تقاريرثقافة

الأدباء السودانيون ..أدوار باذخة في صناعة الاستقلال

كتبت : نجاة حاطط
كان للأدباء والمثقفين دور كبير وبارز في حصول السودان على استقلال مجيد في العام 1956م كصحن الصيني دون (شق أو طق )، ولم يبدأ عمل المثقفين من شعراء وناثرين مقاومتهم للحكم الثنائي في العام 1956 بل سبق ذلك العام جهد كبير بدأ مع طلائع جمعيات القراءة وتمظهرات المثقفين الأبروفيين والشوقيين والفيليين بأمدرمان، وجمعية ود مدني الأدبية، التي أطلق الأستاذ أحمد خير المحامي من منبرها فكرة مؤتمر الخريجين العام، وصالون الشيخ الطيب السراج بعطبرة “مدينة الحديد والنار”.
وتمظهر مع تأسيس جمعية الاتحاد السوداني في 1920م، وبرز إلى حيز الوجود مقاوماً الاحتلال مع ثورة اللواء الأبيض، وكان أعضاء جمعية أبي روف، من خريجي كلية غردون التذكارية، من الذين كان يجمعهم حب القراءة حيث كانوا يجتمعون مرتين في الأسبوع..وقد انتقلت الجمعية من منزل أحد أعضائها إلى مكان أرحب نسبة لتزايد عدد أعضائها.

من مشاعل الوعي برزوا..
معظم الجمعيات الثقافية بدأت مشاعل تنويرية لبث الوعي، وسرعان ما تجاذبتها رياح السياسة ولعل أشهرها جمعية اللواء الأبيض التي كانت عضويتها من المثقفين من صغار الأفندية، وتكونت الجمعية برئاسة علي عبد اللطيف وعضوية كل من عبيد حاج الأمين، وثلاثة آخرين من الكتبة وصغار الموظفين، وهم صالح عبد القادر، وحسن صالح المطبعجي، وحسن شريف. كما ظهر ضمن صفوفها اسم علي أحمد صلاح، وهو من أوئل النقابيين السودانيين، وكان يعمل كاتباً بمخازن فكتوريا في الخرطوم.
وسرعان ما لبست الجمعية ثوب السياسة وأضحت من أهم الكيانات المناوئة للإنجليز، وبرز من بين صفوفها شعراء كبار أمثال خليل فرح صاحب القصائد الشهيرة (عازة في هواك) و(الشرف الباذخ)، وبزغ نجم مبدعي الحركة الوطنية ومنهم الموسيقار إسماعيل عبدالمعين، والفنان حسن خليفة العطبراوي، وظهرت أناشيد المؤتمر (للعلا) للشاعر خضر حمد و (صه يا كنار) للصاغ محمود أبي بكر و(صرخة روت دمي) للشاعر محيي الدين صابر، وعرف علي نور بشاعر المؤتمر.
واشتهرت في أغنيات الكفاح الوطني أغنية (يا غريب يلا لي بلدك) للمهندس يوسف مصطفى التني، وعلا صوت صالح عبدالقادر مجلجلا :
ألا ياهند قولي أو أجيزي                   رجال الشرع أضحوا كالمعيز
ألا ليت اللحى كانت حشيشا            فتعلفها خيول الإنجليز

مؤتمر الخريجين
لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي اضطلع به مؤتمر الخريجين في استقلال السودان، وقد ولد مؤتمر الخريجين من رحم بنات أفكار المثقفين، وقد وثق لهذا القول شاعرهم علي نور الذي أنشد قائلا:

هذي يدي لسماء المجد أرفعها    ****  رمزا يشير الى المستقبل الحسن
لما نرجيه تحت الشمس من وطر ****  وما نفديه بالأرواح من وطن
دقوا البشائر للدنيا بأجمعها         ****  وللعروبة من شام إلى يمن
إنا هممنا وأرهفنا عزائمنا            **** على النهوض بشعب للعلا قمن
الله أكبر هذا الروح أعرفه             ****  إذا تذكرت أيامي ويعرفني
كنا ننميه سرا في جوانحنا          ****  حتى استحال إلى الإجهار والعلن

ولعل الكثيرين لا يعلمون أن مؤتمر الخريجين ولد من رحم الجمعية الأدبية بودمدني، بفكرة من أحمد خير المحامي، ثم تطور الأمر وبدأ الصحفيون في الكتابة عنه مبشرين بدوره الطليعي، وأول ما كُتب عنه، كانت كتابات على صفحات جريدة السودان، ومجلة الفجر، فصادفت الكتابة عن مؤتمر الخريجين هوىً، خاصةً عند رجال المدارس الفكرية، وبعد اجتماعات ومدارسات أقحم المشروع على نادي الخريجين بأمدرمان فبرزت الفكرة في وضعها القائم، كما أشار الأستاذ أحمد خير المحامي في كتابه (كفاح جيل ).

مثقفون في خانة السياسة
يعد الزعيم إسماعيل الأزهري من أبرز المثقفين الذين رمت السياسة بشباكها عليهم فقد بدأ الزعيم إسماعيل الأزهري حياته العملية بمهنة التدريس ورغم دراسته الآداب ثم بعيد ذلك دراسته العلوم الاقتصادية بالجامعة الأميركية ببيروت إلا أنه عمل مدرسا للرياضيات بكلية غردون.. ولعل حادثة صغيرة ذكرها الكاتب مصطفى محمد الحسن في كتابه (أسرار الزعامة) هي التي غيرت مسار الرجل وأدخلت رجله إلى درب السياسة، وذلك عندما ذهب برفقة جده ضمن وفد السودان في عام 1919 إلى بريطانيا وكان عمره وقتذاك ثمانية عشر عاما فقط وكانت مهمته الأساسية الترجمة فسمع مدير المراسم يقول لكبير الطباخين (أعد الطعام بالطريقة كذا؛ لأن هؤلاء السودانيين كالكلاب يأكلون العظم واللحم معا!) وكانت هذه المقولة الشرارة التي جعلته ينطلق لتخليص شعبه من وطأة المستعمر.
ومن المثقفين البارزين الذين ولدوا من رحم جمعية أبي روف الثقافية الشاعر خضر حمد، الذي كان يكتب عمودا في جريدة ’’السودان‘‘ وكثيرا ما كان ينتقد فيه أوضاع الحكم الثنائي، بالرغم من وجود الرقابة على الصحف، ثم سرعان ما انضم لمؤتمر الخريجين وكان من دعائمه وتقلد منصب وزير دولة بوزارة الري والقوة الكهربائية في أول حكومة وطنية وكان عضواً بمجلس السيادة في عهد الديمقراطية الثانية.

مولد أحزاب من رحم الثقافة
يعتبر حزب الأشقاء من أبرز الأحزاب التي ولدت من رحم الثقافة وهو حزب تأسس في الفترة من (1943 -1953) وكان أعضاوه مجموعة من الشباب المثقف الذي كان يندرج في تنظيم ’’جمعية القراءة‘‘ بحي سوق أمدرمان، وتعتبر ’’جمعية القراءة‘‘ إحدى المدارس الفكرية بأمدرمان آنذاك وقد كان من ضمن أعضائها الزعيم إسماعيل الأزهري، وضم حزب الأشقاء كلّاً من يحيى الفضلي، ومحمود الفضلي، وأحمد محمد يس، وحسن محمد يس، وإبراهيم جبريل، وحسن عوض الله، وعلي حامد، وإمام المحسي، ومحمد عبدالحليم العتباني.

صالونات أدبية في مضمار التنوير
وعند الحديث عن الثقافة والمثقفين الذين كان لهم دورهم الداعم لخط الاستقلال وتنوير الجماهير لابد لنا أن نتحدث عن صالونات أدبية شهيرة كان لها أبلغ الأثر في بث الوعي وتنوير العامة، ومن هذه الصالونات صالون الشيخ الطيب السراج وهو من أعرق الصالونات الأدبية في السودان ففي ظل حقبة الحكم الثنائي الإنجليزي المصري وفي العشرينيات من القرن الماضي انعقد الصالون في عطبرة ’’مدينة الحديد والنار‘‘، ثم انتقل إلى أم درمان، العاصمة الوطنية، منافحا عن الهوية العربية الإسلامية التي حاربها الاحتلال وقد اجتمع فيه الأدباء من رجال الحركة الوطنية أمثال :خضرحمد والكد والغول ..واشتهر من تلامذة السراجي: محمد عبدالقادر كرف، وبابكر أحمد موسى ومختار محمد مختار، ومحمد صالح فهمي، ومن الساسة الإمام الصادق المهدي.. وجلس بين يدي السراج عبد الله الطيب ، محمد محمد علي، ومحمد المهدي المجذوب.
ومن ثم خرجت ندوة (لسان العرب) الشهيرة من رحم صالون الشيخ الطيب السراج والتي كان يعقدها نجله الأديب فراج الطيب أسبوعيا كل يوم جمعة.

نساء واعيات
ولم تتخلف المرأة وقتذاك عن شقيقها الرجل في رحلة الأدب والثقافة وقد كان لها دورها المتعاظم في رحلة الانعتاق من نير الاحتلال البغيض، فبدأت النساء المتعلمات في تثقيف أخواتهن وتوعيتهن في صالونات ثقافية أشبه ما تكون بالصالونات الثقافية عند الرجال، ومن هنا ولدت رابطة الفتيات المثقفات والتي تعتبر من أشهر الصالونات النسائية التي عرفتها الحركة الثقافية، ومنها صالون (رابطة الفتيات المثقفات) وهدفت الرابطة إلى تعليم النساء اللائى لم ينلن حظا من التعليم كما عمدت إلى إرشاد النساء وتوعيتهن كما كان لها دور توعوي من خلال مكتبة الرابطة الزاخرة، بالإضافة إلى إسهامها في بذل المعرفة من خلال النشر في الصحف اليومية ومن مؤسسات هذا الصالون: د.خالدة زاهر، فاطمة طالب، زينب الفاتح البدوي، عزيزة مكي أزرق؛ وذروى سركسيان وغيرهن.

صف واحد
قبيل إعلان الاستقلال كان المثقفون من الأدباء والشعراء في صف واحد، يعملون من أجل هدف واحد وهو أن يستقل السودان. بل منهم من اعتبر المعهد العلمي بأمدرمان قلعة للمواجهة في مجابهة المستعمر ومؤسساته الرسمية التعليمية، ومنها التعليم الأجنبي مدارسه، ومعاهده وبعثاته وإرسالياته.
ما بخش مدرسة المبشر
عندي معهد وطني العزيز

مثقفو اليوم
الآن وبعد خمسة وستين عاما من الحكم الوطني يختلف حال المثقفين كثيراً عن الأمس، فقد تشرذموا بعد وحدة، وفرقت بينهم السياسة، فصار كل حزب بما لديهم فرحون، وظهرت على نطاق الكيانات الكبيرة والتي يستظل تحت لوائها الأدباء بمختلف أشكال الإبداع نحو خمسة كيانات هي: الاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين، واتحاد الكتاب السودانيين، واتحاد الأدباء السودانيين، والاتحاد القومي للأدباء والكتاب السودانيين، ورابطة الكتّاب السودانيين، وعلى ذلك فقس.. بقية الكيانات الثقافية تحركها الأيدلوجيات ولا يوحد بين منتسبيها الإبداع الذي يروي عروقهم.

أسئلة ثقافية
في سياق إجابته لـ”شبكة الطابية الأخبارية” أشار الناقد أبوعاقلة إدريس إلى أن أسئلة السودان في تاريخه المعاصر، أسئلة ثقافية قبل أن تكون أسئلة سياسية، ممثلا بقضايا الهوية والتنوع الثقافي، وقضايا الأنا والآخر، وقضايا التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية، حتى لايكون هناك مركز غالب يستأثر بالثروة والسلطة على حساب هامش مغلوب.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى