تقاريرثقافة

نيلوفوبيا .. رواية تعكس غضب النيل وسطوته

كتبت :نجاة حاطط

صدرت عن دار مدارات للطباعة والنشر في العام 2016، رواية “نيلوفوبيا ” للروائي عمر فضل الله.. وحمل عنوان الرواية (نيلوفوبيا) أبعادا نفسية تدل على الخوف المفرط من النيل، خشية الغرق.. وحملت لوحة الغلاف نفسها ذات المعني من خلال لوحة التي صممها الفنان عبدالله الطيب، تظهر من خلالها سيماء أمواج متلاطمة لعلها لأناس يكابدون الغرق .
وتـأتي عتبة النص الأولى الأهداء إلى “الذين فقدوا إعزاءهم في حادث باخرة العاشر من رمضان، التي غرقت في عام 1983م، ولكل الذين غرقوا في النيل على مدار التاريخ”، ليؤكد من خلال الإهداء ذات فكرة العنوان وليعتبر الغرقى من ضحايا النيل .

مشهد وكاميرا
يأتي مشهد الرواية الأول، الذي ينفتح عليه النص، بصوت منادي ينادي أهل العيلفون أن هلموا فهناك من غرق، ويجري الكل نحو النيل دون أن يعرفوا من غرق.. يجرون رجالا ونساء وأطفالا دون أن ينتبهوا لهيئاتهم!!..وفي هذه اللحظة كانت عين الراوي تراقبهم، فتجول عيناه بين المهرولين، فيرى أخته تجري دون ثوب وشعرها المنكوش يبدو واضحا للعيان – بالرغم من أنها قد بلغت مبلغ النساء..كما يرى أمه تنتحب والنساء يضممنها إليهن وهن يصررن على أن ترى وجه كل واحدة منهن .. بل منهن من ترفع رأسها عنية أو يسمعنها صوتهن عن عمد.
كانت كاميرا الراوي تتجول بين الرجال لترى من هبَّ مسرعاً لينزل في النيل ويسبح بحثا عن الغرقى، ومنهم من كان يقف ليصدر الأوامر فقط .. ويتبين لنا من هذه الفقرة تماما ما يحدث من تصرفات في أوقات الحزن في مجتمعي الرجال والنساء بالسودان .

المقلب:
يتضح من سياق الرواية أن الطفل (الراوي) أراد أن يصنع مقلبا على أهل الحي، فيتركهم يبحثون عنه وعن صديقه ثم يخرج هو وصديقه عليهم ضاحكين بعد أن يروا التعب بدأ جليا على محياهم!.. تماما كما حدث في قصة (توم سوبر ) التي استمتعا بها، حيث مثّل الأطفال توم وبيل وهاك الغرق على ذويهم حتى أصروا أن يقيموا لهم جنازة، ثم سرعان ما ظهروا لهم..عندها قرر عبد العزيز الشهير بعزو (بطل الرواية) أن ينفذ القصة مع صديقه صلاح، ليريا من من أهلهما سيحزن عليهما، ومن سيبكي كثيراً، ثم ليضحكوا أخيراً على أهليهما.
ويضع عزو ملابسه في “القيف”، عنية ليوهم أهل العيلفون بأنه غرق، ويتنحى بعيداً لمراقبتهم .. يفعل هذا الشيء بعد أن يتفق مع صديقه صلاح على الفعل تطبيقا عمليا لقصة توم سوير.
ولكن عزو لم يتخيل أن يكون الحزن والنحيب من أهله بكل هذا الألم، ورغم فرحه بهذا الحب الذي يحمله له أهله إلا أنه وجد حرجا كبيرا في أن يخرج على أهل العيلفون بعددهم الكبير هذا ليجدوه عاريا كما ولدته أنه ثم ليعلموا فعلته الشنيعة تلك..انتظر قليلاً، حتى وجد (حِمّيد) ذلك السباح البارع يغطس ثم يغوص ثم يغطس بحثا عن جثته المزعومة وجميع الأنظار متعلقة بالرجل والنحيب يزداد من النساء..تخيل كيف ستكون (علقته) عندما يجدونه!!..حاول أن يخرج ولكن سرعان ما تسمر في مكانه عندما وجد أن الرجل يخرج وفي يده جثة صلاح !!.

المفاجاة:
أفلح الكاتب في تصوير المفاجاة التي حملها للقاريء وهو يرى صديقه الذي أملى عليه المقلب ينفذه وحيدا غارقا في النيل بكامل ملابسه.. ثم يراه يخرجه حميد من النهر بارداً وبعنق مكسورة..عندها يخرج الراوي الطفل”عزو” من مخبئه غير عابئا بعريه ليتفحص صاحبه بعينيه المفتوحتين وبطنه الممتلئة بالماء.

التحول الكبير :
بعدها يرصد الكاتب التحول الكبير الذي حدث للطفل عبدالعزيز جراء الحادث شعوراً منه بالذنب الكبير لما فعله، ولم يغفل المؤلف عن إظهار ردة فعل الأم المكلومة الفرحة بعودة ابنها سالما، حتى تنسيها الفرحة أن تساله عن الحادث ظنها منها بأنهما كانا معا عند الغرق!!..ولكن الشيء الذي لم يتوقعه أحد هو أن الطفل عبدالعزيز كان ينتظر صديقه لينفذ معه مقلبا لأهل الحي، غير أن الصديق صلاح كان قد أتى مبكراً، واستبق صديقه فيما ينتويان فعله، ولتصبح المزحة واقعا بائسا لدى الطفل المقترح للعمل .

إحساس بالذنب:
إحساس الطفل عبدالعزيز بدأ منذ الوهلة الأولى لاكتشافه الحدث والصدمة المريرة هي ما جعلته يخرج عاريا ولا يبالي لشيء رغم حرجه الكائن قبل اكتشاف الموت.. وليتبلور الإحساس بالذنب أكثر عندما يرى صديقه أمام القبر والجميع يصلون عليه فلا يتمالك أعصابه ويحتضنه مصراعلى الدخول معه للقبر ككتلة واحدة وهو ما يجعل الإمام والمصلون يجهشون بالبكاء المريروهم يصلون على الصغير.
ومما زاد من إحساس الراوي المتعاظم بالذنب أصابة والد صلاح بالعمي، فصار عبد العزيز يختبيء منه وهو يبكي حزنا لما آل عليه حال الوالد الذي لم ينجب غير صديقه، حتى أنطفأت عيناه حزناً على ولده..
ثم يتعاظم أكثر إحساسه بالذنب عندما يحس أن لا أحد من أسرته يرغب في معرفة ما حدث له.. فيبدأ عبدالعزيز في التبول اللا إرادي، ويزيد من حدَّة حالته أن أمه لم تفعل شيئا تجاه هذا السلوك الذي لم يحدث حتى في طفولته الباكرة، واكتفت بأن تركت (العنقريب) خاليا من أي فراش ولم تخبر حتى والده بما استجد من سلوك .

سلوك عدواني
وفي ردة فعل عنيفة لما حدث لصديقه الوحيد، صارعبد العزيز يضرب جميع أطفال العيلفون بشدة، ولم تخفه سياط المعلمين الذين أغلظوا سياطهم في مؤخرته، بل صار يتحمَّل سياطهم بجلد شديد وكأنها جزء من الروتين اليومي للمدرسة، بل تفنن في تعنيف الصغار وصار يضربهم بما يجده قريبا منه.. فيضربهم أحيانا بالعصا أويقذفهم بالحصى أو حتى يستعمل أسنانه لعضهم وصار روتينا ثابتا أن تأتي الأمهات للمدرسة يشتكين مما حدث لأبنائهن جراء العدوان الغاشم من عبد العزيز.. وصار يضرب حتى من يكبرونه سناً، وكان يتفنن في اكتشاف وسائل جديدة للعنف المبرح ضدهم.

خراب شامل:
وجاءت مرحلة آخرى من الإحساس بالذنب، إذ بدأ عبد العزيز بقطع وإزالة ما زرعه خفير المدرسة من مزروعات وتدميره تماما، ومحاكاة ما تفعله القطط والفئران من إضرار .. ولكن سرعان ما اكتشفت إدارة المدرسة ما يفعله الصبي عبد العزيز، الذي لم يفده أي عقاب ألحق به.. وكثيرا ما كان يسمع حديث معلميه وهم يتذكرون طفولته الهادئة عندما كان أصغر.

إنضم الى احدى مجموعاتنا على الواتس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى