الثورة السودانية.. ثورة ’’لا وعي‘‘!!

د.الفاتح عبد الرحمن
منذ انطلاقة ثورة أبريل السودانية من العام الماضي والكل يتبارى في مدحها ووصفها بأجمل النعوت والصفات!!.. كيف لا وهي التي اندلعت على يد أعظم الشعوب على وجه الأرض، أو هكذا أُريد لها أن تكون في أنظار القاصي قبل الداني!!..
ولكن شيئاً فشيئاً وبعد انقشاع الغبار وسكون الجَلَبَة، تبيّن أن الثورة عظيمة بالفعل، لاقتلاعها نظاماً جثم على صدور السودانيين وضرب ظهورهم وأخذ أموالهم طيلة ثلاثين سنة!..ولكن من قام بها أو امتطى ظهرها أراد توجيه وعي الشعب ليصب في خانة واحدة فقط وهي؛ الإقصاء بكل صوره وأشكاله لكل ما هو إسلامي أو يمت للإسلام بصلة، بدعوى العلاقة المباشرة بالنظام القديم، وإن كان ذلك إيماناً راسخاً بثوابت إسلامية استقرت في النفوس واطمأنت لها القلوب!..ومن هنا بدأ ’’اللا وعي‘‘، وسلّم الشعب (أو السواد الأعظم) منه مختاراً طائعاً ناصيته لحكومة قحت توجهه كيف ومتى تشاء ممنيّةً إياه بسودان جميل عظيم ترفرف فيه الحريات قبل الحقوق والواجبات، ويرفل في أثواب السعادة والرفاه بعد العناء والمشقة!!.
ولكن هيهات، فالحال يمضي من سيئٍ إلى أسوأ على كافة الأصعدة والمجالات!.. فلا حرية نالها هذا الشعب المسكين، ولا أمن أو سلام تحقق له في عقر داره فضلاً عن خارجها، ولا عدالة تطمئن لها نفسه وتسكن لها روحه وهو يرى هذا الظلم والضيم الكبيرين الذين يلحقا به صباح مساء.
ومنذ الوهلة الأولى انتبهت قحت لضرورة ’’تغييب وعي‘‘ الشعب وإعادة صياغته بما يتوافق وهواها، أو قل أجندتها الباطنة، واستغلت كُره السودانيين للنظام السابق، لتسهل عليها هذه المهمة، وتمرر كل ما تريد تمريره بكل سهولة ويسر، وبدأت (الشيطنة) والوصم لكل من يناهضها بأنه ضد الثورة ويجب إقصاؤه بأي طريقة، وإن كانت منافية لأخلاقيات الصراع السياسي التي تدّعي أنها تتبنّاها وهي أبعد ما تكون عنها.
وبدأ استلاب وعي الشعب لتنفيذ مخططها اللعين، فلا قداسة لشيء طالما كان متبنّيه في معسكر الشيطان أو الكيزان (حسب وصفها)، وانقاد الشعب طائعاً مختاراً، بل ومعيناً لها في أحايين كثيرة دون وعي، حتى وصل الأمر ببعض شباب الثورة (وهم جزء من الشعب بلا شك) لمحاولة منع المصلين من الصلاة في المساجد عنوةً واقتداراً أيام الإغلاق الأول بسبب جائحة الكورونا على الرغم مما في الأمر من سعة طالما اتخذت الإجراءات الاحترازية!.. بل وتطور الأمر لاقتحام بعض ممن يسمون، أو أسمتهم قحت، بـ (لجان المقاومة)، لبعض الناس بيوتهم على ما في ذلك من حُرمة وانتهاك لخصوصية المسلم، بدعوى أنهم (كيزان) يخططون لإجهاض ثورتهم المجيدة، هذا فضلاً عن الهرج والمرج الذي كاد أن يصل لمرحلة إزهاق الأرواح في صالة (قرطبة) عندما هاجمت ذات اللجان اجتماعاً لبعض منسوبي المؤتمر الشعبي، بغض النظر عن توجهه أو مخرجاته، فمجرد الهجوم في حد ذاته جريمة تستوجب المساءلة والعقاب، ولكن طالما زُيِّنت لهؤلاء الشباب فعلتهم هذه، فذلك هو اللاوعي بعينه.
ويتكرر ’’اللا وعي‘‘ الذي يُقاد به هذا الشعب المغلوب على أمره في مناسبات كثيرة، فها هو المتحدث باسم لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد يخرج بين الفينة والأخرى ليجدد جرعة ’’اللا وعي‘‘ قبل نفاذ مفعولها بما يسميه ضبط ووضع يد لجنته الوهمية على ملفات فساد حصيلتها ملايين الدولارات وآلاف الهكتارات من الأراضي لبعض منسوبي الحزب المنحل (المؤتمر الوطني)، ولكن أين هي هذه الثروات الطائلة على أرض الواقع، فذاك هو السؤال الذي لا توجد له إجابة حتى الآن!.. حتى ممن يُساقون بلا وعي من مؤيدي قحت بلا وعي أيضاً.
وبين ’’لا وعي‘‘ و’’لا وعي‘‘ ثمة ملفات وقضايا ومحطات كثيرة تقود بها قحت مؤيديها لتكسب ولائهم لأطول فترة ممكنة، فتارةً تفتح ملف المناهج التعليمية لتغييرها تغييراً جذرياً يتوافق والأنظمة الغربية التي تقوم بهذا الأمر بوعي وأسس مدروسة، ولكن عندما يكون الأمر متعلقاً بالشعوب اللا واعية، فيجب تطبيق نسخاً مغايرة تماماً لما عندها، مستعملةً في ذلك عملائها من الأنظمة الفاسدة الخائنة، وسذاجة ولا وعي الشعوب المغلوبة على أمرها.
وتارةً تسوق الشعب سوقاً للتطبيع مع اليهود أو الرضا بتعديلات قانونية يُراد بها تغيير هُوية هذا البلد الإسلامية، ومرةً ثالثة تسعى لمراجعة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لرجعيته وتخلفه عن ركب العالم (حسب اعتقادها)، مشكّلة لذلك لجنة من الفاسدين ومقطوعي الصلة بجوهر الأمر.
ومرةً رابعة وخامسة وسادسة تسعى وتعمل هذه الحكومة على تغيير كل الثوابت وإحلال المتناقضات ومثار الخلاف محلها، يساعدها في ذلك ’’لا وعي‘‘ شعب ظن أنه قد بلغ قمة الوعي.