الشيخ د. محمد عبد الكريم: الاحتساب المجتمعي ينبغي ألا ينقطع
تقرير: د. الفاتح عبد الرحمن
ثمّن الدكتور محمد عبد الكريم الشيخ رئيس تيار نصرة الشريعة ودولة القانون، ما قام به مواطنو حي العمارات شارع 59 بالخرطوم من استنكار لما قيل أنها ممارسات غير أخلاقية ببهض المقاهي الليلية التي يديرها أجانب هناك، مما أدّى لإغلاق أحدها، مطالبين بعدم فتحه مرة أخرى.
جاء ذلك ضمن برنامج الدين والحياة الذي تبثه قناة طيبة الفضائية في الحلقة التي حملت عنوان الاحتساب المجتمعي، حيث أوضح أن الاحتساب لا ينبغي أن ينقطع عن المجتمع أبداً، وهو مهمة الدولة بالدرجة الأولى، لأنه منصب وظيفي تضعه الدولة وتنصّب عليه شخصاً معيّناً يقوم بدور الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وهذا الواجب لا يسقط حتى وإن غابت الدولة عن القيام به.
إلى ذلك أوضح الدكتور عبد الكريم أن كل نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي دليل على مشروعية الاحتساب، حيث قال المولى عز وجل (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وقال أيضاً (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).
وبسؤاله عن ماهية الاحتساب هل هو فرض عين أم فرض كفاية، قال الدكتور محمد عبد الكريم إن الأصل فيه أنه فرض كفاية لإزالة المنكر الذي متى ما تمت إزالته بواسطة البعض، سقط الإثم عن الباقين، وإلا فإن الإثم سيطال الجميع.
وقال الدكتور عبد الكريم إن قانون النظام العام الذي كان موجوداً في عهد النظام السابق على ما فيه من قصور وملاحظات، إلا أنه كان ضابطاً للشارع العام بصورة كبيرة، لذا فإن الفراغ الذي خلّفه إلغاء هذا القانون، جعل أصحاب الأهواء والأجندة الخفية من اليساريين والملاحدة، يصوّبون سهامهم بشكل مركّز على مسألة الانحلال الأخلاقي بصوره وأشكاله المختلفة.
أما فيما يتعلق بالعلاقة بين الاحتساب والإيمان، ذكر الدكتور محمد عبد الكريم أن جميع النصوص التي جاءت في الاحتساب، قُدّم فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وهما أساس الاحتساب) على الإيمان، فشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي شعيرة تامة كاملة تأتي على كل مناحي الدين.
وبسؤاله عن الاحتساب مقابل الأجر، أوضح الدكتور عبد الكريم أن التطور الذي حدث في أجهزة الدولة الإسلامية باستحداث الدواوين أو الوزارات والتي من ضمنها ديوان الاحتساب الذي يقوم عليه وزير معني بذلك، ولكن هذه المسألة تلاشت للأسف مع طغيان العلمانية وذهاب مفهوم الدولة الإسلامية في وظائفها الشرعية التي تقوم بها، فتم إخفاء مفهوم الاحتساب الذي كان قائماً، ووُزعت مهامه التي كان يضطلع بها على الأجهزة المختلفة كالشرطة وغيرها.
أما بالنسبة للفرق بين الاحتساب والأعمال التطوعية، أوضح الدكتور محمد عبد الكريم أن الأعمال التطوعية أوسع من مفهوم الاحتساب، لأن المقصود منها أحياناً تقديم النفع للمجتمع؛ كالتطوع في التعليم أو الصحة أو الأنشطة الإغاثية المختلفة، أما الاحتساب فهو كما عرّفه الماوردي (أمرٌ بالمعروف إذا قلّ أو خفي، ونهيٌ عن المنكر إذا ظهر) ومن هنا يأتي التطوع في موضوع الاحتساب، وهو من أفضل أنواع التطوع.
وبسؤاله عن مقدار الاحتساب وهل يكفي فيه الشخص المحتسب أن يبلّغ السلطات الرسمية بأن شيئاً ما يحدث في مكان معيّن، أم يلزمه مباشرة الاحتساب بنفسه؟ قال الدكتور عبد الكريم Yن الأصل أن يبدأ الشخص بمحاولة تغيير هذا المنكر بعيداً عن إدخال السلطات الرسمية فيه، فإن لم يكن بدٌ من عمل البلاغ الاحتسابي، فعليه أن يفعله وله أجره خاصةً إذا تابع هذا البلاغ حتى تتم مقاضاة الفاعلين أو المفسدين وإيقاف المنكر، كما أنه يجب عدم تجاوز من فعلوا المنكر إلى أهليهم، وينبغي أن يكون الأمر متعلقاً فقط بمن فعل المنكر.
وأشار الشيخ محمد عبد الكريم إلى أنه ليس بالضرورة على المحتسب أن يكون قادراً بنفسه، وإنما يمكنه ذلك عن طريق تجميع عدد من الناس في شكل تظاهرة لإزالة هذا المنكر، وهذه التظاهرات تعد وسيلة من وسائل الاحتساب، ففي كتاب البداية والنهاية لابن كثير وغيرها من الكتب، نماذج كثيرة على احتساب العامة على أصحاب المنكرات، وكان ابن تيمية رحمه الله من أكثر الأئمة احتساباً.