو ما تسميه شرطة المرور بالتفويج فلما حان وقت الإفطار شاهدت الناس من بعد القرى يعترضون حركة الحافلة ويوقفون الباصات ويقفون متماسكين ليسدوا الطريق من أجل ألا تعبر العربات من غير أن يفطر كل من فيها مضيفا بأن هذا الحرص فيه أصل شرعي وهو الحديث الذي يرّغب في إفطار الصائم.
عادة طيبة
واستدرك أبوذرقائلا ولكن على الرغم من سماحة هذه العادة إلا أنها ليست فريضة فمن لم يقدر على الإفطار في الشارع مع أهل حيه فليلزم بيته بلا أدنى حرج ،وعلى أهل الحي أن يعذروه ولا يصفوه بالبخل ولا بالانطوائية ولا بالتكبر، فالإفطار مع الناس في (برش رمضان) لا تعدو كونها عادة والله سبحانه وتعالي رفع الحرج في سورة النور (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا )و أضاف أبوذر هناك بعض الناس ينتقدون ساكني بعض الأحياء الأروستقراطية كونهم لايخرجون للإفطار في رمضان في الشوارع كما يفعل سائر السودانيين ويصفونهم بالجفاء والغلظة كأن عادة الإفطار في الأحياء فريضة وهي في الحقيقة لا تعدو كونها عادة طيبة وعرفا جميلا.
فوائد جمة
محمد عثمان أحمد الطالب بكلية الهندسة بجامعة بحري قال إنه يجد فوائد جمة في الإفطار بالساحات والطرقات أهمها الإخاء الذي يحدث بين جميع أهل الحي حتى يصبحوا جميعا كالأسرة الواحدة مضيفا بأنهم كشباب تخرج لديهم من مائدة الإفطار بالساحات أفكار لأنشطة شبابية ثقافية ورياضية ويجري تنفيذها حال التوافق عليها مضيفا بأن إفطار الساحات يمكن أن يعمل على إزالة كل خلل حتى سوء الفهم الذي قد يكون نتج دون قصد بين الجيران ، وأضاف محمد بأن الإفطار غير أنه يمثل ساحة توافقية بين الجيران فإنه يمكّن حتى جيرانك من التعرف على ضيوفك وبالتالي يصبح الضيف ضيف الجميع وهذا مدعاة للتعارف وتوطيد للعلاقات بين الجيران .
مصدر فخر
أستاذة اللغة الإنجليزية بالمدارس الثانوية أم كلثوم عبداللطيف أشارت إلى أن عادة الإفطار في الشوارع والطرقات لاتزال من العادات الراسية رغم ضيق ذات اليد والظروف الاقتصادية التي يعايشها السودانيون إلا أنهم لا زالوا يحافظون على إطعام الناس في الطرقات وقطع الشارع على كل عابر سبيل حتى ينالوا أجر من فطر صائماً ،مضيفة بأن هذه العادة لا يمكن التخلي عنها أبدا والجود بالموجود ، وأضافت أم كلثوم بأن هذه العادة تمثل الكرم السوداني الذي يمتازون به بين الشعوب الأخرى مضيفة بأن الصينية السودانية التي تلم الصائمين يظهر فيها التنوع ، كما أنها تمنت لو طبقت الفكرة في سائر العام فهي فرصة للم الشمل مضيفة بأنها تفتخر بالشعب السوداني وصفاته ” لو ما جيت من زي ديل وامآساتي واسفاي واذلي !” مضيفة بأنها تحب رمضان في السودان وتحديدا في مدينة شمبات.
عادة سودانية خالصة
الطالب بالثانوي العالي أمير أحمد قال إن عادة الإفطار في الساحات عادة سودانية خالصة لا توجد إلا في الشعب السوداني والذي اشتهر بالكرم مضيفا بأنه رغم أن بعض المواطنين أدخلوا عليها “التكلف ” مما جعل البعض ينفر منها مؤكدا بأن “الجود بالموجود ” وأضاف أمير بأنه كلما حوربت مظاهر “التكلف والبذخ ” في الإفطارات الجماعية ضمنّا استمرار هذه العادة الجميلة لأمد الدهر .
عادة موروثة
المستشار الإعلامي والصحفي النذير إبراهيم العاقب قال في إفادته ل”شبكة الطابية الإخبارية ” بأن عادة الإفطارات الجماعية بالطرق والساحات من العادات السودانية الجميلة الموروثة أبا عن جد خاصة في القرى والأرياف البعيدة حيث تجد أن الآلاف من مواطني القرى – خاصة الذين يجاورون الطرق القومية- في كل أقاليم السودان ، ولحظة اقتراب موعد الإفطار يصطفون في منتصف الطريق لإيقاف السيارات المارة وركابها لتناول الإفطار ومن ثم مواصلة الرحلة ،وهي عادة تليدة تؤكد على عمق شيمة الكرم وتجذرها الأصيل في نفوس السودانيين وبلاشك فهنالك بعض الاختلاف بين أهل القرى وبين سكان المدن في تطبيق مثل هذه العادة الحميدة مع وجود بعض قاطني المدن ممن يقوم بذات العادة في رمضان .. إلا أنهم قليلون ولا يقارنون بما يفعله القرويين من السودانيين .
حنين للمة
المحاسب مدثر إسماعيل – مقيم بمصر- قال إنه في مصر يفتقد الإفطار السوداني ولمة الأهل والأصحاب والجيران، وكذلك يفتقد الوجبات السودانية التي تشتهر بها المائدة السودانية ، كما يفتقد أكثر لحظات الإفطار في الشوارع والساحات وميادين الأحياء لمافيها من تواصل وتراحم بين فئات المجتمع المختلفة وبالنسبة لتطبيق الفكرة بالخارج فتطبيقها صعب ؛ لأن لكل بلد عاداته وتقاليده .
أشعريون
أبوعاقلة إدريس –عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية .. المكتب الإقليمي بالسودان – قال في إفادته ل”شبكة الطابية الإخبارية ” إن أهل السودان يستلهمون تلك العادة الأصيلة من واقع خلاسيتهم حيث إفريقية المزاج ونخوة العروبة وهدي الإسلام ، مشيرا إلى أن إسلام السودانيين فطري وغير مصطنع ، وهو يجسد معاني الدين الحنيف حيث فلسفته الأشعرية السامقة نبلا وإيثارا وتجردا وسماحة وطيب خاطر “إن الأشعريين إذا أرملوا – اي اشتدت بهم الحاجة –في غزو، أو قل ّ ما عندهم من الطعام جمعوا ما عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بالسوية ،فهم مني وأنا منهم” وذاك لعمري استلهام لقيم الأصحاب –عليهم الرضوان – من مهاجرة هجروا ما نهى الله عنه وأنصارممن (تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأؤلئك هم المفلحون ) ” إنكم لتكثرون حين الفزع وتقلون عند الطمع ” وعن سلمان رضي الله عنه – والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه، من طريق البيقهي، ورواه ابن حبان في الثواب قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان قال : يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك ،شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ،ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة ، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء ،قالوا يارسول الله ، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة ،أو على شربة ماء ،أو مذقة لبن ، وهو شهر أوله رحمة ،وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار” ولا أرى في مأثور المثل السوداني الحكيم “بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر !” إلا صدى لما استجاد النقاد من كلمة زهيربن أبي سلمى حكيم الشعراء الجاهليين :
تراه إذا ما جئته متهللا *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وفي همزية شوقي المادحة نظر إلى روح الدين وسموه مخبرا لا مظهرا ،ولبابا لاقشورا، ومعنى لا مبنى حيث تطاول عنان السماء مادا النظر إلى آفاق العدالة الاجتماعية في أسمى سماواتها ..
الاشتراكيون أنت إمامهم
لولا دعاوى القوم والغلواء
داويت متئدا وداووا طفرة
وأخف من بعض الدواء الداء
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس