رصد: الفاتح عبد الرحمن
لا زالت تداعيات حادثة قتل طالب المختبرات الطبية بجامعة أمدرمان الإسلامية عبد العزيز الصادق بعد سلب هاتفه الجوال بواسطة بعض العصابات المتفلتة، لا زالت حديث الناس والمجتمع، فضمن برنامج الشريعة والحياة الذي تبثه قناة طيبة الفضائية، والذي استضاف الشيخ الدكتور محمد عبد الكريم الشيخ رئيس تيار نصرة الشريعة ودولة القانون في حلقة حملت عنوان (السرقة) تحدث فيها عن حكمها في الشريعة الإسلامية؟ وكيف يصنع الشخص إذا تعرض لهذا النوع من السلب؟ وغيرها من الموضوعات المتعلقة بهذه الحادثة والسرقة عموماً، حيث ذكر الدكتور محمد عبد الكريم أن من المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية حفظ المال، والسرقة كبيرة من كبائر الذنوب التي ذكر الله عز وجل حرمتها في القرآن الكريم، بل ورتّب عليها حداً من حدوده وعقوبة مغلظة، موضحاً أنها أخذ مال الغير خفيةً من غير إخبار وإعلام، وهي من باب أكل أموال الناس بالباطل، والله عز وجل حرَّم أكل أموال الناس بالباطل، فالسرقة مع النصب مع الاختلاس هذا كله حرام على الإنسان ولا يجوز له أن يأخذه.
وأضاف الدكتور محمد عبد الكريم أن السارق مذموم، لأن خُلُق السرقة من الأخلاق المنحطة، كما أن الإسلام بيَّن ألاَّ شفاعة فيها ولو كان السارق شريفاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سرقت المرأة المخزومية: (ويم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد يدها)، ثم أمر صلى الله عليه وسلم بقطع يد تلك المرأة فقُطعت، ثم تابت بعد ذلك، وظهرت توبتها كما ذكر أهل السير تعليقاً على ذلك.
وفي ذات السياق أوضح الدكتور محمد عبد الكريم أنه لعظم هذه الجريمة فصَّل الله تعالى جنس مرتكبيها تفصيلاً جميلاً، حيث قال (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) توضيحاً منه جل شأنه بأن السرقة تقع من المرأة كما تقع من الرجل، وبالتالي يستويان في العقوبة ويُعقابان بنفس العقاب وهو قطع اليد من المعصم، مضيفاً أن الفقهاء قالوا أنه لا يجوز إعطاء السارق يده المقطوعة بعد تنفيذ الحد ليقوم بزراعتها مرة أخرى، لأن هذا يكون مخالفاً للنكال الوارد في الآية، وحتى يكون عظة وعبرة للآخرين، وتكون هذه اليد المقطوعة علامة له وللجرم الذي ارتكبه، ومن تاب تاب الله عليه كما حدث للمرأة المخزومية.
وبسؤاله عن ظاهرة السرقة تحت تهديد السلاح التي انتشرت في السودان هذه الأيام، هل هي جديدة؟ وهل للحكومة الحالية دور ومسؤولية فيها؟
قال الدكتور محمد عبد الكريم أن السرقة موجودة في كل المجتمعات، لأنها حالة ضعف تنتاب الإنسان بالتطلُّع إلى ما في يد الآخرين، دون أن يبذل جهداً أو يقوم بعمل، فهي شيمة البطالين القاعدين، وهي خُلُق يمكن أن يتربى في الإنسان رويداً رويداً منذ نعومة أظفاره إذا لم يجد من يردعه من أهله، ويجب على الأبوين ملاحظة ذلك في أبنائهم وعدم استسهال ذلك مطلقاً، مضيفاً أن السودان من أكثر المجتمعات التي تحرص فيها الأسر على تعظيم قدر الأمانة وحق الآخرين، والسودانيون معروفون بأنهم أكثر الناس حفاظاً على الأمانة والقصص في ذلك كثيرة، ولكن للأسف قلت تلك الأمانة في السودان في السنوات الأخيرة، وعظمت الخيانة.
من ناحية أخرى قال الدكتور محمد عبد الكريم أن السرقة في السودان كانت موجودة في السابق فيما يسمون بالهمباتة أو الذين يفاخرون بالسرقة والنهب، وهي كانت ظاهرة محدودة وغير مقبولة في المجتمع السوداني الذي هو أقل المجتمعات في فنون وأساليب السرقة مما هو موجود في مجتمعات مجاورة لنا.
أما القول بأن هذه الظاهرة ترجع إلى الوضع الحالي في السودان فقط، هذا أمر غير صحيح، فالظاهرة موجودة منذ سنوات بسبب قلة الأمانة، وكون احتجاج مرتكبها بضيق الأوضاع المعيشية وصعوبة الحياة، أو كون منسوبي النظام السابق كانوا يسرقون ويختلسون المال العام وكذا وكذا، لا يعد ذلك مبرراً لارتكابها.
وبسؤاله عن أسباب تفاقم هذه الظاهرة في المجتمع، قال الدكتور محمد عبد الكريم أن الانحدار الخُلُقي يأتي في المرتبة الأولى، أما الحاجة الملجئة للسرقة، فهناك من المجتمعات ما هي أكثر فقراً وعوزاً، ومع ذلك لا تجد هذه الظاهرة متفشية فيها، كما أن ضعف التربية الأخلاقية في الأسر والمدارس والبيئة التي ينشأ فيها الإنسان؛ كالانفصال بين الأم والأب، أو وجود هذه العادة لدى أحد الأبوين، أو بعض الأخوان والأخوات، كل ذلك من الأسباب التي تؤدي لتفشي هذه الظاهرة، أما الحاجة فليست سبباً مبيحاً للسرقة.
وبسؤاله عن هل يختلف سبب السرقة عن كونها وقعت في ظروف عادية أو استثنائية كما حدث في عام الرمادة، قال الدكتور محمد عبد الكريم أن الفقهاء تحدثوا عن إسقاط حد السرقة وهو القطع، ولم يتحدثوا عن إسقاط العقوبة، فالسرقة تبقى سرقة حتى مع الحاجة، مشيراً إلى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أسقط الحد في عام الرمادة بالشبهة الواردة وهي شبهة الحاجة للطعام، ولجأ للتعزير والغرامة المالية لمن يقع منه هذا الأمر (قصة غلمان حاطب ابن أبي بلتعة وسرقتهم لناقة الأعرابي).
من ناحية أخرى قال الدكتور محمد عبد الكريم أنه ليس على من يسرق ليأكل ذنب إذا وصل درجة المخمصة وهي عدم وجود ما يسد به رمقه وجوعته، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة متفشية في الغرب وبصورة كبيرة جداً، وليس كما يروّج أعداء الإسلام والمفتونين من أبنائه بالحضارة الغربية، مشيراً إلى الإحصائيات الضخمة للأموال المنهوبة عن طريق الهكرز والسرقة الإلكترونية والبطاقات الائتمانية، مردفاً أن سجون أمريكا والغرب تعج بآلاف المجرمين من هذا النوع.