شيخ د.آدم الشين للطابية: اليهود في فلسطين مغتصبون لاعلاقة لنا معهم إلا الحرب وإخراجهم من أرضنا
حاوره : د.الفاتح عبد الرحمن

القدس هي القضية الأولى والوحيدة التي تجمع المسلمين
هرولةٌ غير مسبوقة تمارسها بعض الدول العربية في خواتيم هذا العام 2020م، للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي؛ بدايةً بالإمارات والبحرين (في أسبوعٍ واحد) مروراً بالسودان الذي تم أمر تطبيعه بإشراف راعية التطبيع في إفريقيا والشرق الأوسط؛ الولايات المتحدة الأمريكية، وصولاً للمملكة العربية السعودية التي تقف على حافة بوابة قطار التطبيع في انتظار الإذن لها بالولوج. وكان قطار هذا التطبيع قد مرّ بمحطات مصر في كامب ديفيد 1978م، فإرتريا في 1993م، فوادي عربة بالأردن في أكتوبر 1994م، ثم لحقت بها جيبوتي في ديسمبر من نفس العام.
فما حقيقة هذه الموجة العاتية لإقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي على الرغم من عدم تحقيقها لنتائج إيجابية للدول العربية المطبّعة؟ وما الموقف الشرعي الذي ينبغي أن يقفه المسلم من هذه القضية؟ هل يعتبرها قضية عقيدة لا تقبل المساومة؟ أم أنها من قضايا السياسة الشرعية التي تقوم على الموازنة بين المصالح والمفاسد؟
حملنا هذه الأسئلة وغيرها ميممين شطر مجمع الفقه الإسلامي لطرحها على الشيخ الدكتور آدم إبراهيم الشين أمين الشؤون العلمية بالمجمع، فكانت الحصيلة هذا الحوار الساخن.
*بدايةً نريد من فضيلتكم توضيح ماهية العلاقة بين المسلمين واليهود وكيف تكون؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، الأصل في علاقة المسلم بغيره من أصحاب الديانات الأخرى هو التعامل بالحسنى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم). فالبر والإقساط هما الأصل في معاملة اليهودي وغيره، وهذا بالنسبة لليهود إذا كانوا في بلدانهم الأصلية، أما اليهود الموجودون في فلسطين فهؤلاء مغتصبون ليست لنا علاقة معهم إلا الحرب والقتال وإخراجهم من أرضنا التي احتلوها واغتصبوها، فإذا خرجوا بعد ذلك فلا بأس من أن نقسط إلى من أحسن منهم، ونعاملهم، ونتبادل معهم التجارة وكل شيء، أما هؤلاء الذين هم في فلسطين فهم أهل حرب ومعاملتنا لهم تكون معاملة أهل الحرب.
*هل التطبيع يخضع لعقيدة الولاء والبراء، أم أنه يندرج تحت السياسة الشرعية التي تقوم على الموازنة بين المصالح والمفاسد؟
التطبيع يخضع لعقيدة الولاء والبراء (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم أن تولوهم) فهذه آية صريحة وواضحة في النهي عن موالاة من أخرجنا من ديارنا أو ظاهر على إخراجنا أو حاربنا، فعقيدة الولاء والبراء تدفعنا إلى عدم التطبيع مع اليهود، وحتى السياسة الشرعية قائمة أيضاً على الولاء والبراء، فإذا كانت السياسة تتعارض مع الولاء والبراء، فنقدّم الولاء والبراء من هؤلاء اليهود، ونترك السياسة جانباً، لأنها لا تقدم لنا خيراً أبداً.
اليهود الموجودون في فلسطين الآن مغتصبون ليست لنا علاقة معهم إلا الحرب والقتال وإخراجهم من أرضنا
*هل كون اليهود محاربين لبعض المسلمين ومهادنين للبعض الآخر، يعطيهم الحق للتطبيع مع المهادنين؟
هم ليس لهم حق أصلاً، ولكنهم كعادتهم دائماً يسعون لخدمة مصالحهم وتحقيق ما يرضيهم، فهم لا يريدون الحرب لأنها تكلفهم كثيراً، وإنما يريدون هذا السلام الذي يجعلهم يتقوون ويتسلحون بقدر ما يجدون، ومتى ما سنحت لهم الفرصة، سيصنعون كما صنعوا بالجيوش العربية في 67، فإنهم تسلّحوا وتسلّحوا ثم عقدوا اتفاقية صلح بعد ذلك، ولذلك لما وجدوا هؤلاء الأعراب أشتاتاً ممزقين، فعلوا بهم الأفاعيل، فكونهم مهادنين للبعض هذا ليس شأننا، وليس لنا أن نهادنهم أو نساويهم.
*ما الحكم الشرعي للتطبيع مع اليهود بصرف النظر عن كل ما يحيط بالمسألة من تجاذبات وتداخلات؟
التطبيع مع اليهود حرامٌ، حرّمه القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحرّمه العقول السليمة، فهم يحاربون المسلمين فلسطينيين أو غيرهم، وواجب المسلم كما ذكر فقهاء المالكية أنه إذا دهم عدو أرضاً واغتصبها واحتلها، فإنه يجب على أهل تلك البلدة أن يقاتلوه حتى يردُّوه، فإن لم يستطيعوا، وجب على من بعدهم أن يعاونوهم، فإن لم يستطيعوا، وجب على من بعدهم أيضاً أن يعاونوهم، وهكذا حتى يجب على الأمة جميعاً، ولذلك فالأمة جميعاً الآن واجبٌ عليها أن تحرر فلسطين وبيت المقدس من قبضة اليهود، وطالما لم تفعل ذلك فهي آثمة حتى تحرره، ولذلك يحرم التطبيع معهم أصلاً؛ فإذا كانت الأمة آثمة في إخراجهم، فكيف تطبّع معهم؟
*ما رأيكم في الفتوى الصادرة عن رئيس دائرة الفتوى بهيئة علماء السودان (عبد الرحمن حسن حامد) التي جوّز فيها التطبيع على الرغم من منافاتها للفتوى الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي؟ وهل استندت على قاعدة صلبة؟
هذه الفتوى أعتقد أن صاحبها نفسه غير مقتنع بها وغير مسلّم لما فيها، لأن فيها ليٌّ للنصوص وإغفال للنصوص الأخرى واستخدام للمواقف التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في غير محلها، فهو يتكلم عن وثيقة المدينة التي لم يكن
التطبيع مع اليهود حرام شرعاً وعقلاً ما داموا محاربين مغتصبين لأرضنا
اليهود حينها محتلين لها أو مغتصبين لديار أهلها، وإنما جاؤوا وأقاموا فيها بطريقة من الطرق، ولذلك لمّا خانوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدولة، فما كان من إبقائهم طريقة، ولذلك أجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم كما أجلي بني النضير وبني قينقاع وقتّل بني قريظة كما هو معلوم في السيرة النبوية. ولذلك هذه الفتوى لم تستند لأي رأي شرعي، وللأسف الشديد الشيخ عبد الرحمن حسن حامد كأنه يريد أن يجعل السياسة شيء والعقيدة شيئاً آخر، وهذه علمانية وقع فيها صاحب هذه الفتوى، فسياستنا قائمة على عقيدتنا، وكل ما يخالف عقيدتنا لا نساوم ولا نهادن فيه، بل نعلنها صريحةً واضحةً بيّنةً كما قال الصحابة رضوان الله عليهم لمّا جاء النبي صلى الله عليه وسلم يساومهم على نصف ثمار المدينة وهي سياسة شرعية من أجل أن يرجعوا، فقالوا والله لا نعطيهم إلا السيف، ولسان حالهم عندما كنا كفاراً لم نعطيهم إلا السيف، فكيف بعد أن أسلمنا وأعزنا الله بالدين نعطيهم نصف ثمار المدينة؟ فلم يهادنوا أو يساوموا، ولذلك هذه الفتوى مجانبة للصواب تماماً ولا تستند على أية قاعدة.
*هل التطبيع السياسي والاقتصادي يمكن أن يكون مدخلاً للتطبيع الاجتماعي والثقافي؟
التطبيع كما هو معلوم قد يكون سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو غير ذلك، ولذلك أي خطوة من خطوات التطبيع ستقود بالضرورة للأخريات؛ فالتطبيع السياسي سيقود للتطبيع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وهكذا، وهذا ما نراه اليوم في هذه الدول التي طبّعت سياسياً، فهي الآن تخطو خطوات اقتصادية؛ فالطائرات التجارية أصبحت تغدو وتروح، وصارت تطبّع اجتماعياً وثقافياً، فالوفود العربية للأسف الشديد صارت الآن تذهب وتزور بيت المقدس تحت حماية المحتل، ولا تدخل إلا من الأبواب التي يحتلها الصهاينة، فإذا كانوا يريدون خيراً للفلسطينيين فلماذا لا يدخلون عبرهم؟ ولكنهم يعلموا أنهم خائنون لله ولرسوله وللمسلمين، ولذلك لا يستطيعون الدخول لبيت المقدس إلا تحت حماية اليهود. فالتطبيع سيئة تجر بعدها سيئات أخرى كثيرة، ولن يقتصر الوضع على هذا، وسيرى المطبّعون سواء كانوا هنا في السودان أو في البلدان الأخرى، سوء وخيبة التطبيع مع هذا الكيان الغاصب الذي لن يجنوا منه إلا سوءاً وفقراً وتشرذماً وتشظياً، وهذا ما سنراه والعياذ بالله، فإن تم التطبيع هنا في السودان (وأسأل الله ألا يتم) فسنرى هذه البلاد تقسّم إلى دويلات تتقاتل فيما بينها، وهذا شأن اليهود الذين لا يسرهم أن يجتمع مسلمان على شيء واحد، وفي السيرة أنهم لمّا جاؤوا ووجدوا الأوس والخزرج يجلسون مع بعض ويتكلمون ويتسامرون في إلفة ومحبة وإخاء، ساءهم هذا المنظر وهم الذين يفترض أن يكونوا دعاةً للسلام كما يروّجون الآن، ولكنهم ساءهم هذا المنظر، فذهبوا وأثاروا بين الأوس والخزرج نعرات الجاهلية الأولى حتى اقتتلوا، وجاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يجر إزاره ويقول: أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم؟ ولذلك فهؤلاء اليهود لن يتركوا المسلمين مقيمين على شيء واحد، فنسأل الله تعالى ألا يرينا ذلك.
*ما رأيكم في بعض التحركات غير الرسمية لإضفاء وجه شعبي للتطبيع مثل مبادرة (برطم لزيارة وفد سوداني لإسرائيل، وجمعية الصداقة السودانية الإسرائيلية.. إلخ)؟
هي ليست تحركات شعبية كما يقولون، وإنما تحركات منتفعين مسترزقين ممن يجرون ويلهثون خلف موائد اللئام لالتقاط فُتاتها، فهؤلاء لا يمثلون الشعب السوداني، ويسمون تحركاتهم هذه بالشعبية وهي في حقيقتها تحركات رسمية؛ فهم لن يُسمح لهم بالسفر إلى إسرائيل ما لم يحصلوا على تأشيرات وموافقة الحكومتين السودانية والإسرائيلية وهذه إجراءات رسمية، ولذلك يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها؛ فهؤلاء منتفعون مجرمون لا يمتون للشعب السوداني بصلة ولا يمثّلونه، فهذه الدعوات في حقيقتها (كما ذكرت) سيئة تجر بعدها سيئات وخيبات، لأنهم يريدون إظهار اليهود متحضرين وكذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (نظّفوا أبنيتكم ولا تشبّهوا بيهود) فهم أوسخ خلق الله، ونسأله تعالى أن يخزيهم.
*البيان الذي أصدره مجمع الفقه الإسلامي هل محل إجماع بين أعضائه أم هناك مخالفون؟ ونظرتكم لدور الدعاة والمؤسسات الإسلامية في مناهضة التطبيع؟
الفتوى التي أصدرها مجمع الفقه الإسلامي محرّماً فيها التطبيع مع اليهود هي بإجماع جميع الأعضاء الذين حضروا، وحتى الأعضاء الذين لم يحضروا لبعض الأعذار؛ اتصلوا وأيّدوا الفتوى، أما دور المؤسسات الرسمية كمجمع الفقه الإسلامي والجهات غير الرسمية أو الشعبية كهيئة علماء السودان والرابطة الشرعية للعلماء والدعاة واتحاد علماء السودان في مناهضة التطبيع، فهؤلاء جميعاً لهم دور بارز وكبير، وكذلك أئمة المساجد والخطباء وكُتّاب الأعمدة ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت ملجئاً لكثير من الناس، ويمكن عبرها تغيير وتوجيه آراء الشعوب، كل هؤلاء لهم دور كبير في مناهضة التطبيع، وينبغي على المسلمين الذين يؤمنون بقضية القدس وهي القضية الأولى والوحيدة التي تجمع المسلمين وتوحّدهم جميعاً، ولذلك يسعى اليهود لتفتيت جهود هؤلاء المسلمين بجعل قضية القدس تخص الفلسطينيين وحدهم، بل وحتى داخل فلسطين يسعون لجعلها تخص حماس وحدها، ولذلك فقضية الأقصى هي قضية عقيدة ودين وشرع وليست قضية سياسة وأرض ووطن، ولذلك ينبغي على المسلمين جميعاً أن يكونوا صفاً واحداً. أسأل الله عز وجل لنا وإياكم التوفيق والسداد.
*كلمة أخيرة:
أولاً أود أن أشكر شبكة الطابية الإخبارية لإتاحة هذه السانحة وهذا الحوار مع الأخ الفاتح عبد الرحمن، لأن أبديَ هذه المسألة المهمة، وأعبّر عن شكري وامتناني الكبيرين لإخواننا المرابطين والمجاهدين في بيت المقدس، وما هذه الكلمات إلا جهد المقل. أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المجاهدين بألسنتهم في سبيله، وأن يجعل شبكة الطابية من الألسنة الناطقة بالحق والداعية لما فيه خير وصلاح هذه الأمة الإسلامية.. شكر الله لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس