د. الفاتح عبد الرحمن يكتب: جامعة الدول العربية.. أزمة التطبيع والقيادة
د.الفاتح عبد الرحمن
بعد نحو أسبوع من توقيع اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في سبتمبر الماضي، قررت فلسطين التخلي عن حقها في رئاسة مجلس الجامعة العربية للدورة الحالية، احتجاجاً على هذه الخطوة، وجاء على لسان وزير خارجيتها رياض
المالكي تعليقاً على ذلك: إن فلسطين لا يشرفها رؤية هرولة دول عربية للتطبيع مع الاحتلال، ولن تتحمل عبء الانهيار وتراجع المواقف العربية والهرولة للتطبيع”. وأضاف قائلاً: إن هذا القرار جاء بعد اتخاذ الأمانة العامة للجامعة موقفاً داعماً للإمارات والبحرين، اللتين طبّعتا مع إسرائيل، في مخالفة لمبادرة السلام العربية.
بعد ذلك توالت الاعتذارات عن تولي رئاسة مجلس الجامعة، حيث اعتذرت تباعاً كلٌ من قطر والكويت ولبنان وجزر القمر وأخيراً ليبيا، لتصبح الجامعة بدون رئاسة للدورة الحالية، وهي بذلك أشبه ما تكون ب”جنازة البحر” كما يُقال في المثل، والتي لا تجد من يسترها. فلماذا هذا الموقف المشرّف من الدول العربية التي لم يكن سقف تفاعلها مع القضية الفلسطينية يتجاوز حاجز الشجب والإدانة؟
الظاهر أنها صحوة ضمير تعبّر عن إحساس القادة العرب بعدمية الجامعة وفشلها، هكذا يرى بعض المغردين العرب، في حين تساءل الكاتب والمغرد المصري قطب العربي قائلاً: إن هذه أول مرة تعزف الدول العربية عن رئاسة الجامعة التي كانت تمثل الحد الأدنى للضمير العربي فأصبحت تمثل ضمير محور التطبيع فقط.
وأياً كان، فإن الدور المرتجى من الجامعة العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، يبدو أنه في طريقه إلى الزول والاضمحلال، وذلك بعد سقوط الأقنعة التي كانت تخفي تحتها علامات التضامن الوهمية، والتي أصبحت الآن إشارات نصر بذوبان الجليد وتحطم الجدار الذي كان يحول دون التواصل العربي الإسرائيلي على كافة المستويات، والذي (أي هذا التواصل) دشنته كلٌ من الإمارات والبحرين، لتفسحا بذلك الطريق واسعاً لكل متردد للحاق بركب التطبيع والذي يبدو أنه لن يتوقف عند المحطة الإماراتية والبحرينية فحسب، بل سيتدحرج مستبيحاً حرمات عدد من الدول العربية التي لم يكن يمنعها من القيام بهذه الخطوة سوى الحياء والخوف من الرأي العام الداخلي لديها، أما الآن فلا خوف ولا خجل، بل مسارعة دون وجل، ففي الوقت الذي أكملت فيه كلٌ من الإمارات والبحرين عملية التطبيع، يبدو أن السودان قد حسم أمره أيضاً على الرغم من الفتوى الصادرة عن مجمع الفقه الإسلامي فيه (بحسبانه السلطة الدينية العليا) بحرمة التطبيع مع اليهود، حيث جاء على لسان نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) أنهم ماضون في أمر التطبيع دون التفات لأحد.
إذن فالأمر أصبح واضحاً الآن، وهو أن الجامعة العربية لم تعد السند الحقيقي للقضية الفلسطينية وعلاقة إسرائيل بالعرب، وعلى الشرفاء من قادة الدول العربية الذين سجّلوا موقفاً قوياً بالاعتذار عن رئاسة الجامعة في دورتها الحالية، عليهم العمل على تكوين كيان جديد يعبّر عن رفضهم لأية مهادنة مع المحتل الغاصب، ويواصلوا عبره تسجيل المواقف المشرقة التي يمكنها أن تتطور لتصبح قرارات ملزمة لجميع الأعضاء، لمواصلة حملات المقاطعة للكيان الصهيوني، وكذلك المقاطعة الأدبية للمتخاذلين من المطبّعين.