مقالات

عَنِ الدِّين! (2-3)

معتز الأمين حسن

تمكّنَ الفكرُ الشيوعيّ من الوصول إلى الحُكم في بعض الدول، مثل روسيا و دول شرق أوروبا بالإضافة إلى الصين، وهي الأيديولوجية التي لم تسعَ إلى تحجيم دور الدين أو فصله فحسب، بل رفضت المبدأ ذاته، وعادى الدين بصورة واضحة، حيث ثم النظر إليه كونه معوّقا رئيسيا أمام الطبقة العاملة لكي تنتفض وتفاوض بحقوقها في مواجهة الطبقة الرأسمالية المُستبِدّة، وظهرت مقولة :” الدِّين أفيون الشعوب” (Die Religion… ist das opium des volkes) وفقا لكارل ماركس، فإن الدين هو االذي أرغم الفقراء على القَبول بواقعهم البائس، والرضا بالأمر الواقع باعتباره ” ابتلاء” أو قدراً حتميّاً من واجب الفرد المؤمن تقبُّلَه والصبر عليه.
وتُعَدُّ مقولة ماركس حجر الزّاوية التي تأسَّست عليها الدُّول الشّيوعيّة وكنتاج عملي لهذه الرؤية المتطرِّفة، سعى الاتحاد السوفييتي والصين على مدار عقود إلى إغلاق أو هدم كل مؤسسات العبادة، وإزالة كل الرموز الدينية من المجال العام، بل وفي بعض الحالات من المجال الفردي.
وتأسس مفهوم “العلمانية” (Secularism) مرة أخرى مع إعادة بناء الدولة في أوروبا مع نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، حيث استقرّ على فصل دور “الدِّين” بعيداً عن الحياة العامة، وعن السياسة بالطبع، وأصبح مفهوم العلمانية ملازما لمفهوم التحديث، بينما نُظِرَ إلى الدين في المقابل باعتباره مفهوما يشير ضمنيا إلى التقليدية والرجعية.
ووفقا للعلمانية ومنظورها، فإن المجتمع الحديث يلبِّي احتياجات الفرد المادية والمعنوية كافة، فهو ليس في حاجة لِلِّجوء للدّين، حيث يوفر التعليم للفرد المعرفة المنطقية المستندة إلى العلوم البحتة، والتي تنتفي معها الحاجة إلى البحث عن إجابات من خلال الدين، وبالتالي افترضت العلمانية أن الدين سوف ينكمش تدريجيا ويتوارى بصورة تلقائية، فهي وإن لم تَستعدِ الدين أو تهاجمه مباشرة، إلا أنها افترضت اختفاءه.
ولم تصمد الأفكار المناوئة للدين طويلا، فما لبثت أن انهارت الشيوعية في الاتحاد السوفييتي، ليستعيد الدين مكانته من جديد، بل ويتم الآن الاستناد إليه باعتباره من ركائز الهُوُيَّة الوطنية للدول التي خرجت من رحم الاتحاد السوفييتي. وحتى في الصين، التي تمكّنت من الحفاظ على الشيوعية، كنظام للحُكم، ومازالت تحرص على حظر الدين، اضطرت الحكومة الصينية إلى إرخاء القيود التي فرضتها عليه، وسعت لمحاولة تقنينه، في إخفاق بَيِّنٍ لسياساتها الرامية لإقصاء الدين.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى