تقاريرتقارير

مجلس شركاء الانتقالية.. العقدة في المنشار

حسن عبد الحميد

أوائل الشهر الحالي ديسمبر 2020م أصدر الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة القرار رقم (511) لسنة 2020م بتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، الذي ضم تسعة وعشرين عضوا، وضم في عضويته عساكر من مجلس السيادة، ورئيس الوزراء، وقادة الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وأعضاء من قوى الحرية والتغيير.
ولكن المفاجأة أن مجلس الوزراء قد أصدر بيانا يوم الجمعة الرابع من ديسمبر 2020م يعلن فيه عدم قبوله بمجلس شركاء الفترة الانتقالية، ويكشف عن خمس مخالفات بخصوص تشكيل المجلس، منها أن ما تم الاتفاق عليه لا ينطبق على اختصاصات مجلس شركاء الفترة الانتقالية المنصوص عليها في قرار رئيس مجلس السيادة، وأن ملاحظات رئيس الوزراء لم يؤخذ بها، وأن اختصاصات المجلس تعطي الانطباع بأنه سيكون وصيا على الأجهزة المختلفة مما يتعارض مع الوثيقة الدستورية، وأن المجلس لم يعطي أي اعتبار لمكونات المرأة والشباب، وأن سلطات الرقابة هي سلطات حصرية للمجلس التشريعي.
وفي سياق ذي صلة أصدر تجمع المهنيين بياناً رفض فيه مجلس شركاء الفترة الانتقالية، واعتبره التفافا على آليات مراقبة وتوجيه الفترة الانتقالية، ومواصلة لمنهج فرض ترتيبات منافية لروح الثورة، وفي تصريحات صحفية اعتبرت عضو مجلس السيادة عائشة موسى أن تكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية انقلابا صريحا على أجهزة الدولة المدنية وتمهيدا لاستبدال المجلس السيادي بمجلس الشركاء.
ولكن تقارير صحفية أيضا أشارت إلى أن رئيس الوزراء حمدوك ومجلس وزرائه قد وافقوا على تعديلات الوثيقة الدستورية في جلسة مشتركة مع مجلس السيادة، وأثبت التعديل في الصحيفة الرسمية الصادرة عن وزارة العدل يوم 2 نوفمبر 2020م، والمادة (80) التي تمت إضافتها للوثيقة الدستورية تقرأ كالتالي (ينشأ مجلس يُسمَّى مجلس شركاء الفترة الانتقالية، تمثل فيه أطراف الاتفاق السياسي في الوثيقة الدستورية، ورئيس الوزراء وأطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، يختص بحل التباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة، وخدمة المصالح العليا للسودان، وضمان نجاح الفترة الانتقالية، ويكون لمجلس شركاء الفترة الانتقالية الحق في إصدار اللوائح التي تنظم أعماله).
وبناء على ذلك يصبح اعتراض مجلس الوزراء ورفضه لمجلس شركاء الفترة الانتقالية، بهيأته الحالية، غير ذي معنى بعد أن وافق عليه مسبقاً.
وتثور أسئلة حول مصير مجلس السيادة بعد تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، ففي حين تذهب عضو مجلس السيادة عائشة موسى إلى أن مجلس الشركاء بديل لمجلس السيادة في التصريح المثبت آنفاً، يذهب آخرون إلى أن مجلس السيادة باقٍ، وأن مجلس الشركاء جسم سياسي لضم الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام. وبناء على هذا الاتجاه، فإن مجلس شركاء الفترة الانتقالية، ييدو بديلاً للحرية والتغيير الحاضنة السياسية القديمة، وليس بديلا لمجلس السيادة، فهو إذن إعلان عن تكوين حاضنة سياسية جديدة، وهو جسم سياسي، وليس دستوريا ولا تنفيذيا، ولاعلاقة له بأجهزة الدولة، ولا يحق له إصدار قرارات تنفيذية.
وأيا كانت الحقيقة؛ فإن المؤكد أن الحاضنة السياسية، القديمة المتمثلة في قوى إعلان الحرية والتغيير قد تجاوزها الزمن، وهي نفسها قد تضعضعت كثيراً بعد انسحاب الشيوعيين، وسبقه تجميد حزب الأمة عضويته، وحيرة الأحزاب القومية من ناصريين وبعثيين بعد إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويبدو أن التحليل الذي يذهب إلى أن مجلس شركاء الفترة الانتقالية هو بديل للحاضنة السياسية صحيح إلى حد كبير.
الملاحظة الأخرى أن مجلس شركاء الفترة الانتقالية يشكل فيه العسكر أغلبية، فمجلس شركاء الفترة الانتقالية يتكون من تسعة وعشرين عضوا، فإذا كان به ستة عساكر من مجلس السيادة، وإذا اعتبرنا أن قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا في مجلس الشركاء هم عساكر بصورة أو بأخرى، وعددهم تسعة، سيرتفع عدد العساكر إلى خمسة عشر، وإذا أضفنا إليهم فضل الله برمة ناصر، وهو عسكري أيضا وممثل لحزب الأمة، أصبحت الغلبة للعساكر بأكثر من النصف.
والواضح أن واقعاً سياسياً جديداً سينشأ بتحالف العسكر مع قادة الحركات الموقعة على سلام جوبا، وتصبح بعد ذلك قوى إعلان الحرية والتغيير أقلية في الحكومة، تمهيدا لنشوء واقع سياسي جديد يختلف عن الفترة الماضية جملة وتفصيلا.
وبيان مجلس الوزراء الرافض لتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، يضاف إليه بيان تجمع المهنيين، وبعض القوى الأخرى المعارضة أصلا لهذا التشكيل كالشيوعيين مثلاً، كل ذلك يشير إلى أزمة سياسية قادمة، ويكشف عن احتقان سياسي، يتوقف المخرج منه على تعامل أطراف العملية السياسية مع تطورات العملية السياسية في السودان، لكن العنوان الأبرز فيها تضعضع سلطان قوى الحرية والتغيير وفقدانها لكثير من الأراضي التي اكتسبتها في الفترة الماضية، ونشوء تحالف جديد قوامه العسكر وقادة الحركات المسلحة.. وقد يضاف إليه آخرون.

 

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى