الطيب مصطفى
من بربكم يرفض السلام.. كيف نجرؤ على أن نرفض اسما من أسماء الله الحسنى؟!
ولكن هل يتحقق السلام بأي ثمن حتى ولو كان على حساب جيشنا الحارس مالنا ودمنا؟! هل نرتضي السلام حتى ولو أدى إلى (تفكيك) جيشنا .. (تفكيك الجيش) ذلك البعبع الذي ظللنا نحذر منه على مدى عقود من الزمان وحتى يوم أمس؟!
ليته لو كان سلاما مع الحركتين المسلحتين الكبريين اللتين تملكان قوة حقيقية في الميدان وبالتالي تستحقان أن يبذل في سبيل استرضائهما للجنوح للسلام ..ليته لو كان مع حركتي الحلو وعبدالواحد.
نعم نسعد بعودة جبريل ومناوي وعقار وعرمان ولكن هل كانوا يستحقون كل ذلك الثمن؟!
ثمن فادح يقضي بإنشاء قوات مشتركة في دارفور من جانبي القوات المسلحة والحركات المسلحة قوامها عشرون ألف جندي تكون مناصفة بين القوات النظامية للدولة ومنسوبي ما سمي بحركات الكفاح المسلح التي ستشارك بعشرة آلاف مقاتل بينما تشارك القوات المسلحة + الدعم السريع + الأمن والشرطة بعشرة آلاف ايضا!
يا سبحان الله.. بالله عليكم ماذا نسمي هذا إذا لم نسمه تفكيكا للقوات المسلحة السودانية؟ وكم ستكون نسبة الجيش في العشرة ألف جندي إذا خصمنا الدعم السريع الذي يتكون غالبه من دارفور، ثم خصمنا الشرطة والأمن؟!
مواطنو دارفور أهلنا وأحبابنا ولكن هل نأمن على جيشنا ألا يكون مجرد مليشيات قبلية لا انتماء قومي ووطني يجمعها على القيم والأهداف والعقيدة المشتركة التي نشأت عليها القوات المسلحة السودانية؟!
هل نسي البرهان وحميدتي المعارك الحاسمة التي خاضها الدعم السريع ضد الحركات المسلحة الدارفورية في قوز دنقو ووادي هور والتي كسرت ظهرها تماما وأنهت وجودها أو كادت؟!
ظللت أقول إن قادة الحركات الدارفورية التي تم التوقيع معها وكذلك حركة عقار بعد أن طردها الحلو من جبال النوبة وجنوب كردفان بعد أن الحق بها هزيمة نكراء (عمد بلا أطيان) وما كانوا يستحقون كل ذلك البذل في سبيل استرضائهم ولكن هل اقتصر (التحنيس) والانكسار والانبطاح على هؤلاء أم شمل حتى من لم يرفعوا السلاح منذ خلق الله آدم وأعني إقليمي الشمال والوسط اللذين ظهر لهما أنبياء كذبة ادعوا أنهم يمثلونهما؟!
لذلك عبر أحدهم عن (مغصه) ومرارته المفقوعة ببوست ساخر ظهر فيه التوم هجو رافعا يده بالاتفاق الذي وقع معه عن ما سمي بمسار الوسط وهو يقول :(الحمد لله كده نقدر نقول الحرب وقفت في الحصاحيصا)!!!
في تلك الأيام عندما طرحت المسارات الجديدة كتبت أقول إني أفكر في عمل مسار لمسقط رأسي (قرية الهوبجي المجاورة للمتمة بنهر النيل)! فذلك غدا أقصر الطرق لنيل الجاه والسلطان!
وفقا للاتفاق تغلغلت الحركات المسلحة الموقعة في قمة قيادة القوات المسلحة ..(المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهيئة الأركان ومختلف الأسلحة) ، فواحر قلباه!
إنهم سودانيون.. ما اختلفنا ، ولهم كل الحقوق التي تتاح لأبناء السودان ولكن بالدرب العديل الذي يصنع قوات مسلحة قومية منصهرة ولاؤها للوطن وليس لمليشيات أو قيادات قبلية أو اثنية أو أقاليم بعينها.
بربكم هل سيكون الجيش السوداني بعد هذه الاتفاقية جيشا وطنيا قوميا نسميه القوات المسلحة السودانية أم أنه فكك صامولة صامولة كما قال (سيئا الذكر) وجدي صالح ومحمد جلال هاشم، وفكك معه السودان الذي لن يعود ذلك البلد العظيم الذي نعرفه من قديم؟!
لم أتحدث عن تنازلات أخرى كثيرة ربما أتعرض لها لاحقا.
إن ما حدث جزء من الاخفاقات الكبرى التي ابتلينا بها في ظل هذا الوضع الكارثي منذ سقوط النظام السابق تصديقا لقول ربنا سبحانه :(وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ) ..فقد حاقت بنا المصائب التي نسال الله أن يزيحها عنا برحمته تعالى وليس بعملنا السيء وسلوكنا القبيح.
ما أن تم التوقيع حتى أخذت الاحتجاجات تتوالى من الحركات المسلحة الأخرى وخاصة من حركتي الحلو وعبدالواحد الذي أضحكني والمني تعليقه (إنها عطية مزين)! كل ما منح من عطاء كبير وبالمجان لتفكيك الجيش السوداني من قبل مفاوضين ليسوا مؤهلين ولا مفوضين لم يرضه، فكيف سيكون الحال عندما يجلس Mr NO علي طاولة التفاوض ثم كيف بالحلو الذي ينطوي على ما هو أخطر وأشنع وأقبح؟!
فاتني أن أقول إن العلة بدأت يوم سمي حاملو السلاح من المتمردين ب(حركات الكفاح المسلح) .. حركات (كفاح) مسلح تسمي الأرض التي تحتلها أرضا (محررة)!!! .. ذلك الانكسار وذلك الانبطاح هو الذي أدى إلى الوضع الكارثي الذي نتلظى في سعيره الآن.
بالله عليكم من نلوم ؟! لن نلوم غير من تسبب في كل هذه الأوضاع ولم يؤد الأمانة التي أمر بها ربنا سبحانه ، ولذلك لم يوفق ولن يوفق ورب الكعبة إلا أن يثوب إلى رشده ويعود إلى صوابه.