الدكتور اللواء (م) محمد العباس الأمين للطابية:السودان تنتظره حرب أجهزة المخابرات في المنطقة
حاوره: حسن عبد الحميد
ساستنا يلعبون في السياسة كالهواة وليست هناك استراتيجية واضحة
الدكتور اللواء (م) محمد العباس الأمين رجل له خبرته العسكرية الطويلة عبر خدمته في القوات المسلحة السودانية وتسنمه للكثير من المواقع فيها حتى تقاعد برتبة لواء في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى أنه حاصل على الدكتوراه في العلوم الاستراتيجية ويدرّس الاستراتيجية بالجامعات السودانية، ورجل بمثل هذه الخبرات لا يكفي معه لقاء واحد، لكنا استفدنا من الزمن الذي خصصه لنا، وحاولنا أن نطرق أهم القضايا الاستراتيجية التي تواجه السودان في عالم اليوم، فأجاب إجابات مختصرة لكنها عميقة في مختلف المحاور التي تناولناها في هذا اللقاء القصير، على أمل أن نلتقي ب مرة أخرى عبر الحوار أو عبر المقالات أو عبر التقارير والإفادات في شتى القضايا.
السودان دولة بها موارد هائلة ويمكن أن يلعب دورا كبيرا لكنهم لن يتركوه في حاله.
بداية نسأل اللواء الدكتور العباس عن الاستراتيجيات العالمية للدول الكبرى في عالم اليوم، وكيفية تعاملها مع بعضه البعض؟
ـــ كل الدول الكبرى في العالم تسعى إلى ترتيب أوضاعها الداخلية والخارجية بما يخدم مصالحها، انظر إلى فرنسا الآن مثلا، فهي تقوم بترتيب أوضاعها لتأخذ دورها الطليعي في الشرق الأوسط والعالم، وأقنعت الدول في العالم والشرق الأوسط باستراتيجياتها في الشرق الأوسط وإفريقيا، لكن نحن ليس لدينا هذا النفس الطويل، مع أننا أهم دولة في شرق ووسط إفريقيا.
وروسيا والولايات المتحدة لم يعودا يتعاملان مع بعضهما كما كانا في السابق في ظل النظام العالمي القديم، فالآن ليس بينهما مناكفات، بل تنسيق كامل، وحتى ما يجري في العراق مثلا المستفيد منه الروس والأمريكان معا.
إذا انتقلنا مباشرة ومن ناحية عملية إلى العلاقات السودانية الأمريكية كيف تسير وما هو مستقبلها؟
ــ الولايات المتحدة لها تقليد تسير عليه، ولديها تخطيط استراتيجي مع كل دولة من دول العالم، حتى تتمكن من الاستفادة من الموارد الخاصة بتلك الدولة، ورغم كل ما يحدث الآن بين الولايات المتحدة والسودان؛ إلا أننا نستطيع أن نقول أنه ليست لنا استراتيجية واضحة في التعامل مع الولايات المتحدة، وبالتالي أصبحت المسألة كأنها تسير بلا اتجاه، وهذا أمر خطير، وأحيانا عندما يتحدث ساستنا مع الولايات المتحدة يطلبون دعما ماليا مثلا عشرة مليار دولار، وهذا مبلغ ضعيف وتافه بالنسبة للولايات المتحدة لأن الولايات المتحدة تتحدث عن أرقام فلكية، والسودان الآن ليست له عناصر ضغط، لذلك أي واحد يقول لك أن لنا علاقة دقيقة بالولايات المتحدة غير متابع للأوضاع، ومثلا علاقة عبد الناصر بالولايات المتحدة كانت علاقة قوية، لأن عبد الناصر استطاع أن يفرض وجوده بالشرق الأوسط، وبالتالي استطاع أن يفرض على الولايات المتحدة ما يريده من موقع قوة.
وهناك نكتة متداولة أن الرئيس الفريق إبراهيم عبود أثناء زيارته للولايات المتحدة في ستينيات القرن الماضي، قال له الرئيس الأمريكي ماذا تريدون من الولايات المتحدة؟ فقال له عبود بل أنتم ماذا تريدون؟ فاحتار رئيس الولايات لأن كل رئيس يأتي ويطلب منه مال إلا الفريق عبود. فطلب من مستشاريه أن يأتوه بمعلومات عن السودان، فأخبروه أن السودان يمتلك موارد ضخمة، وأنه يمكن أن يكون دولة لها وجود على الساحة الدولية إن ترك في حاله، فطلب منه أن ينتبهوا للسودان، ولا يتركوه في حاله…
وأنا لا أظن أن هذه نكتة لأنها تنطوي على حقائق، فالسودان فعلا دولة لها موارد كبيرة، ويمكن أن يلعب دورا كبيرا على الساحة العالمية إن ترك، لحاله، ولذلك لا يتركونه لحاله، ومنذ الاستقلال الحكومات السودانية المتعاقبة تلعب في السياسة كالهواة، وبعد الثورة ليست هناك استراتيجية للدولة واضحة المعالم، وهذا ما يحير، مثلا لا توجد دولة في العالم تصدر الماشية حية، والخراف نفسها إذا ملكت أمرها لن توافق على تصديرها حية.
في اتفاقيات جوبا الأخيرة الموقعة مع الحركات المسلحة فقرات تتحدث عن استحقاقات مدتها عشر سنوات، بينما الحكومة الانتقالية مدتها ثلاث سنوات، كيف نفهم هذه الأمور؟
ــ هذه من علامات الاستفهام الموجودة في الاتفاقيات الأخيرة التي تم توقيعها في جوبا، ما الذي تفاوضوا عليه؟ وما الذي تنازلوا عنه؟ وماذا قالوا في الاتفاقيات؟ ويجب عليهم أن يملكوا الحقائق للناس، وهذه الأمور تحتاج إلى دراسة، وكيف يتفقون على أمور تنجز خلال عشر سنوات وفترتهم الانتقالية مدتها ثلاث سنوات، بل من يضمن لهم أنهم سيستمرون حتى نهاية الفترة الانتقالية.
كيف توقع الحكومة استحقاقات لمدة عشر سنوات.. من يضمن لها البقاء حتى نهاية الفترة الانتقالية؟
في شرق السودان أطلت بوادر فتنة قبلية وسقط ضحايا نتيجة الأحداث هناك، ما هي الأسباب برأيك؟
ــ هذا أثر من المشاكل الموجودة في السودان، لأن ما أعطي لدارفور وكردفان في الاتفاقيات كفيل بأن يحرك بقية المناطق للمطالبة بمثل هذه الاستحقاقات، حتى إذا كان هذا يقود إلى التمرد، وهذا مؤشر خطير.
هل تشعر أن ثمة أياد خارجية تعبث بأمن البلاد وتتحرك هنا وهناك من أجل إثارة الفتنة؟
ــ من أصعب الأمور في عالم السياسة عمل المخابرات ضد بعضها البعض، وهذه المنطقة بها مصالح متشابكة، فمنطقة القرن الإفريقي من الصومال وإلى إثيوبيا وأرتريا بها موارد ضخمة، ولديهم استراتيجيات متقدمة، مثلا إذا تحدثنا عن إثيوبيا ومشروعها سد النهضة، فهو يحقق لها أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية ويجعل من إثيوبيا قوة هائلة. فالسودان قوة هائلة أيضا ولذلك لن يتركوه يستقر، فالسودان ينتظره الكثير في الشرق، تنتظره الحرب بين أجهزة المخابرات في المنطقة.
فمثلا رئيس الوزراء الإثيوبي الأشياء مرتبة في ذهنه جدا، وعندما تواجه مثل هذه الشخصية إما أن تهزمها هزيمة منكرة، أو تبتلعك، ورئيس الوزراء الإثيوبي في الفترة القصيرة التي تولى فيها الأمور في إثيوبيا استطاع أن ينجز مشاريع استراتيجية، ومثل هذا يحتاج لانسان (حافظ لوحه تماما).
الآن أطلت مطالبات بالحكم الذاتي وضمنت في الاتفاقيات الأخيرة بجوبا، هل ترى أن موضوع الفدرالية ومعالجات الإنقاذ لهذه المشاكل هو السبب في تطور الأمور إلى هذا الحد؟
ــ إذا كان التعليم قوي ومرتب ومنظم والكتاب المدرسي متوفر، وكل أركان العملية التعليمية جاهزة، فلن تكون هناك مشكلة، مثلا جيلنا كان مثقفا ثقافة قوية، وطالب الثانوي قوي جدا من الناحية الثقافية، مثلا عندما زرت الولايات المتحدة وأنا ضابط صغير سألوني أين تعلمت اللغة الانجليزية، فقلت لهم في المدارس، قالوا لي هذا يعني أن والدك ثري وأرسلك للمدارس الخاصة، وقلت لهم إن والدي يملك لوري فقط، لكن نظام التعليم عندنا راق جدا، والقبول في المدارس الحكومية مجانا، فقط حسب قدرات الطالب ونجاحه في الامتحانات.
ومثال آخر، قام السودان بإيفاد مجموعة من الطلاب إلى كوريا للتعليم، وقالوا للكوريين نريدكم أن تعلموا أولادنا تعليما راقيا، فضحك منا الكوريون وقالوا لنا نحن نعمل بالنظام التعليمي الذي اقتبسناه منكم قبل أربعة عشر عاما. فالمنهج التعليمي كله يحتاج إلى إعادة تقييم وإلى ترشيد لكافة أركان العملية التعليمية.