القطب الاتحادي عمر حضرة ’’خزانة أسرار سياسية‘‘.. في إفادات تاريخية مثيرة للطابية – ج١:
حاوره: حسن عبد الحميد
عمنا السياسي المخضرم والوزير السابق والقيادي الاتحادي عمر الشيخ إدريس حضرة يُعتبر من خزانات الأسرار السياسية بمعايشته ومشاهدته ومشاركته في كثير من الأحداث السياسية بالسودان، وهو يتمتع بذاكرة قوية ـ ماشاء الله ـ مع أنه قد تجاوز الخامسة والثمانين من عمره، فهو يستحضر الأحداث السياسية بصورة واضحة، ويؤكد أنه يمتلك من الوثائق عن الحركة الاتحادية ما لا يملكه شخص آخر، جلسنا إليه لساعات طويلة لأكثر من جلسة بمنزله العامر بشمبات نسترجع معه الذكريات السياسية، ومنزله العامر عبارة عن متحف مصور للأحداث السياسية إذ يحتفظ على جدران صالونه بصور معظم السياسيين السودانيين ومعظم رجالات الطرق الصوفية، بالإضافة إلى امتلاكه صناديق للأوراق بها عدد من الوثائق الهامة، وهو يعتزم كتابة تاريخ الحركة الاتحادية، وإذا تمكن من ذلك بإذن الله فسيرفد المكتبة السياسية بسفر قيم يؤرخ لحزب الحركة الوطنية، وهو أجدر بذلك بحكم الوثائق التي يمتلكها، وبحكم المناصب السياسية والتنفيذية والحزبية التي تقلدها، ونسأل الله أن يوفقه في كتابة هذا الجزء المهم من تاريخ الحركة السياسية في السودان، وأن يكون ذلك تحريضا لمن شهدوا تلك الفترة للكتابة أو توثيق شهاداتهم لمن يصوغ تلك الشهادات في حوار أو كتاب..
رغم عدد الساعات التي جلسناها مع عمنا المخضرم القيادي الاتحادي عمر حضرة إلا أننا نعتقد أن ما خرجنا به لا يعدو أن يكون نزراً يسيراً مما يختزنه الرجل في ذاكرته وفي صناديق وثائقه.. وسنحاول أن نعبر سريعا خضم الأحداث التي عاصرها وكان شاهدا عليها لنلتقط بعض المشاهد، وتبقى مسؤولية المعاصرين لتلك الأحداث، والمؤرخين لإكمال الثغرات في تاريخنا السياسي المعاصر.
•يوم 25 مايو1969م حين قاد العقيد جعفر نميري انقلابا ضد الحكومة فيما عرف بانقلاب مايو، أين كنت في ذلك الوقت؟ وكيف تصرفتم؟
كنت أعمل في مكتب وزير الإعلام عبد الماجد أبو حسبو، ويوم انقلاب مايو يوم 25 مايو 1969م ذهبت إلى عبد الماجد أبو حسبو في منزله
كنا نطبع منشورات ضد نظام ’’مايو‘‘ في منزل سكرتير أحد قيادات مجلس قيادة الثورة.
بالخرطوم، ووجدت معه بعض الضيوف، فطلب مني ابو حسبو أن أصل إلى وزارة الإعلام وأحضر أوراقه الخاصة، والدفتر السري للوزارة من خزينة الوزارة، فذهبت للوزارة ومعي الأستاذ حلمي عباس، وهو مدير المكتب، وكان من أبناء الأنصار وقريب للسيد الهادي المهدي، فقال لي لنأتي بالسائق كشاهد عند فتحنا للخزينة، وفعلا أتينا بالسائق وفتحنا الخزنة ثلاثتنا، ووجدت الدفتر السري للوزارة ولم نجد أموالاً بالخزينة.
•كيف لا توجد أموال في الخزينة؟ أين أموال الوزارة؟
عبد الماجد ابو حسبو رجل نزيه، وهذه شهادتي للتاريخ، وقبل أن يكون وزيرا للإعلام كان وزيرا للأشغال، وتكلم الناس عن ذمته المالية، وكان أبو حسبو يحتفظ بكل أموال وزارة المالية في خزينة الدولة لا خزينة وزارة الإعلام، وحتى الأموال التي كانت تأتيه بصورة خاصة لينفق منها على الفنانين مثلا وعلى غيرهم من أهل الثقافة، كان يضعها في خزينة الدولة ثم يسحبها بصورة رسمية وبإذن صرف، وفي ذات مرة وهب له سرور رملي بصورة خاصة ألفين جنيه ـ وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الوقت ـ ووضعه تحت تصرفه ليصرف منه، فقام أبو حسبو بإيداعه في خزينة الدولة، وحتى الأموال التي جاءته بصورة خاصة صرف منها على زيارة أم كلثوم الشهيرة للسودان عندما كان أبو حسبو وزيراً للثقافة والإعلام.
•ماذا فعلت بالدفتر السري بعد أن أخذته من وزارة الإعلام؟
أخذت الدفتر، ووقعنا على استلامه مدير المكتب، والسائق، وأنا، ثم قفلت عائدا إلى أبو حسبو بمنزله بالخرطوم، ووجدته قد تم اعتقاله، فحملت هذا الدفتر وعدت به إلى بيتي ولم أسلمه لأي شخص.
•كيف تعامل قادة الاتحاديين مع الانقلاب؟
يوم 25 مايو 1969م في الثانية صباحا كان الشريف حسين الهندي في المنزل الحكومي بالخرطوم، وشعر بحركة في الباب، واستفسر خفير المنزل فقال له أحدهم يريد أن يقابلك لكني منعته، فقال له اسمح له بالدخول، فدخل عليه رجل اسمه محمد أحمد الفونس، وقال للشريف حسين أن هناك دبابات في الشارع وأشعر أن البلد فيها
ليلة 25 مايو 1969م كان الشريف حسين الهندي عائداً من سهرة مع شقيق نائب رئيس مجلس قيادة ثورة مايو.
انقلاب، وكان الشريف حسين عائدا من صديقه مصطفى عوض الله شقيق بابكر عوض الله نائب رئيس مجلس قيادة ثورة مايو، فقال الشريف حسين للفونس هل تخاف؟، قال: له لا!.. قال له إذن خذني إلى مدني، وفعلا اصطحب الفونس الشريف حسين بسيارته إلى مدني حيث قصد منزل أحمد دهب المحامي وهو من عائلة اتحادية، ثم أرسل إلى قيادات اتحادية في مدني، وتشاوروا، ثم ذهبوا بالشريف حسين إلى مزرعة عباس كنين.
•ماذا حدث في الأيام القليلة التالية وهي أيام حاسمة عادة في الانقلابات؟
بعد ثلاثة أيام من استقراره في المزرعة، أصر الشريف حسين أن يعود للخرطوم رغم المحاذير والأخطار التي تحيط به، وفعلا استقل عربة لاندروفر وعاد إلى الخرطوم وذهب مباشرة إلى حسن حامد في بيت العمدة محمود في الموردة،
كانت الإذاعة في ’’مايو‘‘ تبث ’’طلب القبض‘‘ على الشريف حسين الهندي بينما كان هو يتجول بسيارة في الخرطوم وأم درمان.
وكانت الإذاعة توالي نداءاتها بضرورة التبليغ عن الشريف حسين الهندي والرشيد الطاهر، والتقي الشريف حسين في الموردة ببعض القيادات الاتحادية، ثم ذهب إلى منزل السيد محمد عثمان الميرغني في الخرطوم (2)، ثم ذهب إلى حيث يختفي الرشيد الطاهر، وطلب منه تسليم نفسه، ثم عاد إلى الجزيرة في نفس اليوم.
•هل استقر كثيرا في الجزيرة؟
فكر الشريف حسين أن يخرج من الجزيرة، واختار أن يذهب (الجزيرة أبا) إلى صديقه الإمام الهادي المهدي، وهو زميل دراسة له في كلية فكتوريا، فاستدعى الشريف حسين الريح النور، وأولاد الحميد، وهم من منطقة الحوش، وطلب من الريح أن يقوده للجزيرة أبا، وفعلا ذهبا للجزيرة أبا، ووجدها في حراسة شديدة من الأنصار، والإمام الهادي رحب بالشريف حسين ترحيبا حارا، وهيأ له سكنا خاصا، ومنذ ذلك الوقت تكونت الجبهة الوطنية المعارضة لنظام مايو، وفي الجزيرة أبا وجد الشريف حسين كل من الشيخ محمد صادق الكاروري، والدكتور محمد صالح عمر وهما من قيادات الإخوان المسلمين.
•كيف كانت تحركات الشريف حسين ضد مايو بعد ذلك؟
بعد الجزيرة أبا تحرك الشريف حسين الهندي إلى إثيوبيا حيث نزل في ضيافة الامبراطور هيلا سلاسي، الذي أكرم مثواه، والإمبراطور هيلا سلاسي عندما كان منفيا في الخرطوم، كان ضيفاً على الشريف يوسف الهندي والد الشريف حسين الهندي، وكان الشريف حسين الهندي يقوم بخدمة الإمبراطور هيلا سلاسي، ومن هناك واصل الشريف حسين الهندي المقاومة لنظام مايو، حيث أرسل السلاح إلى الجزيرة أبا بواسطة أحمد سعد عمر، ومهدي إبراهيم، وهما من شباب الإخوان المسلمين حينها، ثم انتقل الشريف حسين الهندي من إثيوبيا إلى السعودية حيث كان هناك أحمد عبد الرحمن، ومهدي إبراهيم وهما من قيادات الإخوان المسلمين، وتواصلت المواجهات من هناك لنظام مايو عبر الجبهة الوطنية.
•تواصلت المواجهات مع نظام نميري، والمرحلة التالية المثيرة في المواجهة مع نظام نميري كانت ثورة شعبان 1973م حيث قاد اتحاد طلاب جامعة الخرطوم مواجهة شرسة مع نظام مايو، أين كنت من هذه المواجهات؟ وما هو دورك؟
قبيل مواجهات شعبان جاءنا حسن مكي السكرتير الثقافي لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم في منزل بشمبات، وكان قد طلب الاجتماع بقيادات الاتحاديين، فدعوت له كل من حاج مضوي،
قال لنا حسن مكي ’’نريد أن نورطكم يا اتحاديين‘‘ فقال له حاج مضوي ’’ونحن مستعدون‘‘.
وحسن حمد، ومحي الدين عثمان، وعبد المنعم الطاهر، وفي الاجتماع حسن مكي قال لنا ’’نريد أن نورطكم أيها الاتحاديين‘‘، وحكى عن الاجتماعات التي تمت في دار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، وحاج مضوي رحب بالموضوع، وفعلا شاركنا كاتحاديين في ثورة شعبان، وقد شارك الحاج مضوي في ندوة اتحاد الطلاب الشهيرة مع زكريا بشير إمام وآخرين، واعتقل بعدها.
•هل شاركتم في المظاهرات والمواكب التي أشعلتها شعبان ضد نظام مايو؟
طبعا شاركنا، الندوة كانت يوم سبت، ثم كان هناك تحرك من الميدان الشرقي، وكنت أمتلك مكتباً في وسط الخرطوم نستغله في عمل المعارضة، وأذكر أننا جئنا بقماش لنكتب عليه شعارات، ولكننا لم نجد ما نكتب به، فذهبنا إلى محل جزار، وكتبنا
في (شعبان) لم نجد ما نكتب به الشعارات على اللافتة فكتبناها بالدم.
شعارات على قطعة القماش بالدم، وعندما تحرك الموكب من الميدان الشرقي شاركنا فيه كقيادات اتحادية، وكان جهاز الأمن يطارد أعضاء اللجنة الأربعينية لاتحاد الطلاب، وبعض الاجتماعات مع أعضاء الاتحاد كانت تتم في عربتي، وأذكر منهم بشير آدم رحمه، وحسن مكي، وأحمد عثمان مكي، وبرشم.. وغيرهم.
وكنا نعقد اجتماعات في منزلي بشمبات، وكان يأتينا في هذه الاجتماعات الشيخ علي عبد الرحمن، الذي كان ضريراً في ذلك الوقت، وكانوا يقودونه لحضور الاجتماعات.
•خارج الطلاب أيضا اشتدت المعارضة لنظام مايو، فكيف كانت تحركاتكم في المعارضة خارج الطلاب؟
أذكر مرة جاءنا شخص اسمه محمد إبراهيم من نقابة المخازن والمهمات، وكان يحمل مسودة منشور سياسي، وقال لنا حاولوا أن تطبعوه بسرعة لأننا قررنا غدا أن نقود إضرابا ومسيرة ضد نظام مايو، وكانت آلات الطباعة في الجريف غرب عند أخ اسمه عبد المنعم المهل، والمهل هذا كان سكرتيراً لمكتب أبو القاسم محمد إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة وأبرز قادة انقلاب مايو، ومع ذلك كنا نطبع في منزله كل المنشورات ضد نظام مايو، ومرة جاء لنا الإخوان المسلمون بسائق تاكسي، وقالوا لنا اعطوا المنشورات لهذ
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس