حسن عبد الحميد يكتب: بنسودا.. لا مرحبا بكِ
وصلت مدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا إلى الخرطوم السبت السابع عشر من أكتوبر، ودلفت من صالة كبار الزوار يحيط بها مجموعة من المسئولين السودانيين أثناء زيارتها للسودان، وقد نقلت الأسافير قبل زيارتها تهديدها لنائب رئيس مجلس السيادة بأن توقيعه على اتفاق جوبا لن يفلته من العقاب على جرائم الجنجويد في دارفور، ولو كنت مسئولا في الحكومة السودانية لما سمحت لها بتأشيرة دخول إلى السودان بعد أن أهانت نائب رئيس الدولة ـ بغض النظر عن رأينا فيه ـ لأنه يمثل الدولة السودانية، أو لقمت باعتقالها فور وصولها مطار الخرطوم، وأرجعتها في أول طائرة من حيث جاءت، ومنظر بنسودا وهي يحيط بها مجموعة من المسئولين السودانيين ذكرني بمنظر المستعمر الانجليزي أيام الاحتلال وهو يتجول بتكبر ويحيط به مجموعة من السودانيين أيضا، ولا فرق بين المنظرين، فذلك المحتل الانجليزي مستعمر بالأصالة، وبنسودا ممثلة للاستكبار الغربي والصلف الامبريالي.
ونذكّر بنسودا بأن ذاكرة الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة تحتفظ بالكثير من صور الانتهاكات والجرائم التي سكتت عنها محكمتك ممثلة الاستكبار الغربي، ففي بداية هذه الألفية عاث الجنود الأمريكان فسادا في بغداد وكل العراق بعد أن أسقطوا صدام حسين، وارتكبوا انتهاكات موثقة ومؤكدة أمام أعين العالم الذي وقف متفرجا أمام هذه الجرائم ضد الانسانية، وقبلها اجتاحت القوات الأمريكية أيضا كابول عاصمة أفغانستان وأسقطت حكومة طالبان وارتكبت جرائم حرب وعاثت في الأرض فسادا، وقبلها في الصومال قامت القوات الأمريكية بجرائم ضد الانسانية في مقديشو ولم ينسحبوا إلا بعد أن جرعهم الصوماليون المذلة وسقوهم المهانة بعد أن جرجروا جنديا أمريكيا في شوارع مقديشو كالشياه.. وهذه هي حكومات الاحتلال الصهيوني في فلسطين ترتكب امام أعين العالم بصورة راتبة جرائم ضد الانسانية بحق إخواننا الفلسطينيين الصامدين المدافعين عن أرضهم ووطنهم، فلماذا أغمضت عينيك وسددت أذنيك عن جرائم الصهيونية في حق البشرية.. بل أين محكمتك مما ارتكب في بورما بحق المسلمين الروهينجا… أيكفيك هذا أم أزيدك شواهد من جرائم الصلف الغربي عموما والأمريكي الصهيوني خاصة في منطقتنا مما تحتفظ به ذاكر الأجيال في منطقتنا العربية والإسلامية؛ فأين محكمتك من مثل هذه الجرائم؟
لقد وضح جليا أن المحكمة الجنائية الدولية موجهة أساسا إلى الدول الإفريقية، وتستهدف قادة دول العالم الثالث خاصة من المسلمين، وتغض الطرف عن جرائم الاستكبار الغربي في أنحاء المعمورة، وإلا فإن بوش الابن، وتوني بلير، وساركوزي، وغيرهم من قادة الغرب المستكبر تتلطخ أيديهم بدماء الأبرياء في منطقتنا العربية والإسلامية، ولم نسمع لكم صوتا في إدانتهم أو مجرد لفت نظرهم إلى أن هذا لا يجوز في ميزان العدالة، أم أن لكم ميزانا آخر للعدالة ومعايير مختلفة لتعريف الجريمة.
مهما يكن من أمر نقول لك أنك غير مرحب بك في السودان، مهما دلفت من صالة كبار الزوار، ومهما قابلت من المسئولين، لأنك ببساطة تمثلين الاستكبار العالمي في أوضح صوره، ومسألة عدم تسليم مواطنين سودانيين للمحكمة الجنائية الدولية هي مسألة مبدئية ينبغي أن يقف معها كل الأحرار والثوار في السودان بغض النظر عن مشاربهم السياسية ومذاهبهم الفكرية، فالسودانيون الأصيلون لا يجتمعون على شيء مثل اجتماعهم على بغض الاستكبار الغربي والظلم عموما خاصة إن كان صادرا من الامبريالية العالمية وممثليها.
وكلمة أخيرة للحكومة السودانية.. إن استقبالكم لمدعية المحكمة الجنائية الدولية خطأ كبير بعد أن أهانت نائب رئيس الدولة، لكن الخطأ الأكبر سيكون تعاونكم معها في تسليم مواطنين سودانيين حتى لو كانوا معتقلين في سجونكم، فالقضاء السوداني كفيل بإحقاق الحق ورد المظالم، فلا تنسبوا إلى أنفسكم عار الدهر وسبة الأبد بموافقتكم على تسليم مواطنين سودانيين للمحكمة الجنائية الدولية.